Home»International»حديث لا مندوحة عنه بمناسبة حلول اليوم العالمي للغة العربية

حديث لا مندوحة عنه بمناسبة حلول اليوم العالمي للغة العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

 حديث لا مندوحة عنه بمناسبة  حلول اليوم العالمي للغة العربية

محمد شركي

 بداية لا بد من تذكير من يعلم ومن لا يعلم ،ومن يقر ومن يجحد ،ومن يؤمن ومن يكفر ويلحد بأن اللغة العربية قد اختارها الله تعالى كي يبلغ بها رسالته العالمية الخاتمة لكل البشر إلى قيام الساعة . ولا  يقبل عذر من أحد لم يطلع عليها لخطورة ما يترتب عن الانصراف عنها أو الجهل بها بعد الرحيل عن هذه الدنيا  الفانية والانتقال إلى دار الخلد فيها مصيران لا ثالث لهما  إما نعيم مقيم أو جحيم سرمدي . ولا عذر أيضا  لمن لم  يحرص على الاطلاع عليها باللغة التي نزلت بها ، ولا يجزىء الاطلاع عليها بالترجمات التي لا يمكن أن  تبلغ شأوها  أو تفري فريها إحاطة وشمولا بالمقصود الذي أراده الله عز وجل تعبيرا وتصويرا وتفصيلا وإيجازا وإعجازا … وهي مع كل هذا جزء من المعجزة القرآنية لا تنفك عنها ، وبها تحدى الله تعالى الخلق أن يأتوا بمثل ما أنزل  مضمونا وشكلا . ولقد أثنى الله عليها في محكم تنزيله فقال : (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) ، وهذه شهادة من الخالق سبحانه وتعالى لا  تضاهيها ولا تعدلها شهادة الخلق مهما بلغ علمهم، ودق تعبيرهم ،وفصحت ألسنتهم . وحسب لغة الضاد فخرا أنها حازت شرف وفضل بيان كلام الله تعالى وبزت بذلك نداتها من الألسنة .

ها نحن  يوم الثامن من شهر دجنبر نستقبل  من جديد مناسبة اليوم العالمي للغة القرآن الكريم المنفردة دون غيرها بحرف الضاد الذي تنعت به وتضاف إليه ، فما هو حالها في هذا الظرف بالذات وقد انبرى للنيل منها تنقيصا من شأنها وتهوينا من قدرها  ومقدارها شراذم  يجمع بينها إضمار الكراهية لدين الإسلام وبغض كتاب الله تعالى وهم إما ملحدون من شتى الأعراق والأجناس أو أصحاب ديانات  منحرفة اعتراها الشرك أو وثنية أو متعصبون لألسنتهم يعيشون بين ظهرانينا ،وهؤلاء يختزلون دعوة الإسلام في مجرد غزو انطلق من جزيرة العرب إلى أصقاع الأرض لا ليبلغ رسالة الله عز وجل للناس على اختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم بل لإٌخضاعهم وإذلالهم، ونهب خيراتهم ومقدراتهم وطمس هوياتهم على حد زعمهم  وهم مفترون . وما يضمر كل هؤلاء  الحقد والعداء للغة الضاد إلا لأن الله تعالى اختارها لتبلغ عنه للورى رسالته العالمية وهي خاتمة الرسالات والمصدقة لها والمهيمنة عليها. وما كرهوها لأصواتها ولا لمفرداتها ولا لجملها ولا لنحوها ولا لبلاغتها وبيانها  ولا لجرسها وإيقاعها منفصلة عن كلام الله تعالى وإنما لملابسته ، وإن فيهم من يستجيدونها ويستعذبونها ويشيدون بها أيما إشادة  حين تلابس كلام البشر من نثر وشعر ، وفي هذا دليل قاطع وحجة دامغة على سر كرههم  للغة الضاد  سواء أخفوه  أو أذاعوا به علما بأنه لم يعد في هذا الظرف طي  الكتمان  بسبب الطارىء من الأحداث .

ومقابل هؤلاء نجد الناس من مختلف الأعراق والأجناس والألسنة  ممن فتح الله تعالى أبصارهم وبصائرهم وهداهم إلى صراطه المستقيم  يجلونها إجلالا  لكلامه ، ويجدون في تعلمها كل الجد ، ويتغنون بها وهم يتلون كتابه على اختلاف مستوياتهم في فصاحة الألسنة التي ألفت العجمة ، ومنهم من يتحرق ندما  وحسرة لأنه لم يتعلمها،  في حين يجهز عليها المغرضون ويتجنون عليها  تعصبا للهجة  ما من بناتها وقد انحرفت بها الألسن عن فصاحتها وبيانها أو تعصبا لأخرى من سنخها وهي عالة عليها تغترف من معينها  وينكر ذلك أصحابها.

وعند التأمل في تكالب تلك الشراذم على لغة الضاد نجد الجامع بينهم  كما  مر  هو كره آخر ما نزل بها  من عند الله عز وجل. ولقد أحدثت مجامع مشبوهة لهم تصرف عليها الأموال الطائلة بكل سخاء من أجل  شن حرب شعواء عليها تعددت مشاربها وهدفها واحد في نهاية المطاف . ومن تلك الشراذم من انبرى لحربها من خلال المقررات الدراسية حيث غيب منها أجمل ما ألف بها من عيون الشعر ، وبديع النثر ، وحل محلها  ما رَكّ  من الكلام وسَخُف بغرض ابتذالها ، وصرف الناطقين بها من الناشئة المتعلمة عن الصدح والتغني بها  أداء والغوص في  فنون بيانها  والاطلاع على ما أبدع فيها منثورا ومشعورا ،  والتأنق في رسم حروفها الرائعة بشهادة غير أهلها ، وذلك لصرفهم عن كلام الله تعالى كي يستغلق عليهم فهمه مع مرور الزمن ، وبذلك تطمس هويتهم  الإسلامية و تمسخ   ويتحقق بذلك المشروع المشبوه  والخبيث والماكر الذي لم يعد مستترا  بل صار جليا صارخا ومتنطعا . وبنفس الخبث والمكر تحارب المعاهد التي تنافح عن لغة الضاد ، وترمى هي والساهرين عليها والوافدين الراغبين فيها بالتهم الباطلة الملفقة كي تعطل جهودها المحمودة ، وتغلق أبوابها  لتفتح أبواب التجهيل والتضليل وصناعة  المسوخ البشرية من الأجيال مستقبلا . وما لم يُخَلَّ بين الناشئة المتعلمة وبين عيون الأشعار وبديع الكلام  كما كان الحال في الماضي وقبيل  آخر غزو غربي  لبلاد العروبة والإسلام، فلن تستقيم ألسنتها غناء بلغة الضاد ، وما لم يقع الصلح بين مهارة الحفظ والاستظهار وهي السبيل إلى اكتساب الذكاء المتوهج  وترويضه عكس ما  يروجه عنها دعاة الغباء ،فلن تتوقد المواهب ،ولن يبرز الإبداع كما كان في العصور  الذهبية الزاهية .

 ومما يحز في النفوس أن بعض أولياء أمور الناشئة المتعلمة  في البلاد العربية يحرصون الحرص الشديد على تلقين أبنائهم وبناتهم ألسنة الأمم الغربية على وجه الخصوص ، ولكنهم لا يشعرون بأدنى وخز من ضمير وهؤلاء الأبناء والبنات  عاجزة ألسنتهم ب عن لوك لغة الضاد ، ومن هؤلاء الأولياء الأغبياء من يعتبرون ذلك امتيازا وفضلا يفاخرون به حين تحوزه ناشئتهم وتتميز به عن غيرهم في وقت  تتنافس فيه الأمم الأخرى بقوة وشدة وحرص في مضمار التمكين لألسنتها كي تكسبها الريادة  على حساب غيرها .

ومما يحز في النفوس أيضا ويؤسف له شديد الأسف أن مجامع لغة الضاد في عالمنا العربي  لا زالت دون بلوغ المؤمل  منها أو عندها ألا وهو مسايرة قطار نقل المعارف والعلوم التي صارت حكرا على أقوام و على ألسنة بعينها .

ومن المحزن الحزن الشديد أن معظم التراث بلغة الضاد لا زال إلى يوم الناس هذا أسير خزانات من غزوا بلاد الإسلام وسطوا على كنوزها ، ولا زال معظمه مخطوطا كما نبه إلى  ذلك العلامة الباحث التركي فؤاد سزكين  منذ عقود مضت وقد رحل  رحمه الله عن هذه الدنيا سنة 2018 ، ولا ندري هل حمل مشعله غيره أم أن مشروعه قد قبر معه لا قدر الله  ؟

 ومن الغريب أيضا أن تتفرق  شعوب الوطن العربي الكبير شذر مذر حين اتخذت من العاميات بديلا عن الفصحى وهن بناتها التي يلحنون بها ، وهم يفاخرون بذلك في حين يخجلون  من استعمال الفصحى  لغة التداول والتعامل اليومي عوض اقتصار استعمالها  إنشاء وخطابا أكاديميا أو رسميا  أو إعلاميا أوتدريسا وتلقينا . وقد يسخر بعضهم ممن يستعملها في أحاديثه اليومية  ويتندر به مع أن هذا من  آثار المكرالمدسوس لمحاربة الفصحى  لكي تظل على الهامش في التعامل اليومي  في حين يفسح المجال واسعا  لاستعمال العاميات كما  يطالب و يجهر ويصرح بذلك دعاة  من يريدون إحلالها محل الفصحى . ومن تلك الأساليب أيضا نصب اللوحات الإشهارية في الشوارع  العامة وعليها إعلانات بالعاميات  وحتى بكلمات وعبارات  من لغات غربية  مما تنقله عنها العاميات وهي مرسومة بخط عربي  تشجيعا  وتغليبا لها بين الجمهور العربي .

ومن لطف الله تعالى الحافظ لذكره الحكيم  بلغة الضاد أنه يتلى في بيوته عز وجل يوميا و به تستأنس الآذان ، وتنتعش الذاكرات ، وتستقيم الألسن ، وتظل  موصولة بها .

 وأخيرا وليس آخرا هذا غيض من فيض مما يجب أن يستحضر  بمناسبة اليوم العالمي للغة الضاد  وهي  فخر أهلها وغيظ  عِداها . وكل عام ولغة الضاد رائدة كدوحة باسقة الأغصان ، وارفة الظلال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *