حديث الجمعة : (( الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ))

حديث الجمعة : (( الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ))
محمد شركي
مواصلة لعرض أحوال وصفات الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال القرآن الكريم ،سيسلط الضوء في حديث هذه الجمعة على فضله صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب انطلاقا من الآية الكريمة السابعة والخمسين من سورة الأعراف التي يقول فيها الله عز وجل :
(( الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )) .
لقد جمع الله تعالى في هذه الآية الكريمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صفتي الرسالة والنبوة كما جاء ذكرهما في التوراة والإنجيل، وفي هذا تشريف وتعظيم لشأنه عليه الصلاة والسلام . ولقد ميز أهل العلم بين الرسول والنبي فكلاهما يوحي الله عز وجل إليه إلا أن الرسول يؤمر بتبليغ رسالة فيها شريعة ، بينما لا يؤمر النبي بذلك ولكنه قد يقر شريعة أو شرائع رسل سابقين . ويبدو أن هذه الآية الكريمة فيها ما يؤكد رسولية ونبوة سيدنا محمد وبعثته بشهادة التوراة والإنجيل. ولقد استشهد بعض المفسرين بنصوص من أسفار التوراة والإنجيل فيها إشارة واضحة على بعثة سيد المرسلين وخلتمهم ،وممن ذكروا ذلك العلامة الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه في تفسيره التحرير والتنوير ، ومما ذكر أن اليهود بدلوا صفة الرسول وأبقوا على صفة النبي لتصدق هذه الصفة على النبي الذي زعموا أنه سيكون من بني إسرائيل ، كما حذفوا صفة الأمي . ومهما يكن من أمر، فإن شهادة القرآن الكريم بورود ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لا يؤثر في مصداقيتها ما طرأ عليهما من تحريف بحذف أو بتغير كما أخبر بذلك الله تعالى في محكم التنزيل .
ومن فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين أنه لم يقتصر فضله على من بعث فيهم من العرب الأميين بل شمل أيضا أهل الكتاب سواء ممن عاصروه أو من أتوا بعدهم وذلك إلى قيام الساعة . ومن هذا الفضل أنه أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وهم أهل منكرات ،وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث وهم أهل خبائث ، ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم مما جاء في شريعة موسى عليه السلام ومنها أحكام كثيرة فيها مشقة خصوصا ما يتعلق بالعقوبات ،وبتعذر الاستتابة من بعض الذنوب …. إلى غير ذلك من المشاق والقيود التي عاقبهم بها الله عز وجل لمخالفتهم أمر رسولهم.
ولقد رغب الله تعالى أهل الكتاب في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء منهم من عاصروه أو ممن سيأتون بعدهم إلى قيام الساعة لما في الإيمان بدعوته واتباع شريعته من تيسير يحررهم من الشدة والعسر الذي في شريعة موسى عليه السلام وما أقره يعده عيسى عليه السلام ، وذلك في متم الآية الكريمة حيث قال جل وعلا : (( فالذين آمنوا به وعزّروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )) . وحري بأهل الكتاب أن يكون قوله تعالى حافزا لهم على الإيمان به صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا كما وصفه في الذكر الحكيم وكما جاء في التوراة والإنجيل وتصديقه وتعزيره واتباع شريعته الميسرة لبلوغ فلاح الدارين وسعادتهما. ولقد آمن به يهود ونصارى في زمانه وفي كل الأزمنة التالية، ولا زال هذا حالهم في زماننا هذا ،وسيظل كذلك إلى قيام الساعة بالنسبة لمن أراد الله تعالى بهم لطفا ، ولو يحرمهم فضل اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثناء من كتب عليهم شقاء الدارين .
وهذا الفضل العظيم الذي خص به الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام قد فتح به باب الهداية والخلاص لأهل الكتاب على يديه وهو تشريف وتعظيم لقدره عظيم عليه الصلاة والسلام الذي أكده ما نوه به سبحانه وتعالى في محكم التنزيل من عظيم خلقه، ولكونه الرحمة المهداة إلى البشرية قاطبة مصادقا لقوله جل من قائل في الآية السابعة بعد المائة من سورة الأنبياء : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ، إته عليه الصلاة والسلام بهذا التشريف قد جمع الناس على شريعته الغراء لكي يحيوا حياة طيبة في عاجلهم و في آجلهم . ولو أن البشرية اليوم اتبعت النور الذي أنزل معه لما كان وضع العالم على ما هو عليه من سوء الأحوال بسبب الظلم والطغيان والفساد في البروالبحر بما كسبت أيدي الناس، ولما عانت مما تعانيه من مآسي الحروب غير المسبوقة ضراوة ودمارا .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين أولا بعظمة ورحمة رسول الله صلى الله علبه وسلم التي شملت أهل الكتاب في زمانه وفي الأزمنة التالية إلى قيام الساعة ثم تذكيرهم ثانيا بالشرف الذي ينالهم بين أمم الأرض لكونهم من أتباعه ومن حملة دعوته إليها في كل الأصقاع ، وعليهم تقع مسؤولية تبليغها عنه كما يجب وكما يحسن التبليغ وذلك لضمان استمرار رحمته صلى الله عليه وسلم بالبشرية قاطبة.
وعلى بعض المحسوبين على الإسلام ممن استلبوا بأقكار منحرفة عن تعاليمه السمحة والمنبهرين والمفتونين بمن يجحدون رسالة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان وحلول ساعة الندم ولات حين مندم ،ولهم عبرة في دعوة الله تعالى أهل الكتاب إلى اتباع النور الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أن لهم عبرة فيمن اتبعوه منهم سواء في زمانه أو من جاءوا بعدهم بمن فيهم أهل هذا الزمان حيث تطلع علينا بين الحين والآخر أخبار من أراد الله تعالى بهم خيرا فهداهم إلى اتباعه عليه الصلاة والسلام وهم يعبرون عما وجدوه من خير وهدي في شريعته الغراء فانتقلوا من حياة الضلال والشقاوة إلى حياة طيبة تغمرها السعادة في انتظار حياة السعادة الأبدية. ولاشك أن المصدقين بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب سيكوون شهودا يوم القيامة على أقوامهم وحتى على المحسوبين على الإسلام من المنسلخين منه، وممن يحاربونه خدمة لأجندات أعدائه الذين يتربصون به الشر حسدا من عند أنفسهم.
اللهم إنا نسألك الثبات على دينك وعلى شريعة رسولك ونبيك عليه الصلاة والسلام ، واجعل اللهم سعادتنا في اتباع النور الذي أنزلته عليه، واجعلنا ممن يعزرونه وينصرونه ، واكتب لنا بذلك الفلاح والحياة الطيبة في العاجل والآجل.
اللهم انصر عبادك المؤمنين المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج وفي كل مكان، واجعل اللهم كيد من يكيدون لهم في نحورهم، وامكر اللهم بهم مكر الشديد ردا على مكرهم الخبيث بعبادك الموحدين.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .





Aucun commentaire