Home»Islam»حديث الجمعة : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))

حديث الجمعة : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))

محمد شركي

بعد سلسلة أحاديث  سابقة عن صفات وأحوال المنافقين الواردة  في كتاب الله عز وجل ، سننتقل إن شاء الله تعالى إلى أحاديث عن  بعض صفات وأحوال المؤمنين وهي كثيرة لا يحصيها عد .

 وبداية نذكر مرة أخرى بما ورد في بداية سورة البقرة من إشارة إلى  ثلاث فئات من الناس فئة مؤمنة  ، وفئة كفرة ،وأخرى منافقة تلحق بسابقتها  البواح كفرها لأن المنافقين يبطنون الكفر، ويظهرون الإيمان الكاذب.

أولى أحوال وصفات  الفئة المؤمنة ما جاء في الآية الكريمة السابعة والخمسين  بعد المائتين من سورة البقرة حيث قال سبحانه وتعالى : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) ، ففي هذه الآية الكريمة يمتن الله عز وجل على عباده المؤمنين بنعمة موالاته لهم، والتي تتجلى في حبه سبحانه وتعالى لهم ،وهدايتهم  ، وحفظهم ، وتأييدهم ، ونصرهم، وإسباغ نعمه الوافرة عليهم ظاهرة وباطنة. ومن جليل إنعامه عز وجل إخراجهم من ظلمات الضلال إلى نور الهداية.

 ومعلوم أن  كل إنسان يولد مؤمنا على الفطرة التي فطرالله تعالى الناس عليها إلا أن تنشئته الاجتماعية إذا ساءت، انحرفت به عن هذه الفطرة السوية التي تخرجه من دائرة الهداية إلى دائرة الضلال . وقد يستعيد فطريته  السوية بلطف الله به ، فيعود إلى حظيرة الهداية من جديد ، وهي نعمة ومنة من الله عز وجل حين  يشمله بموالاته.

ولقد شبه  الله تعالى هذه العودة إلى الفطرة في الآية السادسة والخمسين بعد المائتين من نفس السورة بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وذلك في قوله عز من قائل : (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم )) ،ومع أن هذه الآية تدل على أن التمسك بعروة وثقى لا انفصام لها يصدر عن الإنسان المؤمن ، فإن بلوغه هذه الغاية  إنما هي إرادة إلهية تتمثل في موالاة الله تعالى له حين تفضل بها عليه فيخرجه من ظلمات الضلال المنحرف به عن الفطرة السوية  إلى نور الهداية التي ترده إليها . وتشبيه هذه العودة بالتمسك بعروة وثقى لا انفصام لها دليل على ثبات وتمكن نور الإيمان  في القلوب بحيث لا يخشى زواله تماما كما  أنه لا يخشى انفصام العرى الوثقى في ذوات الحلق من الأوعية على اختلاف أنواعها أوغيرها مما يتمسك أو يتشبث به طلبا للنجاة  من هلاك . ويفهم من هذا التشبيه  أيضا أن حال من يتبع الطاغوت، وهو كل مظهر من مظاهر الشرك والكفر كحال المتمسك بعروة منفصمة ،لا يأمن على نفسه من التردي والهلاك.

والإخراج من ظلمات الضلال إلى نورالهداية الذي ينعم به من يواليهم الله عزوجل ينعكس على سلوكهم الظاهر الذي يوجهه الباطن  السوي ، فلا ترى أحوالهم وصفاتهم في الظاهر إلا كما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما شاهدا عدل ، لا شهود معهما ، ومن ابتغى الشهادة عند غيرها فهو مفتر كذّاب .

ومعلوم أن نعمة الإخراج من ظلمات الضلال إلى نور الهداية التي يبوء من يحظى بها مرتبة موالاة الله تعالى له ، لا تنال بنسب أو حسب  أو جاه أو مل أو سلطان، بل تنال بما أخبر به الله عز وجل في الآية الكريمة الثالثة عشرة من سورة الحجرات في قوله تعالى : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) ، ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن الأكرم من الناس عند الله عز وجل هم المتقون ، ولا اعتبار في ذلك لانتماءاتهم العرقية أو القبلية  أو أجناسهم أو ألوانهم  أو ألسنتهم . والتذييل الواردة في آخر هذه الآية يدل على أن الله تعالى قد استأثر بالعلم والخبرة بمن هم أكرم الخلق عنده ، ولا اعتبار لظنون أو تخرصات أو تزكيات  يزكي بها البشر أنفسهم أو يزكي بها بعضهم  بعضا  افتراء عليه سبحانه وتعالى ، وذلك من خلال الحكم على ظواهرهم مع الجهل التام  بالسرائر التي استأثر بعلمها وحده جل في علاه.

 والتقوى سريرة من تلك السرائر لا يمكن الحكم الصائب عليها  من خلال الظواهر إلا ما شهد به الشاهدان العدلان، كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع شرط  إخلاص أهل السرائر التي علمها عند الخالق وحده سبحانه وتعالى . ولا يمكن لمؤمن كيس أن يدعي لنفسه أو لغيره بلوغ الكرامة  عند الله عز وجل  التي تعني تقواه على الشكل الذي  يرضاه  سبحانه ، وإنما الكيس من دان نفسهم، وعمل لما بعد الموت كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكل من يتمنى على الله الأماني لنفسه أو لغيره كبلوغ  الكرامة عنده سبحانه وتعالى وهو يتبع نفسه هواها، فإنما هو عاجزلا كياسة له .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بما يلزم لبلوغ الكرامة عند الله عز وجل  كما أخبر بذلك في محكم التنزيل ،وهي تقواه كما يرضاها سبحانه وتعالى،  وهي نعمة الخروج من ظلمات الضلال إلى نور الهداية ، لا كما يزكي الناس بذلك أنفسهم أو يزكون  بعضهم بعضا اعتمادا على ظواهرهم ، مع تغييب أمر السرائر التي علمها عنده وحده جل في علاه .

 ولعل الداعي إلى هذا التذكير هو ما شاع بين كثير من الناس قديما وحديثا من تزكية أنفسهم وتزكية غيرهم ممن يظنون بهم الصلاح الذي علمه عند الله وحده دون غيره ، وادعاء التقوى وكرامتهم عند الله عز وجل كما هو حال أصحاب ما يسمى بالطرق الصوفية البدعية  الذين ابتدعوا ما لا دليل لهم عليه  في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حجة لهم يحتجون بها كما هو الشأن بالنسبة لما ابتدعوه من شطحات ، وترنحات ،  وتأوهات ،وجذب ، ورفع العقيرة بالإنشاد لما يسمونه مديحا وسماعا ،وهو خليط من أشعار تقتبس من فن الغزل ،وفن وصف مجالس السكر ، وهم يزعمون لها تأويلات على أنها عن  تعبير عما يسمونه وجدا يبلغون به السمو الروحي ، والفناء في حب الذات الإلهية ، وكأن هذا السمو لا يحصل إلا بمحاكاة ما وضع  من الكلام  في الأصل إلا للتعبير عن شهوات وغرائز مادية … إلى غير ذلك مما لم يؤثر  شيء منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ ولا عن صحابته رضوان الله عليهم ـ حاشاهم ـ ولا عن التابعين رحمة الله عليهم ـ حاشاهم ـ ولا عن عباد وزهاد من الصالحين رحمهم الله ممن كانوا يمتحون من النبع الصافي قرآنا كريما وحديثا شريفا   ولا يزيدون عنهما شيئا  مما ابتدعه  ويبتدعه المبتدعون استدراجا للناس نحو الضلالة المفضية إلى النار والعياذ بالله .

ولقد خلفت من بعد المبتدعة الأوائل أخلاف اتخذوا لهم شيوخا يصفونهم بالسادة العارفين بالله ، والأقطاب الربانيين ، ويدعون أنهم قد كشفت لهم حجب الغيب ، وأنهم قد حصلوا على الإذن مباشرة من رب العزة أو من رسوله صلى الله عليه وسلم للسلوك بأتباعهم المنعوتين بالمردين والفقراء طرقا، وضعوا لها أسماء ، وقد صارت اليوم طرائق قددا  يحتار الناس فيها، ولا يخلو بلد مسلم من  وجود العديد منها ، ولم بعد لهذا الزمان قطب واحد  كما كان يقال  في الماضي  بل تعدد الأقطاب  الذين  يقدسون ، ويبجلون، ويعظمون ، ويزكون على الله عز وجل وهم أحياء ، فإذا ما قضوا شيدت على أضرحتهم القبب والأسوار ، وصار الناس يحجون إليها  بنية وقصد التبرك، وربما اتخذ الناس من ثراها دواء لكل الأدواء … وتسوق لهم كرامات  من غرائب  وعجائب وخوارق الأمور التي تسوق استخفافا بعقول العوام …  إلى غير ذلك مما ينسب لهم  افتراء على الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهم آدميون  لا عصمة لهم من ذنوب ، وما ينبغي لهم  أن يوصفوا بما لا يصح من أفعال إلا لله تعالى علوا كبيرا عن الأنداد والشركاء من خلقه أو ينسب للمرسلين صلواته وسلامه عليه أجمعين . وما أحوج  من يزكون إلى  إخراجهم ككل خلق الله تعالى  من ظلمات الضلال إلى نور الهداية .

وموازاة مع مثل تلك البدع التي تعد افتراء من عبادة الله لا يأمن من يأتيها على نفسه من الضلال  والهلاك ،هناك بدعة جمع الشيوخ الأموال  الطائلة  من المردين ومراكمتها  من أجل حياة الرفاهية  والبذخ مع أنهم يصفون أنفسهم بالفقراء، وكأن التاريخ لم يسجل لنا كيف عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيرا محبا للفقراء طاويا كشحه الشريف تحت الحجارة من مسغبة  ، ولم يكن يمرعليه الشهر والشهران إلا وطعامه فيهما الأسودان ماء وتمر ، أولم يسجل كيف عاش صحابته من أهل الصفة وغيرهم الذين لا يتعلق بغبار تقواهم كل شيوخ الطرق المستحدثة منذ نشأتها إلى يوم الناس هذا ، ومن زعم غير ذلك فقد جاز قدره ، وركب غروره، وتجاسر على أقدارهم رضوان الله عليهم ، وهم الذين لا يساوي مد أحدهم أو نصيفه مقدار جبل أحد ذهبا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعلى عموم المؤمنين الحذر من الانحراف عن جادة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، وقد وصفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، كما أخبر أصحابه ممن عاشوا بعده أنهم سيرون اختلافا كثيرا ، فأوصاهم  بما عرفوا من سنته ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعده ، وبطاعة من سار على نهجهم  من ولاة أمورهم وإن كان عبدا حبشيا ، والعظ عليها بالنواجذ ،لأن المؤمن كالجمل الأنف  » الطيّع  » كلما قِيد انقاد ، وانقياده إنما يكون بما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا بسواهما من الأهواء البشرية .

اللهم إنا نعوذ بك من الزيغ عن كتابك وهدي نبيك ، ومن ظلمات الضلال ، ونسألك نورالهداية ، والثبات على البيضاء التي ليلها كنهاري. اللهم رد بالضالين إلى طريقك المستقيم. واجعل اللهم القرآن الكريم ربيع قلوبنا ، وجلاء همومنا وغمومنا ، وحبب إلينا اللهم  الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره لنا الكفر والعصيان ، واجعلنا من الراشدين فضلا منك ونعمة.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *