Home»International»العوامل التي شجعت الكيان الصهيوني على التمادي في عدوانه داخل فلسطين وخارجها

العوامل التي شجعت الكيان الصهيوني على التمادي في عدوانه داخل فلسطين وخارجها

1
Shares
PinterestGoogle+

العوامل التي شجعت الكيان الصهيوني على التمادي في عدوانه داخل فلسطين وخارجها

محمد شركي

المعروف عن اليهود عبر التاريخ أنهم أصحاب دسائس ، ولهم في ذلك نفس طويل  في انتظار أن يحين الأوان لجني ثمار ما يحدده  سلفهم  من أهداف لخلفهم وإن طال الزمن وتراخى دون أن ينال منهم  يأس أو ملل أو كلل،فهم  يعلقون الآمال العريضة على أساطيرهم الدينية التي عفا عنها الزمن ، وهم حذاق في اقتناص الفرص حين تنشغل شعوب العالم عنهم  بشواغل، ويشهد على هذا التاريخ الذي لا يمكن طمس حقائقه .

 ودون العودة إلى التاريخ البعيد، يكفي أن نستحضر ما دونته بعض صفحاته عنهم في النصف الأول من القرن العشرين الذي شهد ما يسمى بإعلان إنشاء وطن قومي لهم سنة 1948 . وهنا لا بد من وقفة لنسجل أن العالم الغربي تجاهل ولا زال يتجاهل عن قصد وسبق إصرار الخوض  في  ظروف  وملابسات استنباته هو للكيان الصهيوني في  قلب الوطن العربي  حتى صار الأمر يبدو وكـأنه بمثابة حدث  من أحداث التاريخ البعيد مع أنه حدث بالأمس القريب . ولا أحد اليوم يذكر في المحافل أو في المؤسسات أوالمعاهد الفكرية  شيئا عن قصة هذا الاستنبات الذي  يموه عليه بأسطورة تلمودية تزعم أن الرب قد أعطى اليهود أرض فلسطين وما حولها من النهر إلى البحر ليكون هذا الحيز وطنا لهم لا ينازعهم ، ولا يساكنهم فيه غيرهم مما سكنوه قبلهم على وجه الحقيقة لا أسطوريا.

وكل ما سجله التاريخ عن اليهود أنهم  يحملون في وجدانهم وقناعتهم الراسخة  أنهم شعب الله المختارالمتميز عرقيا عن كل الأعراق البشرية ، وأنهم وحدهم البشرعلى وجه الحقيقة في البسيطة ، وما سواهم من البشر مجرد كائنات ،و قد لا يخجل بعضهم  من تشبيهها بالحيوانات علوا واستكبارا ،كما صرح بعضهم بذلك خلال اندلاع الحرب في قطاع  غزة ، وذلك لتبرير ما يقومون به من عدوان على أهلها ، ومن جرائم إبادة جماعية لهم.

وليس من مصلحة الغرب المسؤول  الأول عن استنبات هذا الكيان الوافد في قلب الوطن العربي الكشف عن ظروف أو ملابسات هذا الاستنبات، لأن سيدان بفعلته وظلمه للشعب الفلسطيني، ووقوفه وراء مأساته ومأساة عموم الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط ، بل مأساة الشعوب الإسلامية من جاكرتا إلى طنجة .

ولقد كان من المفروض أن تداول محكمة العدل الدولية في قضية  تورط الغرب في جريمة استنبات الكيان الصهيوني  في قلب الوطن العربي قبل أن تداول فيما يرتكبه اليوم من جرائم إبادة جماعية ، لأن هذه الأخيرة هي من نتائج جريمة تفويت أرض فلسطين لمن لا حق لهم فيها ، وتهجير شعبها عنها بقوة السلاح في فترة احتلال بريطاني بغيض، لم ينجل عنها إلا بعدما مكن للعصابات الصهيونية المسلحة  الاستيطان فيها عن طريق إنشاء كانتونات أو كيبوتسات  هي اليوم شاهدة على جريمة الاستنبات التي يجب أن يدان بها الإنجليز، ومعهم عموم بلاد الغرب التي تغض الطرف عنها  أمام محكمة العدل الدولية  ـ إذا ما كانت هذه المحكمة  موجودة حقيقة في العالم ، ولم يكن وجودها صورياـ وهي في الحقيقة  ومع الأسف الشديد  في حكم المعطلة ، ويستخف بها الصهاينة، وبما يصدر عنها من قرارات تدينهم  .

ونعود إلى ما افتتح به هذا المقال من خبرة بني صهيون في اقتناص الفرص السانحة لتحقيق ما يخططون له عن بعد وبكل مكر، وخبث ،ودهاء كي نسلط الضوء على العوامل التي  جعلتهم يتمادون في عدوانهم على الشعب الفلسطيني ومعه  كافة الشعوب العربية والإسلامية .

أما العامل الأول والمألوف والمعروف ، فهو اغتنام فرص الانتخابات الأمريكية التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني تمويلا وإعلاما ، ذلك أن الحزبين الأمريكيين سيّان في خدمة  هذا الكيان بتفان منقطع النظير، بل هما بمثابة  بقرتان حلوبتان تدران عليه بكل بسخاء ما يشتهيه ،وما يزيده شراسة وعدوانية في الأرض التي فوتت  له ظلما وعدوانا ليعيث فيها فسادا .

وأما العامل الثاني وهو مألوف  ومعروف أيضا، ويتمثل في وضع دول أوروبا الغربية كل إمكانياتها رهن إشارة وتصرف الكيان الصهيوني كتكفير عن المحرقة النازية ،وهي تغدق عليه  أموالا طائلة يستقوي بها  من أجل تحويل وضعية فلسطين  من مغتصبة محتلة  إلى ما يزعم أنه وطنه القومي التلمودي .

وأما العامل الثالث، فهو الوضع  السياسي في الوطن العربي بعد  جلاء الاستعمار الغربي عنه ، وهو وضع نجمله في عبارة تمزيق وحدته جغرافيا ، وتاريخيا، وبشريا  مع إشاعة الفرقة بين أنظمته بسباب انحيازها إلى أحد المعسكرين اللذين تقاسما النفوذ في العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد نتج عن تلك الفرقة صدام يتأرجح  بين السخونة أحيانا، وبين البرودة غالبا . ولم ينج الوطن العربي أيضا من غزو فكري وحضاري غربي  سد مسد الغزو العسكريالسابق له ، بل كان أخطر منه ،خصوصا على حساب القضية الفلسطينية ، ولصالح الكيان الصهيوني .

ولقد ظل الوضع  العربي  على هذه الحال  إلى غاية  اندلاع ثورات الربيع العربية خلال العشرية الثانية من هذا القرن ، وهي ثورات  انزعج منها الغرب كثيرا ، وتصدى  لها في مهدها لإفشالها  بكل السبل والوسائل بما في ذلك انقلابات عسكرية  أو انتخابية  في هذا القطر أو ذاك على التجارب الديمقراطية الفتية وغيرالمسبوقة . وكانت نتيجة هذا الاجهاز على ثورات الربيع العربي  حروبا أهليه  زادت من تمزيق وحدة البلدان العربية كما وقع  في سوريا، وليبيا، واليمن ،والسودان  ، والله أعلم بما يدبر بخبث ومكر بليل لباقي البلاد العربية التي نجت لحد الساعة  من خطر تلك  الحروب الأهلية المدمرة  . ولقد استغل الكيان الصهيوني  هذا الوضع المزري في الوطن العربي لتنزيل خطة  تهويده الشامل للمنطقة العربية  برمتها  إما عن طريق القوة العسكرية  أو عن طريق مؤامرة  تعميم  ما سمي باتفاق أبرهام  للتطبيع ،و هي مؤامرة خطيرة على الوحدة العربية من خلال إفراغها من مضمونها، ومن رمزيتها التي تمثلها جامعة الدول العربية وقد شلت كليا  بحيث لم يجتمع أطرافها في أدق وأخطر مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية، وهي مرحلة التهويد الشامل . ولقد كان آخر اجتماعها  الذي لم يخرج بشيء يذكر مع بداية الحرب الصهيونية على غزة ،ولم  تختلف عبارات الشجب والتنديد التي تلت فيها عن المألوف كأعلى سقف مع مناشدة مجلس الأمن من أجل التدخل  كالعادة ، وهو مجلس يستخف به  الكيان الصهيوني الذي يراهن على الفيتو الأمريكي ، و الفيتوالأوروبي .

وأما العامل الرابع ،فهو وضع البيت الفلسطيني الداخلي المنقسمة فصائله بين مراهنة على مسلسل السلام الذي لم  يبارح مكانه منذ أسلو ، وبين مراهنة على المقاومة المسلحة ، وهو وضع استغله الكيان الصهيوني لتصفية الحساب مع المقاومة الفلسطينية المسلحة  كي يتفرغ  بعد ذلك إلى المراهنين على مسلسل السلام  السرابي ، خصوصا وقد بدأ يجاهر مع اندلاع الحرب في غزة بمخطط ضم الضفة والقطاع معا إلى ما يدعيه وطنا قوميا له ، مع التلويح وليس التلميح فقط إلى توسيع حدوده   إلى ما  هو أبعد ما بين النهر والبحر .

وأما العامل الخامس، فهو استئثار الأنظمة العربية بالقرار في  شأن القضية الفلسطينية دون استشارة شعوبها عن طريق برلماناتها التي لم يعد لها أدنى تأثير على الأنظمة ، وهي لا تتناغم مع الشارع العربي الذي يقف مع المقاومة الفلسطينية قلبا وقالبا ،وهو ما يدفع في اتجاه  المزيد من غطرسة الكيان الصهيوني.

وأما العامل الخامس، فهو تجاهل الأنظمة الغربية أصوات شعوبها  الصادحة التي تضج تنديدا بجرائم  الكيان الصهيوني وإبادته الجماعية للشعب الفلسطيني  في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أيضا ، وبتورط أنظمتها في هذه الجرائم ، علما بأن هذه الأنظمة تعتبر نفسها  وصية على الديمقراطية في العالم  ، وعلى الحريات الفردية والجماعية رأيا، وتعبيرا إلا أن تخندقها مع الكيان الصهيوني المتاجر بذريعة معاداة السامية أفقدها مصداقيتها وفضح مزاعمه . وقد استغل الكيان الصهيوني الشرخ الحاصل بين هذه الأنظمة وشعوبها التي أفاقت جد متأخرة من خدعة تمرير أنظمتها ذريعة معاداة السامية ، ولم تستطع إجباها على التخلي عن الخضوع لها ، ورضوخها لابتزاز الصهاينة الذي لا حد له.

وأما العامل السادس، فهو تغييب القانون الدولي عن طريق وقف تنفيذه عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني الذي يستخف به  أيما استخفاف ، ويتعمد إهانة الساهرين عليه دون أن يكون لذلك أدنى موقف جاد وفعال من شأنه كبح جماحه و ردعه.

كل هذه العوامل مجتمعة تشجع الكيان الصهيوني على التمادي في عدوانه داخل فلسطين وخارجها وهو وضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية  .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *