حديث الجمعة : (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ))

حديث الجمعة : (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ))
محمد شركي
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يقرن بين الإيمان والعمل الصالح في العديد من آيات الذكر الحكيم . وغالبا ما يسبق ذكر العمل الصالح ذكر الإيمان ،لأن هذا الأخير هو عماد الدين باعتباره إقرارا بألوهية، وربوبية، ووحدانية الله عز وجل ، وإقرارا بما أوجب الإيمان به بعده من ملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره . وهذه مجتمعة هي أركان الإيمان الستة الذي لا يصح إلا الإقرار بها دون تعطيل واحدة منها ، ودون أدنى ارتياب فيها .
وإذا كان الإيمان عبارة عن إقرار بالجنان ، وتعبير باللسان ، فإن العمل الصالح في اعتبار الله عز وجل هو تصديق له . ومعلوم أنه لا يكتمل إيمان لا يصدقه عمل صالح .
ومما جاء في الذكر الحكيم يسبق فيه ذكر العمل الصالح ذكر الإيمان قول الله تعالى في الآية الرابعة والتسعين من سورة الأنبياء :
(( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون )) ، ففي هذه الآية الكريمة ذكر للصالحات، وهي صفة للأعمال التي يرتضيها الله تعالى ويرضاها لعباده المؤمنين ، وهي كل ما يدخل ضمن الائتمار بأوامره ، والانتهاء عن نواهيه، ذلك أن المنتهي عن نواهيه يحسب له انتهاؤه عنها عملا صالحا كما جاء في الحديث الشريف : » من همّ بسيئة فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنة كاملة « ، ولولا إيمانه لما انتهى عن فعلها، ذلك أن الإيمان يحول دون اقتراف السيئات ،وهي إما أعمال أو أقوال لا يرضاها الله عز وجل.
و لقد طمأن الله عز وجل الذين يعملون الصالحات سواء كانت أعمالا بالجوارح أو أقوالا بالألسنة في حال صحة الإيمان بأركانه الستة أنهم لا تُكفَر أعمالهم ، وأنها تكتب لهم في سجلات أعمالهم ، وإن كانوا لا يأبهون بها أو لا يقدرونها لضاءلتها في أعينهم ، ذلك أنه رُبَّ أعمال أو أقوال يستهين بها أصحابها، وهي مما يحبه ، ويرضاه الله تعالى ، ويعظمه ، ويكتبه عنده ، ويدخره لهم ليوم تعز فيه الصالحات من أعمال أقوال .
ومعلوم أن صالح الأعمال والأقوال وطالحها إنما تقدر درجة صلاحها أو سوءها بما ينتج عنها من عواقب تكون إما خيرا أو شرا ، وعلى قدر هذه العواقب تكون قيمتها أو خطورتها .
و لهذا لا يمكن لمؤمن ولا لمؤمنة أن يغيب عن ذهنهما برهة الاشتغال بصالح الأعمال والأقوال تحقيقا لإيمانهما وتصديقا له ، ذلك أن اشتغالهما بها هو في الحقيقة عبارة عن ممارسة إجرائية للإيمان . ولقد وردت أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيها تحقق الإيمان من خلال اقترانه بعمل أو بقول صالحين ، وفي المقابل يكون انتفاؤه بانسلاخهما عنه ، ومن تلك الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه » ، فقول الخير أو الصمت من صالح الأقوال عند الله عز وجل ، وإكرام الجار والضيف من صالح الأعمال ، وقد تكون أقوال الخير مع الجار والضيف أيضا مما يحبه الله تعالى ويرضاه .
وفي مقابل هذا الحديث نجد قوله عليه الصلاة والسلام : » والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قالوا : وما ذلك يا رسول الله ، قال : جار لا يؤمن جاره بوائقه ، قالوا : يا رسول الله ، وما بوائقه ، قال : شره » .
وليس المقصود بنفي الإيمان في هذا الحديث تكفير من يأتي هذه البوائق، بل المقصود بذلك تشديد النبي صلى الله تعالى التحذير من الإساءة مهما كانت إلى الجوار.
ولما كان الكرام الكاتبون لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة سواء كانت خيرا أو كانت شرا إلا أحصوها لأصحابها أو عليهم ، وسجلوها في سجلاتهم كي تعرض عليهم يوم العرض على الله عز وجل لنيل الجزاء عنها ، فيلزم المؤمنين والمؤمنات ألا يستخفوا بما يظنونه يسيرا من أعمالهم أو أقوالهم، وهي عند الله عز وجل إما عظيمة لصلاحها أو قبيحة لسوئها كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم » ، وهذا الحديث فيه ما يؤكد قول الله تعالى : (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون )) ،وعدم كفران سعي المؤمن عند الله عز وجل سواء كان عملا أو قولا ،يعني نيله جزاءه ذلك أن كتابته تدل على حفظه ، وحفظه يقتضي أن يكون له جزاء وأجر.
مناسبة حديث هذه الجمعة هو احتفال الناس في العالم كما كان الحال يوم أمس بما يسمونه عيد العمال ، والمؤمنون من ضمن من احتفلوا بهذا اليوم مطالبين من يستخدمونهم أفرادا أو هيئات أو دولا بما يقابل أعمالهم أو جهودهم من جزاء دنيوي مع غفلتهم جريا على عادة غيرهم من الأمم التي ليست على دين الإسلام والتي لا تؤمن إلا بالأجر الدنيوي عما وعد الله سبحانه تعالى به من شكران السعي مع كمال الإيمان وكتابته وهو جزاء مدخر للآخرة . ولهذا يتعين على من يطالب الخلق بالأجر المقابل لسعيه سواء كان عملا أو قولا في الدنيا ألا يغفل عن كتابة الله تعالى له ولو لم ينل الجزاء عنه في الدنيا، الشيء الذي يفرض عليه أن يكون هذا السعي أولا صالحا عند الله عز وجل مسبوقا بصادق الإيمان ، ومبتغى به وجهه سبحانه وتعالى والدار الآخرة ، ولا يكون مبتغى به أجر الدنيا فقط مما يُطالِب بأدائه المُشَغَّلُ أو المُستخدَمُ أوالموظَّفُ شريطة ألا يكون هذا الأجر فوق ما يستحقه السعي، لأن ذلك لا يقبله الله تعالى ، ولا يمكن أن يكتب لصاحبه، بل سيحاسب عليه .
وإنه لجدير بأمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها أن تتحرى في خروجها للمطالبة بأجورها عن سعيها في الدنيا الصدق والعدل إذا كانت ترغب في شكران الله تعالى لسعيها وكتابته عنده دخرا لها .
اللهم إنا نسألك شكران سعينا إن حسن عندك في هذه الحياة الدنيا وكتابته ، ونسألك أن تتجاوز عنا كل تقصير فيه لم نتعمده ،أو غفلنا عنه دون إرادة منا أو قصد ،وأن تغفر لنا ذلك ، وأن تقضي عنا ما في ذمتنا مما كان واجبا لم نؤد حقه، أو عجزنا عن قضائه ، وأنت تعلم رغبتنا الصادقة في قضائه ، لا يخفى عليك من أمرا شيء.
اللهم تجاوز عنا ما لم نستطع تقديمه لمن لهم علينا حق النصرة من إخواننا المستضعفين المرابطين في أرض الإسراء والمعراج وهم تحت حصار خانق ، وتحت قصف مستمر ، وقد جوعوا ، وقتّلوا تقتيلا ، وهجروا تهجيرا ، ولم نستطع إلى دعمهم سبيلا بسبب موانع أنت أعلم بها .اللهم وعجل لهم بفرج قريب من عندك وقد تخلى عنهم الناس جميعا مؤمنه وكافرهم ، ومنافقهم.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Aucun commentaire