Home»International»أحاديث الشهر الفضيل :  » رمضان فرصة استقبال بيوت الله عز وجل من كانوا لا يرتادونها من قبل  » الحلقة الأولى

أحاديث الشهر الفضيل :  » رمضان فرصة استقبال بيوت الله عز وجل من كانوا لا يرتادونها من قبل  » الحلقة الأولى

0
Shares
PinterestGoogle+

أحاديث الشهر الفضيل :  » رمضان فرصة  استقبال  بيوت الله عز وجل من كانوا لا يرتادونها من قبل  » الحلقة الأولى

محمد شركي

من المعلوم أن الله عز وجل  أذن أن يكون ذكره في بيوت نسبها إلى ذاته المقدسة ، وقد شيدت خصيصا لذلك ،كما وصف أحوال من يرتادونها  من عباده المؤمنين في قوله جل  شأنه : ((  في بيوت أذن الله أن يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب )) ، ففي هذه الآيات الكريمة 36 ، 37 ، 38 من سورة النور، ورد ذكر البيوت  التي سماها الله عز وجل مساجد في سورة الجن حيث قال : (( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا )) ، وقد تعبّد عباده المؤمنين بذكره وبالصلاة فيها .

 ولقد جاء في كتب التفسير أن هؤلاء العباد إنما هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن المساجد المقصودة هي مساجد المسلمين التي منها  مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسجد قباء بالمدينة المنورة ، ومسجد جؤاثى بالبحرين، وغيرها.

ولمّا كانت العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم ،وليس بخصوص أسباب نزوله ، فإن قول الله تعالى ينطبق على كل المساجد إلى قيام الساعة ، ما لم تكن  مخلة بشرط اشترطه سبحانه وتعالى كما كان الحال مع مسجد ضرار الذي  بناه المنافقون ، والذي أُمر رسول الكريم ألا يقوم فيه ،لأنه لم يؤسس على التقوى، وإنما أريد ببنائه الرياء، والتفريق بين المؤمنين .

واشترط الله تعالى لبناء  المساجد أن يكون القصد منه  هو التقوى من أول يوم يشاد فيه ، وذلك مصداقا لقوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : (( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه )) ، ولهذا يضع المسلمون في كل زمان وفي كل مكان نصب أعينهم هذا الشرط  الإلهي حين يهمون ببناء مساجدهم .

  ولما كان القصد من تشييد هذه المساجد هو ذكر الله عز وجل الذي يشمل كل ما تعبّد به سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من ثتاء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى ،  ومن حمده وشكره على نعمه وآلائه ،ومن تلاوة  للقرآن سواء تُلِي خلال الصلوات المكتوبة  أوالمسنونة أو تُلِي للتبرك والتدبر أو تُلِي للتعلم والحفظ  والاستظهار أو للمدارسة ، فإن من يرتادونها يكونون على مثل الأحوال التي ذكرها الله تعالى في الذين نزلت فيهم في الآيات الثلاث من سورة النور، وهي كالآتي :

1 ـ التسبيح  بالغدو وهو وقت ما بين الفجر وطلوع الشمس ، والآصال وهي أوقات من أقصى العصر إلى المغرب  ، ولا شك أنها هي الأوقات التي  يرضى  ويقبل الله عز وجل أن يسبح باسمه فيها لحكمة هوأعلم بها ، وهي كلها أوقات إسباغ نعمه على الخلق مؤمنهم وكافرهم  . ولما كان الإنسان المؤمن مطالب بالسعي من أجل قوته اليومي ضرورة ، وقد تعبده الله تعالى بذلك كما تعبده بالعبادات ،وعلى رأسها الصلوات الخمس ، فإنه يفتتح يومه بالتسبيح الذي يسبق ويعقب صلاة الصبح ، وصلاة الظهر، ويختمه بالتسبيح الذي يسبق ويعقب  صلاة العصر، وصلاتي الليل مغربا وعشاء ، وهكذا يستمر التسبيح ليل نهار حتى يخلد المؤمن إلى النوم ، ليعود مع يوم جديد إلى تسبيحه الذي يتخلل سعيه من أجل قوته.

2 ـ عدم الانشغال بالتجارة والبيع عن ذكر الله عز وجل ، أما التجارة فهي ترويج المال بيعا وشراء من أجل تحصيل الأرباح  ، وأما البيع فهو صفقات يتم بموجبها تبادل الأشياء بمثلها أو بالمعاوضة بينها أو بما يساوي قيمتها وذلك بسبب الحاجة إلى أثمانها  ، ويقال بأن البيع أعم من التجارة . ومعلوم أن التجارة والبيع يتطلبان أوقاتا معلومة من النهار تتخللها أوقات الذكر وأوقات الصلاة التي لا يجب أن  تُستهلك  في تجارة أو بيع، بل هي أوقات انصراف تام للذكر والصلاة . ولقد أثنى الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتصافهم بعدم الانصراف أو الانشغال عن الذكر والصلاة بالتجارة والبيع ، علما بأن هذا الانصراف هو عبارة عن تجارة وبيع  معنويين مربحين مع الله عز وجل ،بينما التجارة والبيع على وجه الحقيقة قد يحصل فيهما ربح ،وقد لا يحصل حسب الظروف . وإذا كانت الخسارة في التجارة والبيع  تعوض ولا يأثم الخاسر فيها ، فلا عوض في خسارة الذكر والصلاة  ـ لا قدر الله ـ  ،  يؤثم  فيها الخاسر.

3 ـ إيتاء الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام ، ولا يذكرها الله تعالى في محكم التنزيل إلا ملازمة للصلاة ، وهي مرتبطة بالتجارة والبيع وبكل أنواع الكسب  المختلفة ، وقد شرعها الله تعالى لحكمة بيّنها في محكم التنزيل، وهي من جهة وقاية الأنفس من شح مجبولة عليه سببه حب المال حبا جما  ، ومن جهة أخرى هي ضمان لقوت المحاويج المعسرين  قدره سبحانه وتعالى في أموال الموسرين . ولا شك أن الإنسان المؤمن الذي لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله وعن الصلاة، يتطّبع على عدم التعلق الشديد بحب المال ، وهو بذلك يتهيأ لبذله للمحاويج بأريحية .

4 ـ الخوف من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار أما الخوف، فهو عبارة عن خشية أو فزع أو رعب  بسبب ما يتهدد النفس البشرية  من مخاطر. وأما التقلب فهو الانتقال من حال إلى حال أو من هيئة إلى أخرى . وأما القلوب فهي الملكة العاقلة، وهي مكمن الإدراك  ، وأما الأبصار فهي الجارحة المبصرة التي تمد العقول بالمعلومات البصرية . ومعلوم أن الله عز وجل قد فطر القلوب والأبصار على هيئة سوية تفضي إلى الإيمان به ، والاستقامة له ،لكنها قد تتقلب وتنحرف عنهما إلى الكفر والاعوجاج . وأخوف ما يخافه الإنسان المؤمن هو هذا التقلب الذي يفضي إلى سوء العاقبة عند المعاد . ولا خلاص من هذا التقلب سوى الشعور بالخوف من الله عز وجل ، والذي يكون الدليل عليه هو الاستقامة على صراطه المستقيم ائتمارا بأوامره ،وانتهاء عن نواهيه ، ولا خوف لمن لم يأتمر ، ولم ينته ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :  » يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك  » . وعلى كل مؤمن أن يكون دائم الخوف من لحظة تقلب القلب ، ولعل القلب قد سمي كذلك لأنه يتقلب من حال الإيمان إلى حال الكفر ، كما أن تقلب البصر يكون عبارة عن عماية تعتريه فلا يرى الرؤية الصحيحة لأن القلب موطن الإدراك يصرفه عنها ، وقد قال الله تعالى : (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) ،وعمى القلوب هو سوء التصرف فيما تمدها به الحواس ومنها حاسة البصر.

ولقد ذكر الله تعالى  بعد ذلك الجزاء الذي أعده لمن كانت تلك صفاتهم من رواد بيوته ، وهو الجزاء بالأحسن مما عملوا ذكرا ،وصلاة، وزكاة بل يتفضل عليهم بزيادة على ذلك ، وهو الرازق من يشاء بغير حساب أي بأكثر مما يستحق العمل والسعي، لأنه سبحانه وتعالى كريم جواد .

وحري بمن يقف عند الآيات الثلاث من سورة النور أن يحرص على أن يكون من النخبة المؤمنة الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة، والخوف من  حال تقلب القلوب والأبصار .

ولا شك أن ظرف حلول  شهر الصيام هو الفرصة السانحة للالتحاق بهذه النخبة الخيّرة التي أُعدّ لها ذلك الأجر العظيم ، ذلك أن عبادة الصيام إنما جعلت لترجيح كفة سمو الروح على  كفة شهوات الجسد ، وفي ذلك تأهيل للعبد المؤمن والأمة المؤمنة لبلوغ شأو من أثنى عليهم الله عز وجل ممن يرتادون بيوته في  هذا الشهر الفضيل .

وقد يدور على ألسنة بعض من اعتادوا ارتياد المساجد في سائر أيام السنة حديث ينتقدون فيه من يقبلون عليها في رمضان دون غيره من الشهور ، وهؤلاء يغيب عن أذهانهم أنه ربما يكون إقبالهم نتيجة منحة إلهية هي عبارة عن تثبيت قلوبهم بعد تقلبها فجعلها تهفو إلي بيوته ليستمر تعلقها بها بعد انصرام أيام الشهر الفضيل . ولهذا لا يجب أن يعاب على رواد المساجد في رمضان ارتيادهم لها وقد كانوا إما لا يرتادنها أصلا أو كانوا ممن انقطعت صلتهم بها بعدما كانوا من روادها . أليس من جوائز شهر الصيام  العتق من النار ؟ وهي جائزة تشمل أيضا من عادوا إلى ارتياد المساجد بعد قطيعة معها إن شاء الله تعالى . ولهذا يجب الرفق بهؤلاء ، وتشجيعهم عوض انتقادهم أو السخرية منهم ، مع الحذر من أن يكون ذلك سببا في نفورهم من بيوت الله عز وجل ، والحذر من قوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم )) .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *