كل تزكية للنفس أو للغير لا تعقبها عبارة » لا نزكي على الله أحدا » لهي جراءة وتجاسر على الله سبحانه وتعالى
كل تزكية للنفس أو للغير لا تعقبها عبارة » لا نزكي على الله أحدا » لهي جراءة وتجاسر على الله سبحانه وتعالى
محمد شركي
لا يحق لمؤمن مهما كان بعد قول الله عز وجل : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) أن يجرؤ على تزكية نفسه أو تزكية غيره ، ولا يستثنى من ذلك سوى رسل الله صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، ومن زكاهم سبحانه وتعالى في كتابه المبين من صدّيقين ، وشهداء ، وصالحين ، وما عدا هؤلاء فتزكيتهم مغامرة وخيمة العواقب .
ولقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي كنهي الله عز وجل عن تزكية المؤمن نفسه أو غيره ، ذلك أنه عليه الصلاة والسلام دخل على أم عطية حين مات عثمان بن مظعون في بيتها ، فجعلت تقول : » رحمة الله عليك أبا السائب ـ وهي كنيته ـ فشهادتي عليك لقد أكرمك الله » فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما يدريك أن الله أكرمه ؟ » ، فقالت : » إذا لم يكرمه الله فمن يكرمه الله ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أمّا هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، وإني والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي » فقالت أم عطية : » فلا أزكي أحدا بعدما سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم «
ويفهم مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم عطية أن التزكية التي يستأثر بعلمها الله عز وجل منهي عنها ، ويجب الاحتراز منها ، وإذا أريد الثناء على أحد ، فلا بد من أن يعقب ثناءه عليه مع سبق النية قول : » ولا نزكيه على الله «
ولقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترزون من التزكية إذا ما أثنوا على أحد فيقولون : » لا نعلم عليه إلا خيرا ، ولا نزكي على الله أحدا » .
وإن كثيرا من الناس في الماضي والحاضر لا يلقون بالا لما نهى عنه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم من تزكية نفوسهم أو تزكية غيرهم التزكية التي علمها عنده جل في علاه ، وهم بذلك يتجاوزون ما يحق لهم من ثناء لا يجب أن يتحول إلى تزكية ، و كثير منهم لا يتبع ثناءه بعبارة : » ولا نزكي على الله أحدا » .
وغالبا ما يقع الناس في التزكية المنهي عنها عند لحظة وفاة من يثنون عليهم أو بعد ذلك كما حصل لأم عطية عند وفاة ابن مظعون، وقد نهاها عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي نهيه هذا نهي لجميع المسلمين إلى يوم الدين .
ومعلوم أن ما يثني به الناس على بعضهم البعض أحياء أو أمواتا إنما هي شهادات يعتمدون فيها على الظواهر التي لها سرائر يستأثر بعلمها الله عز وجل. وليس للناس في الثناء على بعضهم البعض مندوحة عن قول كقول إخوة نبي الله يوسف عليه السلام : (( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ))، وفي مثل هذا القول ما يعصم من الوقوع في التزكية المنهي عنها في كتاب الله عز جل ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولا يغرّن إنسان أن الله عز وجل قد كرّم بني آدم ، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا ،لأنه مع ذكره هذا التكريم قد ذكر سبحانه وتعالى للإنسان صفات لا يمكن معها لعاقل أن يزكي نفسه أو يزكي غيره ذلك أنه خلق ضعيفا، وهو كفور ، وجهول ، وظلوم ، ويئوس ، وقنوط ، وجزوع ، وهلوع ، وقتور ، ومنعوع …فهذه الصفات السلبية المعبر عنها بصيغة المبالغة التي تفيد الكثرة أو الشدة من شأنها أن تنقض تزكية الناس أنفسهم أو غيرهم ، خصوصا وهم لا يأمنون على أنفسهم منها ، وليسوا بمنجاة منها .
ومع النهي الإلهي عن تزكية الناس أنفسهم أو غيرهم ، إلى جانب النهي النبوي عن ذلك أيضا ، فإن كثيرا من الناس يخوضون في هذه التزكية المحظورة ، ويبالغون في ذلك حتى أنهم ليصفون البعض بما لا يحق إلا لنبي مرسل ، وإنهم ليذكرون البعض ، ويترضون عليهم وهم بذلك يسوّونهم بمن صرّح الله عز وجل بالرضوان عليهم في الذكر الحكيم مع أنهم لا يعلمون شيئا عن شأنهم الخفي عند الله عز وجل، وهو مما استأثر بعلمه سبحانه وتعالى دون أن يكلفوا أنفسهم النطق بالبراءة من تزكيتهم . ومعلوم أن شيوع تزكية هؤلاء تضلل العامة ، وتجعلهم يضعون من يزكّون لهم في مقام الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنهم ليكثرون من ذكرهم أكثر مما يذكرونه عليه الصلاة والسلام ، وقد ابتدعوا لهم طقوسا وشطحات … ما أنزل الله بها من سلطان تدل على تزكيتهم مع التجاسر بالقول أنهم قد تلقوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنه أمرهم بها أو أجازهم عليها كذبا عليه ، وهم يعلمون جيدا مصير الكذب المتعمد عليه . ومع تعوّد العامة على سماع مثل هذه التزكيات يغريهم ذلك بالرغبة في ادعاء مثلها لأنفسهم غرورا ،علما بأن أوزارهم يحملها أول من ابتدع لهم ذلك . ومن التزكية المحظورة نسبة رؤية من يزكّونهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وحديثه إليهم في أمور قد أغنى كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عن التماسها في الرؤى ، والواجب أن تطلب فيهما والناس في يقظة لا في منام .
ومن مزالق التزكية المحظورة كتابا وسنة الحوم حول أنواع من الشرك أو الوقوع فيها ، وذلك بنسبة ما لا ينسب إلا لله عز وجل أو لرسوله صلى الله عليه وسلم من أفعال ، وذلك من الوهم الصراح ، ومن الكذب والافتراء عليهما .
ومعلوم أيضا أن التزكية المحظورة وسيلة لاستغفال الناس من أجل التحكم في رقابهم أو الوصول إلى ما في أيديهم وابتزازهم .
ومن طرق وأساليب مواجهة أوهام التزكية المحظورة ربط المؤمنين مباشرة بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون زلفى أو وسطاء، وسماسرة ، وذلك من شأنه أن يجعلهم يستخدمون عقولهم الاستخدام الأمثل كما أراد لهم ذلك الله عز وجل للفكاك من أسر تلك الأوهام الموبقة وكسر قيودها.
ونختم بالقول إذا كان الله عز وجل هو أعلم بمن اتقى ، فما دخل الخلق فيما علمه عند الخالق جل في علاه ؟
Aucun commentaire