الأنانية أو الغرورية علة لا علاج لها وقلما ينتبه إليها المصابون بها فيعالجون منها

الأنانية أو الغرورية علة لا علاج لها وقلما ينتبه إليها المصابون بها فيعالجون منها
محمد شركي
الأنانية مصدر صناعي من لفظة » أنا » وهي عبارة عن هوس حب الذات المتضخمة الذي تتولد عنه الأثرة مقابل تجاهل الأغيار الأقارب والأباعد مع انعدام إيثارهم . ويسميها البعض الغرورية ، وهي خداع الإنسان نفسه بالإعجاب بها ،والرضى عنها في كل الأحوال مقابل استصغار شأن الأغيار والتهوين منه .
وأول أنانية أو غرورية في التاريخ هي أنانية وغرورية إبليس اللعين التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ، وفي قوله تعالى : (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا )) .
وانتقلت علة الأنانية والغرورية من المخلوق الناري إلى المخلوقات الطينية عن طريق العدوى ، وقد ذكر منها الله تعالى في كتابه الكريم نموذجا في قوله عز من قائل في سياق الحديث عن فرعون : (( ونادى فرعون قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) .
وتوالت نماذج الأنانية والغرورية في البشر جريا على السنة السيئة التي سنها إبليس اللعين ، وستستمر كذلك إلى قيام الساعة . ولقد ذم الله تعالى الأنانية والغرورية فقال : (( إن الله لا يحب كل مختال فخور )) والخيلاء والافتخار من أعراض علة الأنانية والغرورية .
ومع أن المرضى بعلة الأنانية والغرورية تكثر زلاتهم وهفواتهم ، فإنهم لا يبالون بها وهم تحت تأثير هوس حب الذات المتضخمة وتزكيتها . ومن أعراض هذه العلة أن يغضب المصابون بها من كل من ينصحهم أو ينبههم إلى زلاتهم وعثراتهم ، ويكرهونه ، ويزدادون إصرارا على المضي فيها ، وهم يبررونها بأوهى التبريرات ، ويحاولون تحويلها من عيوب إلى محاسن كما يحول المدلسون المعدن الخسيس إلى معدن نفيس .
والأنانيون والغروريون يثيرون شفقة الناس عليهم لكونهم لا يشعرون بعلتهم مع أن أعراضها واضحة فاضحة.
وتحاشيا لعلة الأنانية والغرورية درج الناس في مجتمعنا على القول : » أنا ،وأعوذ بالله من قول أنا » وهو عبارة عن استعاذة منها ،ذلك أن الضمير أنا سواء استعمل منفصلا أم متصلا يجعل النفس تبجح وصاحبه يتبجح . وعلامة هذه العلة المزمنة كثرة استعمال هذا الضمير في كل الأحوال ، وتجاهل غيره من الضمائر.
والأناني والغروري من الناس تعرفه من خلال تجاذب أطراف الحديث مع غيره ، ذلك أنه لا يكاد غيره يشرع في حديث حتى يصادر منه الكلام ، وقد يتصنع الاعتذار الكاذب عن ذلك لهذا الغير الذي صادر منه كلامه، لأن أنانيته تأبى عليه أن يأخذ الكلمة غيره قبله، والغريب أنه قد لا يكون لتدخله صلة بموضوع الحديث . وإذا حاول أحد تنبيهه إلى ذلك استشاط غضبا ، وأصر على الحديث ، ويتكرر ذلك منه مرات لأن أنانيته لم تألف الإصغاء إلى الغير وقد أصابها التضخم بفعل نفخ الغرور فيها .
والأناني أو الغروري يرى كل ما يقوم به صوابا لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلقه ، وإذا تبين له أن ما قام به خطأ أسرع إلى التبريرات الواهية ، وتحميل مسؤولية ذلك إلى من أو حتى إلى ما لا يمكن أن يحمّلها أصلا .
والأناني أو الغروري بسبب أثرته يكون مصلحيا حريصا على مصلحته أولا وأخيرا مهملا مصالح غيره ، وقد يموه على ذلك بالتظاهر بعكسه إلا أن وقائع الواقع تفضح تمويهه ، وقد يعمد إلى التستر عن مصلحيته وأثرته ظنا منه أن تستره بإمكانه مخادعة غيره . وبسبب تضخم أناه يظن بغيره الغباء والسذاجة والجهل… فلا يقبل منه رأيا ولا مشورة ، ويعامله معاملة العالم الخبير مع من لا علم ولا خبرة له . وقد يتظاهر الأناني أو الغروري بأنه يستشير غيره ولكنه ينتهي في الأخير إلى فرض رأيه فرضا مصرا على ذلك إصرارا .
ومعاشرة الأناني والغروري قد تصيب غيره بعدواه فيحذو حذوه ، وينتهي به الأمر بالإصابة المزمنة بدائه لأن الأنات غير المتضخمة التي تحاول الأنا المتضخمة الاستحواذ عليها تحاول مواجهة تضخمها فتسقط هي الأخرى في عيب التضخم . ومن يعاشر ذا الجرب يجرب ، وهكذا ينتشر هذا الوباء الوخيم الذي نسأل الله عز وجل العافية لنا ولغيرنا منه ، ونعوذ بالله منه .




Aucun commentaire