Home»International»الشاعرة نازك الملائكة في قصيدة الكوليرا

الشاعرة نازك الملائكة في قصيدة الكوليرا

1
Shares
PinterestGoogle+

الاوبئة ليست وليدة اليوم بل لها تاريخ حافل بالكوارث , حيثما حلت تحصد الآلاف من الضحايا , وقبل زمن كورونا الذي نعيش اجواءه وفصولا من ماسيه في مختلف البلدان , ونتبع سبل الوقاية منه بتطبيق الاجراءات الاحترازية المتخذه على الصعيد الوطني , عانت البشرية من من الامراض المعدية تطورت الى جائحة اتت على الاخضر واليابس ,

وفي هذا الاطار عرفت مصر سنة 1947م استشراء وباء الكوليرا ازهق حياة ما يناهز الالف ضحية , في زمن عز فيه اللقاح و الدواء, وكانت تطورات الحالة بأرض الكنانة تصل الى العالم عبر الراديو حيث تذاع نشرات ترصد الوضعية وتحصي الوفيات وعدد المصابين وغيرها من المعطيات تماما كما هو جار به العمل الان رغم الفرق في تطور وسائل الاعلام في عصرنا الرقمي هذا .

نازك الملائكة الشاعرة العراقية (1923-2007) كانت تتابع الوضعية من بغداد ببلاد الرافدين , فتأثرت بالغ التأثر لما يصلها من اخبار حزينة وفواجع  تحز في النفس وتدمي القلب وتحرك المواجع , ففاض وجدانها شعرا بقصيدة الكوليرا التي تمردت فيها على العروض وقواعد العمود الشعري العربي على غرار ما فعل قبلها بدر شاكر السياب , وقد صورت فيها مشاعرها وأحاسيسها نحو مصر التي داهمها الوباء , وأجادت في التعبير عن الالم والحزن اللذين عما البلاد وغمرا المنازل والبيوت بسبب الموت الذي ارخى بظلاله وأبى إلا ان يحصد المزيد من الأرواح لا يفرق بين كبير و صغير قاضيا على كل امل في الحياة , وكما كتبت الشاعرة بأنه  امام  هذه الكارثة عجزت القصيدة الموزونة عن الوفاء بالمطلوب و في وصف ما يخالج وجدانها من مشاعر وأحاسيس فلجأت للشعر الحر الذي يركز على المضمون بالتعبير بحرية وبدون تكلف , كيف لا وهي المتشبعة بالثقافة الغربية وإجادة لغاته من فرنسية وانجليزية ولاتينية , و قد تأثرت بقراءتها للشعر الانجليزي وقولة برنارد شو  » الاقاعدة هي القاعدة الذهبية  » , فالشعر وليد الحياة , والحياة ليست لها قاعدة معينة تتبعها في ترتيب احداثها , اذن فضرورة التعبير هي التي رمت بها في اتون الشعر الحر من  خلال قصيدتها الكوليرا التي تقول فيها ..

سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ

رحم الله الشاعرة نازك الملائكة وما احوجنا الى شعر راق بهذا المستوى يخفف عنا ثقل المعاناة من اخبار كورونا المستجد التي لا زالت مستمرة في حصد الارواح البشرية في ظل غياب دواء شاف رغم ما يبذله العلماء والمختصون من مجهود للوصول الى ذلك وهم معتكفون بمختبراتهم, وبين الدراسة والتجارب نبقى في حالة انتظار وترقب بالذي قد يأتي او لا يأتي لا قدر الله , فالأمل سلاحنا والصبر عزاؤنا .

المراجع ..

-موقع سطور كوم

قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة

-ديوان شظايا ورماد لنازك الملائكة 1949

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *