اللؤم خلق مذموم وهو أشد ذما حين يكون ممن توضع فيهم الثقة العمياء

اللؤم خلق مذموم وهو أشد ذما حين يكون ممن توضع فيهم الثقة العمياء
محمد شركي
اللؤم آفة مستقبحة ، ويطلق اللؤم على الخسة، والدناءة، والضعة ،وهوان النفس ، وقيل هو أكثر من ذلك ، وعندي أن كل خلق سيء يكون ينضوي تحت اللؤم .
وإذا كان أمرا عاديا أن يتأذى الإنسان من لؤم لئام لا صلة له بهم ويستاء منهم ، فإنه أشد استياء من لؤم لئام تربطه بهم صلة أوعلاقة . وإذا ما كان الإنسان غالبا ما يحتاط من لؤم من يتوقع منهم ، فإنه يقع ضحية لؤم من لا يخطر لؤمهم على باله .
ونظرا لما يخلفه لؤم هذا النوع من اللئام في النفس من حسرة ، وألم ، وندم على ثقة توضع فيمن لا يستحقها ، ارتأيت أن أستعرض في هذا المقال بعض ما قاله بعض الشعراء الحكماء عن اللؤم واللئام وأقوالهم كلها حكم ونصائح من شأنها أن تنبه الغافل ، وتذكّر العاقل .
وأول ما يلاحظ في أشعار هؤلاء الشعراء أنهم يقابلون اللؤم بالكرم واللئيم بالكريم.
وأشهر بيت يردد كثير من الناس لشهرته وشهرة قائله بيت الشاعر المتنبي :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته = وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
هذا البيت يصور لنا رد فعل اللئيم على الإكرام ، حيث يتمرد على مكرمه بتنكره لإكرامه . وكل من تنكر لمكرم كان بالضرورة لئيما خلاف الكريم الذي يقيده الإكرام ويجعله مملوكا للمكرم .
ومما قيل عن اللؤم أيضا قول آخر :
إن الوفاء على الكريم فريضة = واللؤم مقرون بذي إخلاف
وترى الكريم لمن يعاشرمنصفا= وترى اللئيم مجانب الإنصاف
هذان البيتان يصوران سلوكين سيئين للئيم هو الإخلاف والإجحاف مقابل سلوكين حسنين للكريم هما الوفاء والإنصاف .
ومما قيل أيضا قول آخر :
رأيت الحق يعرفه الكريم = لصاحبه وينكره اللئيم
هذا البيت يصور نكران اللئيم الحق وعدم الإقرار به صاحبه مقابل عرفان الكريم له .
ومما قيل أيضا قول آخر :
إن اللئيم إذا أراك بشاشة = فالغيب منه والفعال لئيم
هذا البيت يصور نفاق اللئيم وخداعه ، فهو يظهرعكس ما يبطن .
ومثل هذا قول آخر :
ثق بالكريم إذا تهلل بشره = فهو البشير بنيل كل مراد
والبشر في وجه اللئيم تملق = فاحذر به استدراجه بفساد
هذان البيتان يصوران تملق اللئيم حين يظهر بشرا كاذبا على وجهه ، وهو ما يوجب الحذر منه لأن ذلك يعقبه شر، خلاف الكريم الذي يرجى خيرا من بشره الصادق.
ومما قيل أيضا قول آخر :
وما بال قوم لئام ليس عندهم = عهد وليس لهم دين إذ ائتمنوا
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا = منا وما سمعوا من صالح دفنوا
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به = وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
هذه الأبيات تصور خيانة اللئام للعهد والأمانة ، كما تصور تنكرهم لفضل من له فضل، وميلهم إلى سماع السوء عنه مقابل كرههم سماع الخير عنه.
فإذا جمعنا الأوصاف التي وصف بها اللئام في هذه الأبيات ، نجد الخيانة، والغدر، والخداع، والكذب ،والنفاق، والحسد، والإجحاف في الحكم، ونكران الجميل ، والسعي بالوشاية … كل هذا وغيره يجتمع في آفة اللؤم .
ولما كان اللؤم خسة، ودناءة، وضعة ،ومهانة نفس فقد حذر الشعراء الحكماء من مخالطة اللئام فقال أحدهم :
احذر مصاحبة اللئيم فإنه = يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
هذا البيت يصور اللؤم كداء خبيث معد يجب تجنب صاحبه .
ومثله قول آخر :
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه = كالقحط في أفعال خير مجدب
هذا البيت يصور اللؤم كالجدب الذي لا خير يرجى منه .
وأفضل وسيلة لتجنب اللئام هو الإعراض عنهم كما قال أحدهم :
ولقد أمر على اللئيم يسبني = فأجوز ثم أقول لا يعنيني
هذا البيت يدعو إلى تجاهل اللئيم استصغارا لشأنه .
ومثله قول آخر :
إذا نطق اللئيم فلا تجبه = فخير من إجابته السكوت
وحذر بعضهم من مجاراة اللئام في أخلاقهم السيئة فقال :
إذا جاريت في خلق لئيما = فأنت ومن تجاريه سواء
هذا البيت يحذر من الاستجابة لاستفزاز اللئيم والرد عليه بالمثل .
و في الأخير أقول ما أظن غير الشعراء يبلغون مبلغهم في ذم اللؤم والتحذير من اللئام . وقانا الله وإياكم من شر اللؤم واللئام .
Aucun commentaire