عقوبة الإعدام، بين وزير العدل والدستور؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عقوبة الإعدام، بين وزير العدل والدستور؟
وأنا أتصفح إحدى الجرائد الإلكترونية أثار انتباهي مقال تحت عنوان « أوجار أمام مؤتمر مناهضة الإعدام: المغرب يكرس الحق في الحياة »، ورد فيه من بين ما ورد ما يلي:
« وفي انتظار التوصل إلى إجماع حول هذه القضية، « نعتمد حاليا استراتيجية عدم تطبيق عقوبة الإعدام بالمغرب وذلك منذ سنة 1993 » (كلام منسوب إلى وزير العدل).
« وأشار(الوزير) في السياق ذاته إلى وجود توجه في السياسة التشريعية من أجل التقليص من الجرائم المحكومة بالإعدام وحصرها في بعض أنواع الجرائم، كالجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية »
« وأوضحت بوعياش أن « المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر من بين المؤسسات التي أوصت وطالبت بشكل دائم بإلغاء عقوبة الإعدام »، مؤكدة على الحق في الحياة كـ « حق أساسي، يجب على العدالة أن تنصفه ».
مما جعلني أتساءل مع نفسي، هل تم تغيير الدستور المغربي، أم أن مفهوم الحق في الحياة أصبح غير الذي تعلمناه، أم ماذا وقع؟ حيث أنه إذا جاز من باب الجدال إمكانية القبول بهذه الآراء من قبل أشخاص معينين بسبب توجهاتهم التي يدافعون عنها عن حق أو عن باطل، فإنه لا يمكن القبول بهذا الكلام حين يصدر عن مسؤولين في الدولة المغربية، وهم الذين يُفترض فيهم الدفاع عن دستور المملكة وعدم إتاحة الفرصة لأي كان بأن يتجاوزه، مما اضطررت معه إلى الرجوع إلى نص الدستور للتأكد من مدى مصداقية هذا النوع من التصرفات، لأتفاجأ بأن هذا الأخير قد ترك أَنْفاقا مفتوحة أمام أصحابها لنفث سمومهم في المجتمع، ليتم بعد ذلك إتلاف مفاتيح أقفال هذه الأنفاق حتى لا يتمكن أيا كان من فتحها مرة أخرى واستئصال الأورام التي تخلفها تلك السموم.
لتوضيح هذه الصورة المجازية سنتفحص النقطتين التاليتين الواردتين في تصدير الدستور وهما على التوالي:
« حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء ».
« جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة ».
لا يحتاج المرء أن يكون رجل قانون ليستنتج أن الشعب المغربي بعد مصادقته على الدستور قد ترك فعلا نفقا يتسلل منه المسؤولون عن المصادقة على الاتفاقيات الدولية لتهريب مضامين قد تُخِلُّ بالثوابت الدينية والوطنية لتسمو مباشرة بعد نشرها على التشريعات الوطنية، ويزيد النفق اتساعا عندما نعلم أن الحقوق المسماة كونية غير قابلة للتجزيء؛ ولا شك أن هذا هو النفق الذي تم المرور عبره للمصادقة فيما سبق على مجموعة من الاتفاقات من مثل المساوات والحرية المطلقة التي أصبحت خنجرا يشحذه المتربصون بنا وبديننا لذبح مجموعة من الشرائع والقيم الأصيلة واستبدالها « بقيم هجينة » من مثل حرية التصرف في الجسد والمثلية، والمساواة في الإرث… مما يدل على الارتهان المخجل للغرب.
وها نحن أمام اختراق آخر لهذا النفق من قبل وزير العدل ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بحيث يصرح الأول بأنه يتم العمل على حصر عقوبة الإعدام في بعض أنواع الجرائم، كالجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وتقر الثانية بأنها تطالب بشكل دائم بإلغاء عقوبة الإعدام، ذلك أنه عوض الاستماتة في الدفاع عن ثوابت الأمة وقيمها، والعمل على ملاءمة القوانين الدولية مع هذه الثوابت والقيم انطلاقا من كون الإسلام دين الدولة، ولعل ذلك هو ما كان يتم في السابق عندما كان المسولون المغاربة يتحفظون على مجموعة من الاتفاقات الدولية، نجد أن مسؤولو اليوم يبيعونها بالتقسيط من خلال طلب المهل من الأسياد حتى يتم استغلال كل فرصة متاحة للانقضاض عليها وترسيم ما يسمى بالقيم الكونية محلها لتصبح بعدئذ محمية بنص الدستور ومن ثم استحالة الاعتراض عليها من قبل أي كان.
وتعقيبا على ما يصبو إليه كل من السيد الوزير والسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أتساءل هل حق الجاني في الحياة يعني أن نفسُ المقتولِ أقل قيمة من النفس القاتلة، أو أنها لا تصبح ذات قيمة إلا اندرجت ضمن إبادة جماعية؟ وما الفرق بين قتل نفس واحدة وإبادة جماعية، ونحن نقرأ في القرآن الكريم » مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ». فإذا كنا نؤمن فعلا بالحق في الحياة بصفتنا مسلمين بنص الدستور، فإنه علينا أن نبحث عن حق المجني عليه في نصوص التشريع الإسلامي في مجال القصاص الذي لا يفرض الإعدام ولا يلغيه في كل الحالات، وإنما لكل حالة وضعها وسياقها، أما أن نسارع إلى هذه المؤتمرات ونحن خاضعين مستسلمين معتبرين أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، فإن ذلك لن يؤدي سوى إلى مزيد من التخلي عن قيمنا ومقومات شخصيتنا مقابل ما سموه بالحقوق الكونية، ومن أين لها أن تكون كذلك ونحن نعلم أنها تندرج في إطار التحكم في رقاب المستضعفين وسلخهم من كل ما يمت لثقافتهم بصلة في الوقت الذي تتمتع فيه الدول القوية بحرية التصرف كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا زالت تطبق عقوبة الإعدام فيما يقارب 32 ولاية والصين واليابان والأمثلة كثيرة.
في الأخير أقول لهؤلاء الذين يمثلون المغرب في مثل هذه المؤتمرات، اتقوا الله في المغاربة واحذروا أن ينطبق عليكم مضمون الآية الكريمة رقم 52 من سورة المائدة « فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire