لن تكون العلمانية بديلا عن الإسلام في أرض المغرب حتى يلج الجمل في سم الخياط

لن تكون العلمانية بديلا عن الإسلام في أرض المغرب حتى يلج الجمل في سم الخياط
محمد شركي
الذين يحلمون بنقل المغرب من بلد مسلم إلى بلد علماني على شاكلة البلاد الغربية واهمون وهما مثيرا للسخرية ، ذلك أن هذا البلد بشعبه المسلم الأصيل لا يمكن أبدا أن يتحقق فيه هذا الحلم الذي يتوهم أصحابه أنه سيأتي يوم يتحقق فيه . والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام عندنا ، والتي لا تخفي توجهها العلماني بما تنشره تزداد يوما بعد يوم وتيرة نشرها لمقالات دعائية لفائدة العلمانية . وينهج أصحاب هذه المقالات أسلوب تشكيك المغاربة في قدراتهم العقلية ، وفي فهمهم للإسلام ،حتى بلغ الأمر ببعضهم حد رمي هذا الشعب المسلم بالنفاق لأنه في نظرهم لا يخضع في ممارسة حياته العملية لتعاليم الإسلام التي لم تعد مسايرة للحياة بسبب ما جد فيها ، ومن ثم يعتبرون أن الفرصة أصبحت سانحة في اعتقادهم لإعادة النظر فيها على ضوء المستجدات الطارئة ، وحان الوقت لإعادة فهم الإسلام فهما مختلفا عن فهم من كانوا قبلنا . وبدأنا نسمع بعبارات من قبيل الإسلام التقليدي ، أو الإسلام « القروسطي » نسبة إلى القرون الوسطى ، أوالإرث الفقهي … وغير ذلك مما يدل على أن هذا الدين أصبح بالنسبة إليهم متجاوزا . وخلاف العلمانيين الغربيين الذين يعلنون براءتهم من الدين بشكل صريح ، يمارس المحسوبين على العلمانية عندنا نوعا من النفاق السخيف حين يدعون أنهم مسلمون ، وهم يفعلون ذلك لأنهم لا يملكون الشجاعة الكافية لإعلان تنكرهم للإسلام ، ذلك الظرف للإقدام على مثل هذه الخطوة لم يحن بعد ، ولهذا يتبنون فكرة متهافتة ،وهي القول بمحاولة فهم الإسلام فهما جديدا يوفّقون فيه بينه وبين هواهم العلماني ، لأن فهم وتنزيل السلف له يعتبر في نظرهم فهما وتنزيلا قاصرا ، وأن الذين يلتزمون اليوم بفهم هؤلاء وبتنزيلهم يجري عليهم نفس الحكم . ويركب هؤلاء العلمانيون كل مركب لتسويق هذه الفكرة المتهافتة ، وينهجون كل أسلوب لإقناع الرأي العام بأنهم أهل لفهم وتنزيل الإسلام بشكل صحيح ، لهذا يرفعون شعار: نحن قرآنيون » وهي دعوة لإقصاء الحديث ، والاقتصار على القرآن وحده لفهم الإسلام وتنزيله على مقاسهم ، ويذهبون إلى التشكيك في الحديث ، ويزعمون أنه هو سبب تعطيل الفهم والتنزيل الصحيح للإسلام . ولهذا ظهرت الدعوات المستهدفة لأئمة الحديث ، وذلك بالتشكيك في مصداقية مصنفاتهم لحمل الناس على فقد الثقة فيها، وفي من صنفوها ، وليخلو لهم الجو كي يمرروا فهمهم وتنزيلهم لكتاب الله عز وجل وفق ما يشتهون ،و ذلك في انتظار الظرف المناسب للإعلان عن علمانية تعطل الدين على غرار ما فعلت العلمانية الغربية . ويحاول العلمانيون عندنا إيجاد منافذ لتنفيذ مخططهم من خلال قضايا بعينها يقع الانطلاق منها لعملية فهمهم وتنزيلهم الجديدين للإسلام حسب زعمهم ، كما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة لقضية المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث حيث يرى هؤلاء أنه قد جد في حياة الأنثى ما يدعو إلى فهم وتنزيل جديدين لنصيبها في الإرث يختلف عما كان عليه زمن سيادة العقلية الرجولية كما يسمونها ، ويقتضي إعادة النظر في النص القرآني : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )). ويحتجون على ضرورة تعطيل العمل بهذا النص بالتعطيل الفعلي القائم لنصوص الحدود كحد الزنا ،وحد السرقة … وههنا يتهمون المغاربة بالنفاق لأنهم يتقبّلون تعطيل هذه الحدود ، ولا يقبلون تعطيل قسمة الإرث بين الرجل والمرأة ، ويعتقدون أن هذه حجة مفحمة لا يمكن تجاوزها . والمطالبة بتعطيل نص قسمة الإرث بين الرجل والمرأة عبارة عن مدخل لتعطيل نصوص أخرى يحتج على تعطيلها بدعوى أو بذريعة الجديد الطارىء على حياة الناس ، والموجب لفهم وتنزيل جديدين لها . ومن الجديد الطارىء على الحياة في نظرهم الحرية والمساواة على مقاس العلمانية الغربية . فتحت شعار الحرية يطالب هؤلاء بحرية الجسد ،وما يترتب عن ذلك من نواقض الفطرة البشرية السليمة كالمثلية والرضائية ، التي تجرمهما نصوص القرآن الكريم . وعلى غرار المطالبة بتعطيل نص قسمة الإرث يطالب العلمانيون بتعطيل النصوص المجرمة لفاحشة الزنا وفاحشة عمل قوم لوط . وعلى هذا النحو يريد هؤلاء تعطيل كل ما لا يوافق هواهم العلماني.
ولا ينتظر أن تخف حدة أو وتيرة ضغط العلمانيين بشتى الطرق والوسائل من أجل التمكين لحلول علمانيتهم محل الإسلام في هذا البلد ، وهم يغتنمون فرصة ظرف ما بعد ثورات الربيع العربي التي تم الإجهاز عليها ، وقلب موازينها وفق أجندة غربية يرى أصحابها في الإسلام تهديدا مباشرا لعلمانيتهم . ويخوض العلمانيون عندنا الحرب نيابة عن الغرب العلماني ، وهم طوابيره الخامسة المسخرة ،والتي يراهن ويعول عليها لتمرير مشروع استبدال الإسلام بالعلمانية، علما بأن ذلك لن يحدث حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ولذلك لأصالة الشعب المغربي ، وتشبثه بقيم دينه ، واستعصائه على التدجين العلماني . ولا يدري العلمانيون أنهم بقدر ما يحاولون طمس معالم الإسلام في هذا البلد بقدر ما يزيدون المغاربة تشبثا به ورهانا عليه لتكون له السيادة والكلمة الفصل . وستعقب هذه الحملات العلمانية المغرضة للنيل من الإسلام لا محالة ردة فعل قوية لم يحسب لها العلمانيون حسابا ، وستكون حاسمة في نسف حلمهم وانتكاستهم . ولقد صاروا أحاديث تندر عند المغاربة ، يسخرون من فقاقيعهم الإعلامية التي يعولون عليها ، وتكبر في أعينهم وهي محض سراب بقيعة .




Aucun commentaire