الحق في السؤال

كتب الأستاذ محمد عابد الجابري في مؤلفه المدرسي في الصفحة10″إن الدأب على إلقاء الأسئلة و إثارة المشاكل ليس عملا خاصا بالفيلسوف وحده.بل إن الناس جميعا يتساءلون،بل قد تنتابهم فترات لا يكفون خلالها عن السؤال.وكلنا يعرف مدى ولع الأطفال بإلقاء الأسئلة على آبائهم وأمهاتهم في أمور شتى،و كثير من الآباء و الأمهات لا يخفون تضايقهم من أسئلة أولادهم التي تتسم أحيانا بالإلحاح و الإحراج و التي تناول أمورا ليس من السهل تقديم إجابة عنها…ومع ذلك هم ليسوا فلاسفة ».
مانستنتجه1) أن ليس هناك خطوطا حمراء في طرح الأسئلة أي ليس هناك مواضيع يمنع السؤال فيها2)السؤال خاصية انسانية3) الأسئلة لها صفة الإلحاح و الاحراج4) الشعور بالضيق إزاء بعض الأسئلة …
الأستاذ محمد عابد الجابري يقدم كتابه القيم لطلاب الباكلوريا.و التلميذ في السبعينات من القرن الماضي كان في لقاء مباشر مع الكتاب دون حاجة إلى المدرس.فبعض المدرسين كانوا لا يشبعون نهم التلميذ في المعرفة و تقديم الأجوبة المقنعة.إذ كانوا هم أيضا تلاميذ يختصرون ما يوجد في الكتاب المدرسي.لاحتوائه على الشروح و الخلاصات و الإشارات الخ.و لا ننسى أن الاطر المغربية لم تكن تغطي حاجيات المدرسة و كان المغرب يستعين بالخبرة العربية في هذا المجال،و بعض المغاربة الذين كان لهم تكوين في المدرسة الجزائرية(في السبعينات من القرن الماضي)و لم يكن لهم رصيد تربوي و لا معرفي به يقنعون مراهقا و يفحمونه برهانيا.بل كانوا في مستوى بعض التلاميذ المتوسطين.ولهذا السبب كان التلاميذ يعتمدون على أنفسهم في فهم المادة و تلخيصها ومحاولة بناء هندستها.
إن من يسال يعرف.هكذا يقول المجتمع و لكن بطريقة عفوية »من له لسانا يعرف طريقه ».ولأهمية السؤال في المعرفة شيد الفيلسوف اليوناني سقراط فلسفته بناءا على السؤال.حتى أن الطريقة الحوارية في التعليم تسمى في بعض المؤلفات بالطريقة السقراطية التي تعتمد على نموذجين من الأسئلة :أسئلة التفكير و البحث عن التعريف و أسئلة الاكتشاف. وقد ألهمت هذه الطريقة المدرسة التربوية الأوروبية و المدرسة الأمريكية.فعلى سبيل المثال لا الحصر تؤسس طريقة المشكلات و طريقة المشروع الأمريكيتين على طريقة السؤال السقراطي.إن السؤال هو الذي يعطي للعقل مساحة واسعة في التفكير.
سقراط يرجع إليه الفضل أن قال بالحكمة التي وجدها في المعبد « اعرف نفسك بنفسك » و التي تحولت إلى شعار في بعض مدارس الطب النفسي.نذكر منها على سبيل المثال:تجربة الطبيب النفسي الأمريكي الدكتور « ادوارد سبنسر كولز » مدير مستشفى ‘بارك افنيو’ بنيويورك و عضو الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم،و أكاديمية الطب و العلوم بنيويورك. و مؤسس و مدير مصحة الجسم و العقل بنيويورك(ولد سنة1879درس العلوم النفسية و طب الأمراض العقلية في جامعة هارفارد.) طريقته في العلاج تعتمد على علاج الجسم و العقل معا نظرا للارتباط بين المرض النفسي و المرض العضوي الجسمي.( المصدر :كتاب :اعرف نفسك للدكتور سبنسر كولز،ترجمة الدكتور أمير بقطر دار الهلال العدد329 مايو1978).
الطريقة السقراطية لا تعطي معرفة جاهزة،بل يتوصل إليها التلميذ عن طريق بذل مجهود ذهني.لكن الطرق التعليمية في المدارس المغربية و منذ الاستقلال لم تستغن ولو لحظة عن الطرق التقليدية(الإلقائية و التلقينية و الإملائية والخطابية و العمودية في التواصل (،وهي مسميات كثيرة لطريقة واحدة لا تتغير في خصائصها. وتعتمد كلها على الشرح و التفسير و الوصف و الإملاء.وهي طرق تملأ العقول و لا تكونها….و لا تصنع مفكرا أو عالما،بل عقولا تردد ما قاله الآخرون من السلف.وعاجزة عن صنع عقل قادر على إنتاج المعارف أو تحليلها أو تركيبها أو نقدها…ما تنتجه المدرسة التقليدية هي عقليات محافظة على الموروث الثقافي و تمجيده و تقديسه بايجابياته و سلبياته حتى تلك المعارف التي تدخل في باب الشعوذة و الخرافة و الإشاعة.
لقد رفض سقراط تلقين المعرفة لتلاميذه من شباب أثينا،لكونه يؤمن بقدرة العقل البشري على تفجير المعرفة، و بقوة السؤال على هذا التتفجير.و لقد صنف الباحثون منهم على سبيل المثال:د.أنطوان خوري.في مقال له تحت عنوان »السؤال عن السؤال » بمجلة الفكر العربي المعاصر العدد 4و5سنة 1980في هذا البحث يقدم بعض التصنيفات منها على سبيل المثال:
1) الأسئلة العفوية: وهي أسئلة بسيطة كتلك التي يسألها الأطفال و السذج من الناس.
2)سؤال الاستفهام:أي تطلب الفهم من الغير.
3)السؤال الاستجواب:أي طلب أجوبة( من حق الفرد أن يسال ومن واجب المجيب أن يجيب.)فهي اقرب إلى الاستنطاق في مخافر الشرطة.ولها صدى في المدرسة التقليدية. وهي تدخل السائل و المجيب في دائرة الحق و الواجب..
4)السؤال الإحراج:وهو سؤال عنيف و مستفز، الغرض منه وضع المجيب في ورطة .و من حق المحرج أن يجيب : » أنا لا أعرف » أو « لا أريد الإجابة »،أو يلتزم الصمت أي يمتنع عن الإجابة(ملاحظة بعض التلاميذ يرقصون فرحا أن يضعوا أستاذهم في ورطة العجز و الضعف). و يعتبر الكاتب هذا السؤال، من أدوات العنف و السيطرة على الخصم.( أي هناك منتصر(من يحرج خصمه ) و منهزم(من يشعر بالحرج و العجز).ويصنفها الكاتب من أنواع الأسئلة التي تمارس في أقسام الشرطة قصد ابتزاز اعتراف.كما يلجا إليه بعض المدرسين لإفحام التلميذ المستفز أو المغرور. (الجواب عن السؤال بسؤال آخر).
5) السؤال الساخر:اعتمده سقراط في محاورته للمدعين المعرفة خاصة. فالسائل يبطن المعرفة (يخفيها) و يظهر الجهل لمحاوره للاستهزاء به وخاصة أمام جماعة تلاحظ ما يدور بينهما.
فإلى عهد قريب كان المواطن المغربي يمنع عنه السؤال المعرفي السياسي بل حتى الكلام في السياسة يعتبر من الطابوهات، فالجدران له آذان يسمع بها، هكذا كان يقال لنا ونحن أطفالا صغارا،وكبرنا في هذا المناخ…
الم تشر الدكتورة و الطبيبة النفسانية « نوال السعداوي في كتاباتها إلى الثالوث المقدس و المحرم الخوض في أسراره (الدين و السياسة و الجنس)؟؟؟ .
فكل دواليب الدولة مغلقة و يحيط بها الغموض و الأسرار، و هي دهاليز لا يعرف أي شخص عادي ما يدور في أروقتها، بل هو آخر من يعلم بقراراتها و نواياها…و لكن بعد الثورات العربية المتلاحقة ،بدا المواطن العربي يطرح حقه في المعرفة و المساءلة و في المشاركة السياسية.و نفض الناس عن عقولهم غبار الخوف(الخوفقراطية في مفاهيم الأستاذ المهدي المنجرة).وأصبحوا يسائلون السياسيين الأسئلة المحرجة تارة، و الساخرة تارة أخرى عبر قنوات التواصل الاجتماعي و الجرائد الالكترونية و القنوات الإخبارية التلفزيونية و الصحف المحلية و العالمية:ماذا فعلتم بالمال العام؟ ما نصيبنا منه؟ لماذا لا تحاسبون من أضاعه أو اعمله أو سرقه؟و ماذا ؟وكيف؟و لماذا؟ وهي الأسئلة العميقة و الجريئة التي تبحث عن الأسباب و النتائج..
فرغم هذا الهرج و المرج، لكن الحكومة في الوطن العربي ،غير ملزمة بالإجابة في الوقت الحاضر- على الأقل- على أسئلة المواطن المحرجة، فهو(أي المواطن) ليس إلا ورقة انتخابية توصل السياسيين إلى الحكم.بل إن من يحكم لازال يتنكر للموطنين و يهملهم و يعاملهم كقاصرين لا يفقهون شيئا حتى في أمورهم الخاصة فما بالك بأمور السياسة… والحكومة ليست ملزمة بإعطاء كشف للحساب عن ما لم تنجزه ، أو محاسبة المقصرين في إدارة الشأن العام أو الفاسدين…لأنها ليست مسؤولة أمام الشعب…
أما المثقف العربي فلا زال محاصرا في أفكاره وفي حرية تعبيره .وقد أشار إلى هذا الشاعر السوري « علي احمد سعيد » الملقب ب « أدونيس » قائلا: »إن الثقافة العربية السائدة لا تعلم إلا الكذب و النفاق و الرياء….و أنا لا استطيع أن أقول كل ما أفكر فيه ،وإذا قلته في قاعة كهذه ،لا استطيع أن أقوله كله » في إشارة إلى الحصار الفكري الذي يطوق المثقف العربي في الوطن العربي.
انجاز:نورالدين صايم





1 Comment
c’est tres interessant ce que vs ecrivez vs m’avez rendu la passion de la lecture merci et ne cesser surtout passsssssssssssssssss Bravo