Home»International»إسرائيل والزمن العربي الجديد

إسرائيل والزمن العربي الجديد

0
Shares
PinterestGoogle+
 

في العام الماضي كتبت مقالا عن « الزمن الإيراني الجديد » الذي بدأ يغزو منطقة الشرق الأوسط متصادما مع « الزمن الإسرائيلي » الذي كان آخذا في الزوال بعد تلقيه عددا من الضربات القاصمة، كانت أقواها الهزيمة العسكرية الإستراتيجية لإسرائيل في عام 2006 حينما لم يستطيع جنود « الجيش الذي لا يقهر » من السيطرة على أمتار معدودة في قرى الجنوب اللبناني .. وهو ما ترتب عليه سقوط منظومة الردع الإسرائيلية .. أو ما يمكن أن نطلق عليه الدور الإسرائيلي .. ولم يتبق من المشروع الصهيوني سوى الكيان فقط المتمثل في الدولة التي أوشكت هي الأخرى على الزوال، كما توقع أول رئيس لوزرائها بعد ظهورها، بن جوريون الذي قال:  » تسقط إسرائيل عند أول هزيمة تلحق بها ».

حاولت في ذلك المقال حينها أن أرصد بدايات الزمن الإيراني التي نشأت بعد الثورة الإسلامية التي اندلعت هناك وأسقطت نظام الشاه الذي كان الحارس الأمين على مصالح الغرب في المنطقة بالتعاون مع إسرائيل ..

وقد ترتب على هذه الثورة خروج إيران من الزمن الإسرائيلي – الأمريكي الذي سيطر على المنطقة بعد إسقاط الزمن العربي في حرب عام 1967 وجر العرب إلى العملية السلمية التي بدأت بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود عبر الموافقة على القرار 242 ثم الدخول معها في ترتيبات سلمية عبر اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعتها مصر في عام 1979.

الدخول العربي في هذا الزمن الإسرائيلي – الأمريكي وخروج إيران منه نتج عنه صدامات سياسية وعسكرية، كان أبرزها الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات حتى تغيرت بنية النظام الدولي بسقوط نظام القطبية الثنائية وتفرد الولايات المتحدة بقمة هذا النظام، فتوقفت الحرب لتندلع حرب أخرى كانت بمثابة الطريق الموصل إلى ذروة الزمن الإسرائيلي – الأمريكي وهي حرب تحرير الكويت في عام 1991 والتي تم استكمالها في عام 2003 بحرب احتلال العراق .. هذه الحرب التي استمرت أكثر من عشر سنوات مثلت قمة الاندماج العربي في الزمن الإسرائيلي .. لكنها على الطرف الآخر كانت بمثابة البداية للزمن الإيراني، إذ أنها ساعدت الدولة الإيرانية في الحصول على مكاسب جمة أهمها التخلص من أكثر أعدائها قوة وهو العراق .. بل إنها مهدت لتحقيق طهران لسيطرتها الكاملة على هذا البلد العربي عبر إيصال عملائها ومؤيديها للحكم في بغداد سواء من الشيعة أو من الأكراد.

كذلك أتاحت لها هذه الحرب الفرصة لبناء قوة عسكرية كبيرة تساعدها في فرض هيمنتها على الإقليم في إطار مساعيها لبدء زمنها الجديد الذي كان يتطلب القضاء على الزمن الإسرائيلي – الأمريكي ..

لم تضيع إيران الفرصة التاريخية التي وفرتها لها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن حينما أمرت الجيش الإسرائيلي في عام 2006 بشن حربه العدوانية على حزب الله للقضاء عليه كتمهيد للقضاء على القوة الإيرانية نفسها وربما احتلال طهران تماما كما حدث مع العراق من قبل .. لكن حدث العكس وسقطت تل أبيب بدل أن تسقط طهران.

كان متوقعا وفقا لتطورات الأحداث أن يستمر تقدم إيران على طريق تثبيت زمنها الجديد، خاصة بعد أن استطاعت عبر حلفائها في لبنان أن توجه ضربة قوية أخرى للزمن الإسرائيلي – الأمريكي بإسقاط حكومة سعد الحريري الموالية للغرب في يناير الماضي .. لكن كان للقدر قول آخر.

فقد حدث ما لم يتوقع أحد حدوثه .. سقط النظام التونسي بعد ثورة شعبية استمرت 27 يوما .. ثم تسارعت الأحداث بشكل كبير ووقعت الواقعة التي غيرت منطقة الشرق الأوسط تماما .. فقد سقط النظام المصري بعد ثورة شعبية استمرت 18 يوما.

حينما سقطت حكومة الحريري كانت واشنطن تستعد لمواجهة حكومة حزب الله بحزمة إجراءات سياسية وقانونية تعتمد على محاصرة الحكومة تمهيدا لإسقاطها .. لكن اندلاع الثورة المصرية خطف أبصار واشنطن ومن ورائها العالم كله، لأن الجميع كان يعلم كيف يمكن التعامل مع سقوط بيروت بيد حزب الله .. لكن لا أحد كان يعرف كيف يمكن التعامل مع مصر بدون نظام مبارك؟

فسقوط نظام مبارك وتحرر مصر من التبعية يعني أن زلزالا سياسيا سيضرب المنطقة وهو ما حدث بالفعل .. فبمجرد الإعلان عن تنحي الرئيس مبارك عن الحكم اندلعت الثورات الشعبية في عدد من الدول العربية لتهز عروش الحكام وتوشك على إسقاطهم .. وهناك شعوب أخرى ما زالت تنتظر الفرصة حتى تسقط حكامهم المستبدين.

مع اندلاع هذه الثورات العربية .. ومع نجاح الثورة المصرية وسيرها الحثيث على طريق بناء الدولة العصرية التي ترتكز على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان .. تغير المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط تماما .. وتوارى الزمن الإيراني ليحل محله الزمن العربي الجديد الذي استعاد مكانته التي فقدها بعد حرب عام 1967 .. لكنه هذه المرة جاء وهو أكثر شبابا وقوة من الزمن السابق الذي حكم المنطقة طوال عقدي الخمسينات والستينات .. لأن الزمن الجديد هو زمن الشعوب وليس زمن الحكومات المستبدة .. حيث مصالح هذه الشعوب هي التي ستكون الركيزة لسياسة كل الحكومات العربية التي ستأتي بإرادة هذه الشعوب وستذهب أيضا بإرادتها.

وفي عصر الشعوب تتحقق الطموحات التي كانت يوما أحلاما بل ضربا من المستحيلات .. ولعل البداية كانت مع القضية الفلسطينية التي جاءت ذكرى نكبتها مع فجر العصر الجديد فكان التعامل معها مختلفا .. فبدلا من أن يكتب الشعراء ويغني الفنانون .. خرجت الشعوب لتزحف إلى أرض فلسطين لتحقق الحلم .. حلم التحرير واستعادة الأرض التي اغتصبها المجرمون في غفلة من هذه الشعوب وبتواطؤ من حكامها.

اخترق الزاحفون الحدود ووصلوا لأول مرة إلى تلك الأرض التي كانت محرمة عليهم حتى في أحلامهم .. واشتبكوا مع المحتلين وسقط منهم من سقط وعاد الباقون بعد أن حطموا الأسوار وفتحوا الطريق أمام تحقيق الحلم، في انتظار أن تلحق بهم باقي الشعوب العربية بعد أن تتحرر أولا من احتلالها الداخلي.

أحمد فوده

مدير مركز النخبة للدراسات – القاهرة

elite_center2000@hotmail.com

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.