Home»International»حديث الجمعة : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))

حديث الجمعة : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))

6
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))

محمد شركي

قضت إرادة الله عز وجل أن يكون بينه وبين بني آدم عهد، وهو أن يعبد بلا شريك، ويطاع فيما أمر ونهى . والعهد منهم وعد يقتضي الوفاء به . وهم في عهدهم الذي عاهد كل واحد منهم ربه عليه صنفان : صنف يصدق فيما عاهده عليه ، وصنف آخر ينقض عهده معه . ولقد فصل القرآن الكريم في الحديث عن الصنفين معا حيث وصف كلا منهما بأوصاف حسب الوفاء بالعهد مع الخالق سبحانه أو حسب نقضه .

ومما وصف به الله عز وجل الصنف الصادق في عهده معه قوله تعالى : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )) . فهذا النص القرآني مثل كل النصوص التي ذكر سبب نزولها ، وقد كان سبب نزوله وفاء بعض الصحابة رضوان الله عليهم بما عاهدوا عليه الله عز وجل من ثبات في الجهاد في سبيله .

ومعلوم أنه في القرآن الكريم يترتب عن كل سبب نزول حكم يفهم من عموم لفظه ليشمل غير من ارتبط بهم سبب النزول من عموم المسلمين إلى قيام الساعة .

وفي هذا النص  إشارة إلى انتساب من صدقوا الله ما عاهدوه عليه إلى الفئة المؤمنة ، و هي فئة قد جمعت بين الإيمان بالله عز وجل وبين صدق العهد معه والوفاء به . ويترتب عن هذا  استنتاج، وهو أن كل من صدق العهد مع الله تعالى في عبادته من خلال طاعته فيما أمر ونهى، يكون بالضرورة من فئة المؤمنين . وفضلا عن وصفهم بالإيمان وصدق العهد ، وصفهم بأنهم رجال ، والرجولة أو الرجوليّة هي كمال الصفات المميزة للرجل من قوة، وشجاعة، وحنكة ،وأمانة ،وصدق … إلى غير ذلك مما يعد من خصال الرجولة  التي يطمح إليه كل مؤمن . ووصفهم بالرجال دل من جهة على بسالتهم في الجهاد ، ومن جهة ثانية على التزامهم بعهد الله وصدقهم فيه ، وهو ما أكده بلاؤهم في ساحة الوغى حيث استشهد منهم من استشهد ، وبقي منهم على قيد الحياة من مد الله عز وجل في أعمارهم  إلى حين . ولقد وصف الله تعالى صدق العهد، وهو إنجازه بأنه  قضاء نحب وهو النذر الذي ينذر أو هو ما يلتزم المؤمن بفعله مع ربه سبحانه وتعالى  . ولقد ذهب بعض المفسرين إلى أن قضاء النحب في هذه الآية الكريمة  هو الاستشهاد في سبيل الله ،ومن ثم يقال فلان قضى نحبه أي مات  أو استشهد ، وكأنه حين يموت يكون قد أوفى بنذر نذره مع خالقه . ولا شك أن من مات شهيدا يكون قد أوفى بنذره باستشهاده  ، ومن لم  تكتب له شهادة في قتال ،فقد تكتب له في غيره ،ويكون أيضا قد قضى نذره ، ومن لم تكتب له شهادة فمات وهو مسلم مطيع ربه يكون قد قضى نذره أيضا بالموت وهو على ملة الإسلام  ثابت عليها  لا مبدلا ولا مغيرا مصداقا لقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))  .

ويؤكد الله تعالى صدق الذين عاهدوه أو الذين نذروا نذر الاستشهاد في سبيله بقوله تعالى : (( وما بدّلوا تبديلا ))  بهذه الصيغة التي تؤكد باستعمال المفعول المطلق الثبات على العهد مع الله عز وجل دون تغييره ، وهو ما يعرف بالثبات على المبدإ . ولقد ذكر بعض المفسرين أن هذا التوكيد اقتضاه السياق القرآني السابق عليه ،والذي تناول ما كان من نقض المنافقين لعهد الله عز وجل بالجهاد في سبيله ، وعدم وفائهم به حيث بدّلوا تبديلا  . ولقد وصف الله تعالى ما كان من تبديلهم فقال : (( ويستأذن فريق منهم النبيء يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا )) ثم يقول بعد ذلك: (( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا ))، فتبديلهم كان نقضا للعهد ، وإخلافا للنحب حيث التزموا بألا يولوا الأدبار ثم تذرعوا للنبيء بعورة البيوت لتبرير فرارهم يوم الزحف ، وهو ما يسمى بلغة العصر تراجعا عن المبدإ . وخلاف موقف هؤلاء المنافقين الذين لا رجولة لهم، ظل المؤمنون الرجال على عهدهم دون تبديله ،و ثبتوا على المبدإ .

ولا شك أن الذي يجعل غير الثابتين على المبدإ في كل زمان هو الحرص على  المصالح التي هي نقيض  الالتزام بالمبادىء . فبقدر ما يلتزم أصحاب المبادىء بها بالرغم مما  قد يكون وراءها من متاعب ومن خسارة ومن خطورة  أحيانا ، فإن أصحاب المصالح لا التزام لهم  بها بل مصالحهم هي التي تتحكم في تصرفاتهم ومواقفهم  ، وهم يميلون حيث تميل ، ولا يبالون بما في ذلك من عار وشنار ودنيّة .

وإذا كان إخلاف العهد مع الخلق مستقبح مذموم ، فإن إخلاف العهد مع الخالق سبحانه وتعالى أشد قبحا وذما ،علما بأن العهود بين الخلق هي في حقيقة الأمر عهود مع الخالق أيضا ، الذي يشهد عليهم بذلك وهو سبحانه الضامن والوكيل .

ومعلوم أن المسؤوليات التي توكل إلى المؤمنين على اختلاف أنواعها هي  عبارة عن عهود  أو نذور فيما بينهم من جهة ، وفيما بينهم وبين خالقهم من جهة أخرى . ومن هذه المسؤوليات ما  قد يؤدي من تسند إليهم أيمانا على رعايتها حق الرعاية بين يدي شهود من الخلق، فضلا عن شهادة الله عز وجل وهو خير الشاهدين . وكل تفريط في تلك المسؤوليات أو تلك العهود يكون نقضا للإيمان وللرجولة اللذين وصف بهما الله عز وجل الذين يصدقون العهد معه ولا يبدّلون تبديلا . وقد لا يخطر ببال من يفرطون في مسؤولياتهم أنهم قد خرجوا بذلك من دائرة الإيمان إلى دائرة النفاق والعياذ بالله .

وقد يستخف البعض بما يعتبرونه مسؤوليات هيّنة أو بسيطة، والحقيقة أن المسؤوليات باعتبارها عهود لها نفس الحجم من الأهمية والخطورة، وهي تتساوى في ذلك دونما اعتبار لطبيعتها . ويمكن أن نضرب أمثلة على ذلك من واقعنا المعيش، فعلى سبيل المثال يتساوى المفرط في مسؤولية قدر قليل من مال الأمة مع المفرط في مسؤولية قدر  كثير منه ، لهذا لا عذر لمن فرط في القليل منه بذريعة قلته . وما ينسحب على أمانة مال الأمة ينسحب على أمانات أخرى مادية ومعنوية بما فيها  على سبيل التمثيل أمانة وقت الأمة ، وهو ما لا يلقى له بال عند غالبية من يستأمنون عليه، فيصرفونه في قضاء مصالحهم الخاصة أو في استراحاتهم أو في عطل غير مشروعة ولا مستحقة ، وهو زمن الأمة الذي يتقاضون عليه مقابلا ماديا.

وخلاصة القول أن في دين الإسلام يعتبر صدق العهود مع الخلق صدقها مع الخالق سبحانه وتعالى واجبا دينيا أو بلغة الشرع فرضا يجب ألا يستخف به .

حديث هذه الجمعة فرضه ما صارت عليه الأمة من استخفاف بالعهود على اختلاف أنواعها مادية ومعنوية ، وهي آفة تتهدد إيمانها ، وقد حذر الله تعالى من ذلك فقال : (( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )) ، كما حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور :  »  لا إيمان لمن لا أمانة له ،ولا دين لمن لا عهد له « ، فالله تعالى يعتبر خيانة الأمانات  مع الخلق خيانة للأمانة معه سبحانه ، وخيانة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمان والدين عمن لا أمانة ولا عهد له .

وإن المسلمين اليوم مطالبون بمراجعة ذواتهم بخصوص ما عاهدوا عليه الله عز وجل كل في موضعه ، ومن موقع مسؤوليته التي قلّدها سواء كانت صغيرة أم كبيرة . وإذا ما كانوا حريصين على صدق إيمانهم ورجولتهم ، فإنه يجب عليهم أن يصدقوا في عهودهم مع خالقهم من خلال صدقهم في عهودهم مع الخلق ،لأن الخالق سبحانه هو الرقيب و الضامن والوكيل عليهم .

اللهم إنا نعوذ بك من نقض عهد بيننا وبينك أو بيننا وبين خلقك . اللهم تفضل علينا جودا منك ورحمة بنا بما وصفت به عبادك المؤمنين الرجال الذين صدقوك ما وعدوك ولم يبدّلوا تبديلا . اللهم تدارك أمة الإسلام وبصّرها بخطورة نقض العهد معك ومع رسولك صلواتك وسلامك عليه ومع المؤمنين . اللهم لا تجعل الشيطان الرحيم يزين لنا المصالح على المبادىء ، واجعل اللهم طاعتك وطاعة رسولك عليه الصلاة والسلام أحب إلينا من عرض الدنيا الزائل .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *