Home»International»التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(3)

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(3)

0
Shares
PinterestGoogle+

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(3)

بقلم:خالد عيادي

التفكير والنفس:

النفس التي يحدثنا عنها القرآن الكريم هي نفس واحدة،ولكنها موصوفة بأوصاف ثلاثة.فإذا كانت مفعمة بالسكينة  والوقار ، واطمأنت في بسط الرزق وقبضه،واستوعبت قدرة الله، وتجذر فيها الإيمان العميق، والثقة بالغيب، بحيث لا يستفزها خوف ولا حزن،ولا فرح عارم، فهي آمنة مطمئنّة، تحسّ بالاستقرار النفسي، وتتطلع إلى مقام الروح، فهي النفس « المطمئنة ». وأما النفس « اللوامة »، فهي التي أقسم الله بها .فاللوامة نفس متيقّظة، تقيّة، متوجّسة، تندم بعد ارتكاب المعاصي فتلوم نفسها. وأما النّفس « الأمّارة بالسّوء »فهي النفس التي لا يغشاها نور المعرفة والعلم، والتي تأمر صاحبها بفعل كل رذيلة، وتسيطر عليها الدوافع الغريزية، وتبرز فيها النزعات الشريرة،.والنفس والروح يتطاردان فتارة تملك القلب دواعي الروح،وتارة تملكه دواعي النفس. ([1])

         ما يعنينا في هذا المقام نفسية الإنسان وقلبه.لأن التفكير السليم والمناسب والمتلون، مرتبط بنفسية هادئة مطمئنة، وقلب سليم من الهوى والغل والحسد.وقد ربط الله تعالى في كتابه العزيز، بين الفظاظة كسلوك ،وبين غلظة القلب كشعور فقال : « فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. »([2]).والغلظة ضد الرقة في الخلق، والطبع،والفعل ،والمنطق، والعيش . فهي قسوة وشدة .قال المفسرون في قوله تعالى : « ولو كنت فظا غليظ القلب »،الفظ سيء الكلام ،والغلظة قسوة القلب .وبه قال الإمام « الزمخشري ».وقال الألوسي « ولو كنت فظا » أي خشن الجانب ، شرس الأخلاق ، جافيا في المعاشرة، قولا وفعلا « غليظ القلب » أي قاسيه.ونقل عن الكلبي « فظا » في الأقوال ، « غليظ القلب » في الأفعال ». ([3]

             التفكير، قيد الحديث، يقف من العقل الكامل، والنفس المطمئنة، والقلب اللين من مسافة واحدة.فإذا اضطربت النفس وطغت ،انجذب إليها التفكير، واصطبغ بصبغتها العاطفية. أما إذا هيمن العقل، جذب إليه ملكة التفكير، واصطبغ بصبغته القانونية و الصارمة والجادة.في حين تمرض الأفكار والفهوم بمرض القلوب.وبمرضها تنصرف البشرية من تفكير « حجاجي »(أساسه الحجة)، إلى تفكير « حجاجي »(نسبة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي). ولما سأل الخليفة الأموي، « عبد الملك بن مروان »، ذات يوم عامله، « الحجاج بن يوسف الثقفي » قائلا له: « ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه ، فصف عيب نفسك . فقال : أعفني يا أمير المؤمنين ، فأبى ، فقال : أنا « لجوج » « حقود » « حسود » . فقال عبد الملك :… إذاً بينك وبين إبليس نسب »([4]). فإذا امتلأ القلوب بمثل هذه الصفات، فانتظر أشباه « الحجاج  » وأمثاله ، الذين إن وافقتهم في الرأي يفرحون، وإن خالفتهم أوجادلتهم،  إذا هم يسخطون.

           ولما كانت للنفس كل هذه الأهمية والخطورة على ملكة التفكير، فقد أولاها الإسلام أهمية كبيرة ،استغرقت طيلة الفترة المكية..ولم تهملها الفترة المدنية . حتى إن الله تعالى رهن إصلاح الواقع وتغييره، بإصلاح النفوس أولا فقال: »إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم »([5]) .و لقد كان الرسول يفرغ الصحابة من مخلفات الجاهلية، ويملأهم بالقيم الإسلامية الجديدة،وذلك عن طريق أساليب الترغيب،والترهيب،والرقائق.وربطهم باليوم الآخر، يوم لا ينفع فيه مال، ولا جاه ، ولا قوة ،ولا سلاح، ولا بنون ، « إلا من أتى الله بقلب سليم »([6]).

          قد يتساءل الواحد منا عن تلك الخلوة التي مارسها رسول الله في « غار حراء » الليالي ذوات العدد.وما من شك أنها من تيسير الله وهدايته.ولقد ركز بعض الدارسين للسيرة النبوية على فرار النبي من ضلال المجتمع القرشي، دون التركيز على ما في هذه الخلوة من أثر إيجابي عميق، على نفسية النبي وفكره وعقله .الخلوة بتلك الكيفية:غار في منتهى العزلة، و العلو، والخطورة، هي في الواقع تعالي، بالنفس والفكر والعقل، على مجتمع فاسد . وهذه الخلوة، هي التي منحت النبي ذلك الهدوء، وتلك الطمأنينة، والراحة النفسية ، التي لم  تزلزلها عواصف الدهر.الهدوء وراحة البال والتؤدة ،من أهم العوامل  لإنشاء تفكير سليم ومستقيم وعادل. وقديما قال علماؤنا « لا يقضي القاضي حين يقضي وهو « غضبان » أو، هو « حاقن »، أو هو »حاقب ».  

…………………………………………………………………………. 

[1]  ) القلب ووظائفه في الكتاب والسنة – سلمان زيد سلمان اليماني – دار ابن القيم للنشر والتوزيع-المملكة العربية السعودية – ط – 1-1994 – ص:223-224.

[2]  ) سورة آل عمران آية 159.

[3]  ) يراجع مبحث »القلب الغليظ ضمن كتاب : القلب ووظائفه في الكتاب والسنة – سلمان زيد سلمان اليماني – مرجع مذكور- ص:223-224.

[4] ) البداية والنهاية – الحافظ ابن كثير – ج – 9-  ط – 8- 1990- مكتبة المعارف – بيروت – ص:131.

[5] ) سورة الرعد آية: 11.

[6] ) سورة الشعراء.آية:89

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *