الإمام القرافي وصناعة »الروبوت » الجزء (3)

الإمام القرافي وصناعة »الروبوت » الجزء (3)
د:خالد عيادي
تفتحه العلمي:
لقد أورد الإمام « القرافي » هذا الاعتراف بالاختراع، في سياق حديثه عن صنم يتكلم، صنعه أحدهم، في زمانه نورده بتمامه لأهميته قال: »وقد أخبرت عن القاضي الفاضل وزير الملك الناصر صلاح الدين، أنه جاءه رجل فقال له: عندنا صنم يتكلم،فذهب إليه معه،فوجده صنما من رخام أحمر، قد أتى عليه الرمل إلا رأسه وهو ساكت.فقال له الفاضل:ما له لا يتكلم ? فقال له:تريد ذلك ?فقال نعم، فوضع الرجل إصبعه على ثقب في وسط رأسه، والريح يخرج منه خروجا شديدا،فمنع الريح من الخروج، حتى تغمر باطن الصنم به،ثم فتح ذلك الثقب،فشرع الريح يخرج، وجعل الصنم يقول:هتان المدينتان كانتا لشداد وشديد ابني عاد، ماتا وصارا إلى التراب، من ذا الذي يبقى على الحدثان ?وطول في الحدثان تطويلا شديدا، حتى فرغ الريح من جوفه،ثم أعاد سد ذلك الثقب،فأعاد القول بعينه مرارا، وهولا يزيد على ذلك ولا ينقص ».([1])
الرمز والدلالة:
يكشف لنا هذا النص بعض الغطاء عن سبب انتصار « صلاح الدين الأيوبي » على الصليبيين واسترداده للمسجد الأقصى.ولقد ركز معظم الباحثين على ورع هذا السلطان،كما ركزوا على جانب الأمانة، و العدل، والصلاح فيه..ولكن النص الذي بين أيدينا الآن، يكشف الغطاء عن مستوى عالي من الانفتاح العلمي، والتقني، والميكانيكي، السائد في عصره. ولا شك أن هذا المستوى التكنولوجي، قد انعكس،في ذلك الوقت، على الآلات الحربية، والخطط العسكرية،والبنى الفكرية.هذا النص يثير فينا نحن قراء القرن الخامس عشر هجري، نوعا من الذهول ، فالإمام « القرافي » وهو من كبار علماء المالكية المجتهدين،يتحدث عن صنم يتكلم،وحتى لا ننساق وراء أعجوبة صنم يتكلم في القرون الوسطى.لابد أن نتوقف عند أمور تختفي وراء هذا النص التاريخي الثمين:أولاها تساؤلنا المحير، عن موقف الإمام « القرافي » الشرعي،لا أقول من التصاوير،بل من الأصنام.حقا إنه منتهى الفكر المتحرر،و الذهن المنفتح، والفهم المعتدل، لنصوص تحريم التصاوير والأصنام.
ولقد تنبهت المستشرقة الألمانية »زغريد إنكه »،لهذا النوع من التفكير المبدع، والمنفتح على المعارف الإنسانية ،والمتحرر من قيود المسلمات الخاطئة، والذهنيات المتحجرة ،وذلك حينما أشارت إلى تأثر القيصر الصقلي »فريدريش » ،بعقلية الفقيه والفيلسوف »ابن رشد »إلى درجة أن مؤلفاته تكاد : »تتفق ومشرب القيصر الأشتوفي. »([2]). وتفسر المستشرقة الألمانية هذا النوع من الانبهار، من لدن « فريدريش » ، بنوع الثقافة العلمية السائدة في المجتمعات العربية، ذلك أنه على حد قولها »…في العالم العربي كانت المسائل واضحة جلية، ولا توجد أحكام تحد من تفكير رجال الدين الإسلامي ،أو من البحث والدرس. »([3])
ثم إن في النص حلقات مفقودة، وفراغات كثيرة، تجعلنا نتساءل عن وظيفة الرمل الذي يغطي الصنم إلى الرأس ?كما أن هذه المعطيات تخفي وراءها معرفة دقيقة بعلم الأصوات، والأوتار، وإدراكا دقيقا لكيفية صدور الحروف من « الحجرة الصوتية » البشرية ، وإلماما واسعا بوظائف اللثة، والحلق، واللسان والأسنان. وهناك آلة تجمع الهواء ثم تضغطه بشدة، فيصدر الكلام من الصنم.وهنا ينفتح علينا باب واسع من المساءلة ،تهم المخترعين الحقيقيين لجملة من الآلات الميكانيكية، والمعادلات الحسابية .إذ المشتهر أن مثل هذه الآلات التي تضخ الهواء ضخا، ظهرت إبان الثورة الصناعية في أوروبا. فهل نجزم بعد هذا ، أننا على دراية واسعة ،بما خلفته الحضارة العربية والإسلامية من اختراعات و معارف. ?!
…………………………………………………………………
) نفائس الأصول قي شرح المحصول – القرافي- مرجع مذكورص:440.[1]
[2]) شمس الله تشرق على الغرب- فضل العرب على أوروبا- تأليف:سيجريد هونكه-ت- فؤاد حسنين علي- ط -2-2011 – دار العالم العربي -ص356. تجدر الإشارة أن « ابن سبعين » الأندلسي، المتوفى سنة:669هج، هو صاحب رسالة »المسائل الصقلية » ، والتي أجاب فيها عن أسئلة لاهوتية، وأخرى فلسفية محيرة،كان قد بعث بها « فريديريش الثاني » المتوفى سنة:647هج، إلى الخليفة الموحدي « الرشيد » من أولاد عبد المومن، فاستجاب « ابن سبعين » للإجابة عن تلكم الأسئلة،رافضا الهبات الواردة عليه من فريديرش ».انظر رسالة « الكلام على المسائل الصقلية »-لأبي محمد عبد الحق ابن سبعين – عني بتصحيحه: محمد شرف الدين يالتقايا- المطبعة الكاثوليكية- بيروت -1940-ص-5.
[3] ) شمس الله تشرق على الغرب- فضل العرب على أوروبا- تأليف:سيجريد هونكه- مرجع مذكور -ص359.
Aucun commentaire