Home»Débats»ألخطاب في بلدي بين فراغ المحتوى و غياب المخاطب

ألخطاب في بلدي بين فراغ المحتوى و غياب المخاطب

0
Shares
PinterestGoogle+

ألخطاب في بلدي بين فراغ المحتوى و غياب المخاطب

قرأنا مثل ما أخال الجميع قد قرأ أن التواصل لا يستقيم حتى تتحدد مقاييس عدة من قبيل المرسل و المستقبل و الرسالة و السياق و قناة التواصل و شفرته. 

بيد أن الخطاب ببلادنا أيا كانت نوعيته إن دينيا أو سياسيا أو حقوقيا أو إعلاميا يكاد يشذ عن القاعدة بل و يرسم معايير جديدة للتواصل لا قبل لها بتفسير جاكوبسون. 

فإذا ما تطرقنا للحقل الديني و الخطاب المتداول فيه و ليس أدل مثالا على ذلك من خطبة الجمعة سنجدها العقم نفسه و الضجر عينه و الاستلاب ذاته حتى أنها غدت فعلا روتينيا يتكرر كل أسبوع  يرى فيها الخطيب مورد رزق و المصلون عذابا عليهم تحمله. و ليس خاف على جميع من يرتاد المساجد كيف أن أغلب المصلين  لا يلقون بالا لما يقوله الخطيب إلا لماما ليضيع الغرض من الجمعة بين خطيب جل علمه و عمله تلاوة ما يكتب له – و إن كانت حتى الضاد كثيراً ما تذبح على منابر المساجد ذبحا-
و بين موضوع فارغ لا يمس للواقع المعيش بصلة و مصلين لولا ما للجمعة من قدسية لما كلفوا أنفسهم  عناء ارتياد المساجد.

و لا شك أن ثمة نية مبيتة لإفراغ المساجد من دورها التعبوي و التوجيهي و جعلها بمنأى عن المجتمع و المجتمع بمعزل عن المساجد طالما أن الخطاب الذي يساق داخلها في واد و الواقع في واد ثان.

فأضحى طبيعيا أن تجد الخطيب يتحدث عن دور الماء في الحياة و لزوم الحفاظ عليه بينما تقصف غزة و تسيل دماء أبنائها أنهارا.

هنا يضيع التواصل و يصير المرسل أحمقا  و المستقبل أصما و الرسالة عجفاء. 

أما في ما يجر إلى الخطاب السياسي فالعملة واحدة و الساسة يحدثون غير الشعب و الشعب لا يجد ساسة يستقبلون خطابه. لذلك تجد جفاء من المواطن للبرلمانات و بيانات الحكومة و ندوات السياسيين لا لشيء إلا لأنه ترسخت لديه قناعة مفادها أن مصلحة الشعب شيء و ما ينشده الساسة شيء آخر.

فحين تتابع جلسة للبرلمان تلفي الحكومة كما المعارضة تؤثثان لمشهد طفولي صرف لا علاقة له بعرف السياسة و دهاليزها. فلا الوزير وزير و لا البرلماني برلماني. و اختلط الشعر باللكم و الشتم و الهزء
و هلم جرا.

 حكومة تصرح أنها حكومة الملك و معارضة تفتخر بكونها معارضة الملك فأين الشعب بين الاثنين؟
و المفروض أن الحكومة حكومة الشعب انتخبت من لدن الشعب لتسيير مصالح الشعب و أن المعارضة وجدت لمراقبة عمل الحكومة و السهر على تنفيذها وعودها و الاعتراض على قرارات تراها لا تخدم الشعب و الملك لمراقبتهما معا بما يضمن للشعب حياة كريمة و للبلاد رخاء مستديما.

و حين يتعهد حزب بالقضاء على الفساد و جر رموزه إلى المحاكمة إن هو بلغ الحكم و يصرح و مقاليد الحكم بين يديه أن عفا الله عما سلف فيطلق أيدي الفساد و المفسدين و يبرئهم و يمحو ذنوبهم القديمة كما الجديدة بل و يتحالف معهم و يجبر المواطن البسيط على تعويض ما سرقوه فيشعل الأسعار و يقضي على  ما تبقى من حقوق إذاك تنتفي الثقة بالخطاب السياسي. 

أما عن الخطاب الحقوقي فهو مهزلة بكل المقاييس. فالمعتاد أن تنافح المنابر الحقوقية عن حقوق الإنسان  بيد أن هؤلاء الحقوقيين كأنما جاؤوا من كوكب آخر و كأنهم أرسلوا لغير هذا الشعب لذلك فخطابهم كما يبدو يبحث بذاته عن مخاطَب.

ترهات عديدة و آثام بعدد الحصى ما فتئت هذه المنابر الكبير منها كما الصغير تقترفها في حق هذا الشعب.

و يتساءل كل عاقل عن  السبب الذي يدفع هكذا جمعيات حقوقية إلى تغليب مسائل ثانوية بل و تافهة على أمور جديرة بالنضال التي تسوقه عبثيا هذه الكائنات الحقوقية.

و بدلا من المزايدات الفارغة، أما كان أفضل المناداة بفك العزلة عن مناطق كاملة و تهيئة البنية التحتية بما يضمن الحفاظ على أرواح عزيزة قضت في الفيضانات الأخيرة و الدعوة إلى التعامل مع الأحياء كما الأموات بما يحفظ للبشرية قدسيتها و للنفس هيبتها لا التعامل مع الأحياء كما القطيع و مع الأموات كما البهائم النافقة. حينها كنا سنصفق لحقوقيينا و نشد على أياديهم.

 

بيد أن هذه الجمعيات اختارت للنضال قضايا لا تلتقي فيها و شعبا بأكمله فمن حرية المعتقد التي يرفضها عموم الشعب المغربي إيمانا منه بأن الله كرم هذا البلد بالإسلام و لا يمكن أن يكون إلا مسلما فتدعو هذه الكائنات العبثية إلى ضرورة بناء كنائس جديدة بدل أن تحث الحكومة على بناء قناطر و منازل لمن دكت ديارهم وحاصرتهم السيول و تدعو دونما حياء إلى الإفطار العلني في رمضان و إلى تمتيع المثليين بحقوقهم و تعتبر ممارسة الجنس بعيدا عن مؤسسة الزواج حرية…و تجرم الاغتصاب- و هو لا يحتاج سندا لكي يجرم- لكن حينما نأتي للقصاص تختلف الرؤى.

لذلك تنبري هذه الكائنات معارضة حكم الإعدام في قضايا يكون فيها الحكم بغيره معيبا. 

فكيف التعامل و وحش يغتصب الأطفال و يقطع جثثهم؟ 

كيف التعامل و من يزهق روح أمه أو أبيه؟

أبعد قتل الطفل و الأم و الأب جرم أكثر فظاعة؟

أين الآدمية في من ينحر أمه التي ولدته؟

أين الإنسانية في من يغتصب طفلة في عمر الزهور دون أن يرق له قلب أو تدمع له عين و هي تصرخ أسفله؟

الاغتصاب في مجتمع يحترم نفسه حقيق بالإعدام و القتل لا عقاب له إلا القتل و بدل أن ندافع عن حق القاتل في الحياة فالأجدر أن ننافح عن حق الضحية في الحياة و الأمان.

و في خبل حقوقي سافر صارت هذه الكائنات الحقوقية تدافع عمن لا يدافع عنه فكيف يكون من ينصر العدا على الوطن وطنيا؟

كيف يغدو من يبغي أن ينزع من الوطن جزءا و يسلمه لغير أهله مغربيا؟

كيف لمن يعادينا و يرى فينا مستعمرين و محتلين أن يصير منا و علينا؟

كيف لمن يعتبره أهل الدار أنفسهم انفصاليا أن يصير بمباركة حقوقيينا وطنيا؟ 

 

و حين يتهم سياسيون و منابر وطنية و مواطنون عاديون هكذا كيانات بتلقي دعم خارجي فلا شك أنه أمر لا يحتاج عبقرية ليستنبط. فمن يتحين الفرص ليصدح بغير ما يئن له شعبه فلا يمكن إلا أن يكون من المرتزقة.

و في ما يجر إلى ردهات الإعلام، لا يختلف الأمر البتة فقنواتنا التلفزية و إذاعاتنا و صحفنا و هلم جرا تسير على الدرب عينه.

فلا البرامج و لا الأفلام و لا المسلسلات و لا حتى الأخبار تشفي غليل المتلقي و كأنما خلقت لشعب غير الشعب و لمواطن غير المواطن. 

فدور الإعلام و لا شك التعبير عن آلام و آمال الشعب لكن حينما تقدم قناة عمومية- تمول من أموال الشعب- على إحياء سهرات يختلط فيها الغناء بالرقص بينما يموت المغاربة بالعشرات و لا يزالون، فلا شك أننا ننتقل من الخطاب العقيم إلى الخطاب المستفز و المستهجَن. أما كان من هكذا قناة أن تؤجل لا أن تلغي مجونها إلى أن تندمل جراح و تجف دموع؟ أليس تحقيرا لمن قضى و استفزازا لمن بقي أن يرى قناة يلتئم فيها العري بالرقص و الغناء بدل أن تلتزم الحياد بدل الحداد و ذاك أضعف الإيمان.

 

نماذج جمة اخترت منها ما تقدم للتدليل على أن مستوى الخطاب في وطننا لا يلامس الواقع و لا يعترف بالمخاطب لذلك فالخطاب أصلا لا يمكنه أن يحقق تواصلا ما دامت وظائفه غائبة و أركانه مغيبة. و واقع الحال أن المواطن بعيد كل البعد عن خلد الجميع…

 

عبد الحق مزواري

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. om ayoub
    02/12/2014 at 13:43

    صدقت ووفيت. ندعو الله أن يستر عاقبتنا ويهدي ساستنا.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *