Home»Débats»مع شديد الأسف كلنا ضد ثقافة الفوضى في مدينتنا ولكننا كلنا يساهم فيها بشكل من الأشكال

مع شديد الأسف كلنا ضد ثقافة الفوضى في مدينتنا ولكننا كلنا يساهم فيها بشكل من الأشكال

0
Shares
PinterestGoogle+
 

مع شديد الأسف كلنا ضد ثقافة الفوضى  في مدينتنا ولكننا كلنا يساهم فيها بشكل من الأشكال

محمد شركي

 

تنفست ساكنة مدينة وجدة الصعداء وهي تعاين  عملية محاصرة الفوضى العارمة التي ابتليت بها هذه المدينة الحدودية منذ ما يسمى اندلاع الحراك حيث  اعتبر البعض أن هذا الحراك هو فرصة سانحة من أجل تكريس ثقافة الفوضى ، بل  وقر في أذهان البعض ، وفي اعتقادهم أنهم يلوون ذراع السلطة ، ويفرضون منطقهم الفوضوي عليها. ومع السكوت على هذا المنطق الفوضوي استفحل أمره وصارت المدينة عبارة عن جحيم لا يطاق حتى أن المواطن الوجدي لم يعد بإمكانه أن يجتاز بعض شوارع المدينة ماشيا. أما محيط المدينة القديمة ووسطها فتحول إلى ما يشبه أسواق الأغنام في موسم عيد الأضحى بحيث لا يستطيع من يدخلها الخروج منها إلا بشق الأنفس . ومشكلة كل من  وجد نفسه محاصرا في شدة الزحام والفوضى أن يعبر عن امتعاضه  ويتوجه بالنقد إلى المسؤولين عن تسيب الوضع في المدينة ، إلا أنه ينسى أو يتناسى أنه طرف في هذا التسيب بشكل أو بآخر ، ومجرد قبوله  الخوض في  أماكن الفوضى العارمة يعتبر مساهمة فيها . ولقد كتبت من قبل مقالا نبهت فيه أن المقاربة الأمنية وحدها لن تكون كافية من أجل القضاء على ثقافة الفوضى التي ترسخت في الأذهان  ، وصارت سلوكا مقبولا بين ساكنة المدينة . وفي اعتقادي أن ثقافة مقاطعة الفوضى هي الحل الأمثل لها لأن الساكنة إذا ما تنكبت أماكن العرض الفوضوي ،فإنها ستضطر أصحابها إلى الانصراف منها اقتناعا بعدم جدوى وجودهم فيها .

أما اعتماد المقاربة الأمنية وحدها دون انخراط الساكنة في هذه المقاربة لدعمها فلا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة. فماذا عسى أصحاب المقاربة الأمنية أن يفعلوا عندما  تنخرط الساكنة في  الفوضى وهي ترتاد أماكنها وتبتاع من أصحابها الشيء الذي يعد تشجيعا لهم ، ووقوفا إلى جانبهم ضد أصحاب المقاربة الأمنية الذين يجدون عنتا كبيرا في  مطاردة الفوضى ومحاصرتها . وأكثر من ذلك  لا زال فينا من يدعم الفوضى وأصحابها  عن طريق الحق الذي يراد به باطل . فعبارة :  » الباعة المتجولون أو الفراشة مساكين  ، وماذا عساهم أن يفعلوا ؟ وأين سيذهبون ؟  … « إلى غير ذلك  من عبارات التعاطف الفارغ والفج لازالت موجودة فينا  وهو تعاطف  يجعل  أصحابه مصالح فئة فوق الصالح العام ،وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا ، ولا ينتبهون إلى أن الفوضى العارمة تنعكس على الجميع سلبيا . فالباعة لم يعودوا متجولين  لأنهم لا يجوبون الشوارع ، بل صاروا مستقرين في الشوارع و فوق  الأرصفة  والممرات وعند واجهات المتاجر حتى أن أماكن العرض الفوضوي استغرقت كل حيز ، ولم يعد  بإمكان المارة أن يمروا بها مجرد المرور. وأصحاب منطق التعاطف المغلوط مع الباعة الفراشة وأصحاب العربات المدفوعة والمجرورة التي تخلق الفوضى في شوارع المدينة يغيبون منطق الصالح العام جهلا أو تجاهلا ، ولا يخطر ببالهم أن  الأماكن العمومية بما فيها الشوارع والأرصفة هي ملك عام لكل إنسان الحق فيها . فكيف يمكن قبول حق الفراشة فيها دون حق  غيرهم من المواطنين ؟  وكيف  يكون مسكينا من يحتل ممرا أو شارعا أو رصيفا  ولا يكون مسكينا من لا  يحق له حتى مجرد الحلم بالمرور فيها ؟  إنه تعاطف  فارغ لا يقوم  على منطق سليم . ومن أصحاب هذا المنطق من ينحي باللائمة على الدولة التي لم توفر  لصناع الفوضى بدائل ، كأن الدولة  من المفروض عليها أن تعيل كل من لا يعيل نفسه . ولا يلتفت هؤلاء إلى مظلمة أصحاب المتاجر الذين يؤدون  الضرائب في حين أن صناع الفوضى لا يؤدون شيئا ، ومع ذلك يريد المدافعون عنهم اندفاعا من الدولة أن  تبحث لهم عن بدائل عندما تفكر في  منع الفوضى التي صنعوها عن سبق إصرار . ولا أحد من أصحاب التعاطف المغلوط يقول :  » مساكين أصحاب المتاجر يدفعون الضرائب وغيرهم من الفراشة الفوضويون  يستفيدون دون  أداء واجب الضرائب  » .

إن أصحاب التعاطف المغلوط مع صناع الفوضى يساهمون بشكل مباشر في هذه الفوضى ، وحكمهم حكم  الذي يرى المنكر ويقره  بلسانه . والساكتون  على هذه الفوضى العارمة يساهمون أيضا فيها  على طريقتهم ، وهم أيضا في حكم الذي يرى المنكر ويسكت عنه ، وهو ما يسمى الشيطان الأخرس . والذين يشجعون صناع الفوضى عن طريق التعامل معهم  يساهمون أيضا مباشرة فيها لأنه لولا وجودهم لما فكر الفوضويون في  خلق فوضاهم ، وهم في حكم فاعل المنكر . ومشكلتنا أن ثقافتنا الإسلامية يوجد فيها ما يمكن أن نسميه الحقوق البيئية  ، ذلك أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم   نهى عن  مجرد الجلوس في الطرقات ، وأمر بإعطائها حقها المادي والمعنوي ، وهو حق يتعلق بخلوها من الإيذاء . وعندما تفرش الطرقات وتصير في حكم الأسواق يكون ذلك  هو الإيذاء المباشر الذي نهى عنه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . وفي الأخير لا بد من التذكير بأن ثقافة الأسواق عندنا مختلة  حيث  لا توجد ضوابط تضبطها كما هو الحال في  المجتمعات البشرية المتحضرة .

فالأسواق في ثقافتنا  ليست أماكن معلومة بمواصفات معلومة كما هو حالها عند غيرنا ، بل الأسواق عندنا هي كل حيز حيثما كان ، لهذا صارت بوابات المساجد وهي دور العبادة عبارة عن أسواق لأن ذهنية  الأنانية هي الغالبة على  ثقافتنا حيث  تجعلنا هذه الذهنية نرفع شعار رمي عصفورين بحجر  فنصلي  وفي نفس الوقت نتسوق من نفس المكان . كما أننا نتسوق من الشوارع التي نمر بها ، فنجمع بين المرور والتسوق ، كما جمعنا بين الصلاة والتسوق .  وعند بوابات المستشفيات  أوجدت ثقافتنا الأسواق أيضا حيث  نجمع بين التمريض وزيارات المرضى وبين التسوق . ولا توجد أمة مثلنا لها  أسواق عدة . فإلى جانب ما يسمى الأسواق النموذجية ، توجد الأسواق السوداء التي تسوق السلع المهربة من الجزائر ومن مدينة مليلية المحتلة ، وقد صارت أسواقا مشروعة ،  كما توجد الأسواق الأسبوعية  إلى جانب  الأسواق اليومية التي تعرف  في ثقافتنا  العرجاء بالسويقات ، فضلا عن وجود  متاجر ودكاكين في كل حي وفي كل حارة . وحتى هندسة البناء عندنا تأثرت بذهنية الأسواق المسيطرة علينا ، فلا يبنى منزل إلا  ويجب أن يكون طابقه الأرضي عبارة عن مرأب  وهو ما يسمى عندنا « الخاوي « ، والتسمية تدل على خواء الأذهان  والتي نتج عنها  آلاف الأحياء كلها بالخاوي  ، وكلها  بنية التجارة ، وكأننا سنتحول جميعا أمة تاجرة تقصدها الأمم التي تبتاع منها . وصارت حتى البيوت العادية والمتواضعة تمارس  مختلف أنواع التجارة بما فيها  تجارة المأكولات من خبز وفطائر وغيرها ، وصارت ربات البيوت  تاجرات وقد كن ربات حجال . إنها آفة ثقافة الأسواق عندنا كل مكان إلا ويصلح أن يكون سوقا ، وهذا ما أوصلنا إلى الفوضى العارمة عندما  ساد ت فينا ذهنية  تعميم  الأسواق في كل حيز ، حتى الشواطىء لا تخلو من أسواق ، وحتى المقابر. إنها ثقافة متخلفة بما للتخلف من دلالة ، وكلنا  يدينها ،ولكننا مع شديد الأسف والحسرة كلنا منخرط فيها وضارب فيها بسهم كما يقال. ولن يغير الله  ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .  وشر ما في أنفسهم  الأنانية وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة ، وذهنية تجارة الفوضى العارمة . وأخيرا نشد على أيدي أصحاب المقاربة القانونية والأمنية  ويجب أن ننخرط فيها جميعا  من خلال  ثقافة مقاطعة الفوضى ، وهي عدم  التشجيع عليها مهما كان نوع هذا التشجيع فعلا أم قولا أم سكوتا .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. مواطن
    25/08/2012 at 17:43

    والله تحليلك للظاهرة واقعي وموضوعي يا أستاذ , جازاك الله كل خير , لان الكل مساهم في هذه الفوضى عن وعي او لاوعي « فلننخرط إذن من خلال ثقافة مقاطعة الفوضى » موازاة للمقاربات الاخرى التي لا غنى عنها,,,,و

  2. وجدي
    26/08/2012 at 02:24

    الحل سهل وهو تادية غرامة مالية للممشتري وخجز البظاعة للبائع

  3. بوعزة
    28/08/2012 at 13:18

    أشكرك كل ما قلته هو عين الصواب.أنا أضيف شيءا آخر أنه عند تأديتنا لصلاة التراويح أيام رمضان بمسجد محمد السادس يقوم الناس بالتسوق بالساحة المجاورة للمسجد التي أصبحت عبارة عن سوق ,هؤلاء الناس نسميهم نحن أهل مدينة وجدة بالمتخلفين(لعروبية أو الهنبر) , أضف إلى ذلك أن أحد من هؤلاء الفراشة أتى بصالون و مفروشات و عرضها قرب المصلين بالساحة المجاورة للمسجد , أنا أقول لهذا الشخص إن لم تستحيي فافعت ما شأت « الله ينعل لما يحشم » , شيأ آخر أنا ألوم المسؤولين لأنهم لم يقوموا بحماية هذه الساحة الجميلة التي صرفت عليها ميزانية مهمة من الأول منذ أن نزل بها الفراش الأول

  4. عبد الكريم
    28/08/2012 at 16:40

    أود أن أثير انتباه السادة القراء إلى موضوع طالما استفز مشاعري ، وهو التساؤل عن دور المسجد والوعاظ من كافة الظواهر المجتمعية وعلى رأسها ظاهرة الفوضى هاته. لم صم الوعاظ والخطباء آذانهم عن مشاكل المجتع . ألييس من الدين الاهتمام بما يشغل بال الناس. أم أن هم الوعاظ والخطباء نشر ثقافة إسلام لايت . لو تدخل المسجد في مثل هذه الأشياء لصلح حالنا، لكن مع الأسف فالخطاب الديني العقيم الذي يروج له الخطباء نتج عنه فصل الدين عن المجتمع فاضحى الخطيب داعيا للعلمانية من حيث لايدري

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.