نعت وزير الشأن الديني من ينتقدون خطب خطة تسديد التبليغ بالخوارج والمجرمين اتهام خطير لهم بخلع البيعة من أعناقهم وارتكاب الجرائم

نعت وزير الشأن الديني من ينتقدون خطب خطة تسديد التبليغ بالخوارج والمجرمين اتهام خطير لهم بخلع البيعة من أعناقهم وارتكاب الجرائم
محمد شركي

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ما صدر مؤخرا عن الوزير المكلف بالشأن الديني تحت قبة البرلمان في جلسة مساءلة حيث نعت من ينتقدون الخطب المندرجة تحت خطة تسديد التبليغ التي اعتمدها المجلس العلمي الأعلى بأنهم مجرمون ، وكان قد وصفهم من قبل بالخوارج . ومعلوم أن هاذين القدحين معا يتضمنان اتهاما مباشرا بتهمتين في منتهى الخطورة ، تهمة خلع البيعة من الأعناق التي تدل عليها لفظة » خوارج » التي اطلقت في عهد الخلافة الراشدة على الفئة الخارجة عن طاعة الإمام علي كرم الله وجهه وبذلك خلعت بيعته من أعناقها ، أما تهمة الإجرام التي تدل على ارتكاب الجنايات التي ينكرها الشرع والقانون على حد سواء ويعاقبان من يتورط فيها . ومعلوم أن لفظة » خوارج » ولفظة » مجرمين » تستعملان على وجه الحقيقة ، ولا انزياح لهما عن الحقيقة إلى المجاز وهو ما لا يقبل كتبرير من الوزير إذا زعم انزياحهما .
ومعلوم أنه لا أحد يذهب مذهب الوزير في تجريم النقد الذي كان في الماضي يدل لفظه على التمييز بين دنانير الذهب الخالص وبين والمشوبة بمعدن آخر والزائفة ،ولذلك سميت العملة المعدنية نقدا . وانزياح هذه اللفظة عن الدلالة على الحقيقة المادية إلى دلالة مجازية يكون بالتمييز بين الجيد وردىء الأدب شعرا ونثرا أو التمييز بين صائب وسديد الفكر أو الرأي و بين خاطئه ومنحرفه، وليس في هذا الفعل ما يستحق عليه من يمارسونه التجريم .
ومعلوم أن المنزه عن النقد من الكلام إنما هو كلام الله عز وجل وكلام رسوله المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وماعدا ذلك من كلام البشر لا يمكن أن ينزه عن النقد الذي يهدف إلى إسداء النصح الذي لا غنى لأحد عنه ، وما أحكم قول القائل : » رحم الله من أهدى إلي عيوبي » .
ولما كانت الخطب المنبرية المندرجة تحت مسمى خطة تسديد التبليغ صادرة عن بشر غير منزه سواء كانوا السادة العلماء الأجلاء أعضاء المجلس الأعلى أو غيرهم ممن هم دونهم علما ومهمة يوكل إليهم تحريرها ، فلا يمكن أن يجرم من ينتقدونها غيرة عليها ، علما بأن نقدها لا يمكن أن يحمل على الإساءة إلى أصحابها لأنه يتوجه في الحقيقة إلى مضامينها وأساليبها مما يقتضيه فن الخطابة الذي هو فن أدبي إبداعي له قواعده وأصوله . ولا تختلف الخطابة الدينية عن عموم الخطابة الأدبية إلا بانصرافها الكلي إلى الموضوعات الدينية وإلى الوعظ والإرشاد . ونظرا لأهمية موضوعاتها فإنها أولى وأجدر بالجيد والبديع والرصين من التعابير والأساليب . وكان من المفروض على المعاهد الدينية أن تقرر في برامجها تدريس فن الخطابة الدينية ، وتختار لها المواهب ، ولا تعهد بها إلى من تعوزهم هذه المواهب . ومعلوم أنه لا فرق بين مواهب الأدباء شعراء وكتاب وبين مواهب الخطباء .
وأما حصر العلم في السادة العلماء الأجلاء أعضاء المجلس العلمي الأعلى أو قصره عليهم باعتبارهم الأوصياء على خطة تسديد التبليغ فأمر مخالف للمنطق وواقع الحال لأن بلدنا ولله الحمد والمنة قد حباه الله تعالى بعلماء أجلاء بعضهم في مستواهم أو دونه وأعلى منهم مستوى ، ولهذا لا يمكن جعل العلم حكرا عليهم لمجرد وجودهم في ذلك المجلس على ما له من قيمة لا تنكر عند عموم المواطنين خصوصا وهو مجلس يشرف بإشراف أمير المؤمنين جلالة الملك عليه .
وأما المزايدة على منتقدي خطب التسديد من قبيل وصفهم بالخوارج أو المجرمين وهي نعوت قدحية تدل من جهة على تهمة خلع البيعة من الأعناق ، ومن جهة أخرى تدل على ارتكاب المحرمات والموبقات المنهي عنها شرعا وقانونا ،وليس النقد منها بحال من الأحوال إلا إذا انحرف عن هدف النصح إلى القذف أو السباب أو التعريض بالغير أو ما شابه ذلك مما يجرم شرعا وقانونا .
وليس من حق أحد في هذا الوطن المزايدة على غيره في لزوم البيعة و في محبة عاهل البلاد لأن المواطنين سواسية كأسنان المشط فيهما علماء وعامت وما بين هاذين الصنفين ، ولله در الشاعر المتنبي إذ يقول ردا على من زايدوا عليه في محبة الأمير سيف الدولة الحمداني :
(إن كان يجمعنا حب لغرته فليت أنّا بقدر الحب نقتسم)
وإذا كان من يحظى بالمنصب والرسم والجاه يدعي حب من أنعم عليه بذلك فلا يزايدن على غيره في حبه له دون رغبة في حظوة عنده ولربما فاق حبه وكان أصدق منه في ذلك.
وخلاصة القول أن الحكم على ذلك موكول إلى الله تعالى العالم والخبير بما تخفي الصدور
أما النقد الموجه إلى خطب خطة التسديد فمعظمه منصب على التنبيه إلى خطورة قتل موهبة الخطابة لدى الخطباء الذين تحولوا إلى مجرد ملقين لها نيابة عمن يحررونها، الشيء الذي سيترتب عنه مع مرور الزمن انقراض الخطباء بالمعنى الصحيح للكلمة في هذا البلد المشهور بجهابذة خطبائه عبر تاريخه الإسلامي الطويل، والذين كانت خطبهم تعد من عيون أدب الخطابة في العالم العربي والإسلامي .
ومما شمله النقد في خطب خطة التسديد انصرافها الكلي عن ملامسة الواقع المعيش وتجنب عرض ما في المجتمع من معضلات ومشاكل وآفات يجب التصدي لها ، واكتفاؤها بوعظ عام لا يحيل على شيء من ذلك ومن هموم الناس واقتراح حلول لها ،علما بأنه لا اعتراض على الشعار الذي ترفعه خطة التسديد والذي مفاده أن ترسيخ الإيمان في الناس يفضي بهم إلى صالح الأعمال خصوصا وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة تربط بينهما ربطا وثيقا .
ومن النقد أيضا اختزال مدة الخطب التي لا تكاد تتجاوز في أحسن الأحوال ربع الساعة أو ثلثها علما بأن وقت الخطب تحدده المواضيع والقضايا التي تعالجها ، وليس هذا الاختزال محمود على الإطلاق .
ومن النقد ضرورة عودة الوزارة إلى ما دأبت عليه اعتادته سابقا حين كانت تكتفي بإصدار مذكرات تحث فيها الخطباء على طرق مواضيع معينة وتترك لهم الحرية الكاملة في تناولها وإخراجها في أشكال وصيغ متنوعة ومتفاوتة الجودة ، ولعل من شأن العودة إلى اعتماد هذا الإجراء المعهود أن يساهم في بلورة مستويات الخطباء ، وأن يحملهم على بذل الجهد من أجل تجويد مستويات خطبهم ، والرقي بمستوى مواهبهم الخطابية .
هذا أغلب النقد الموجه إلى خطب خطة التسديد، فأين في هذا ما يجعل الصادر عنهم خوارج ومجرمين يا سيادة الوزير ؟؟؟
نتمنى أن يراجع السادة العلماء الأجلاء في المجلس العلمي الأعلى السيد الوزير أولا في قضية توحيد خطب الجمعة وهم أدرى من غيرهم بما سيترتب عنها مع مرور الزمن من إجهاز على الخطابة وقتل للمواهب ، وثانيا تقديم النصح له بالإقلاع عن استعمال النعوت القدحية من قبيل ما صدر عنه في حق من يمارسون النقد الهادف إلى النصح والإصلاح خصوصا وأنه على رأس وزارة الشأن الديني التي يلزم بالضرورة كل من ينتمي إليها أن يكون قدوة في القول السديد وفي لين الجانب والتواضع . ولعلكم أيها السادة الأفاضل أدرى من غيركم بنصح السيد الوزير بالطريقة التي ترونها مناسبة .





Aucun commentaire