Home»Débats»عندما تُعتَمد التفاهة سلاحا لتمييع المجتمع!

عندما تُعتَمد التفاهة سلاحا لتمييع المجتمع!

2
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

عندما تُعتَمد التفاهة سلاحا لتمييع المجتمع!

سوف لن أجانب الصواب إذا قلت بأن المجتمعات البشرية، بغض النظر عن كونها متقدمة أو متأخرة، لا تخلو من ظواهر إيجابية في مقابل أخرى سلبية، علما أن الإيجابي والسلبي مسألة نسبية يتم الاحتكام فيها إلى قيم وثوابت وثقافة كل أمة ومجتمع على حذة، ويبدو أنه كلما كانت الغلبة في مجتمع معين للمظاهر الإيجابية وساد الاحتكام إليها إلا وقل تأثير التافهين وانحسر حجمهم إلى الحد الذي لا يستطيعون معه الإجهار بترهاتهم، لكن عندما تَسُود المظاهر السلبية، وتعُم التفاهة مختلف الجوانب الحياتية، فإن السمة الغالبة والمميزة لحركة المجتمع  تنحصر في اللامعنى واللاجدوى، فالنقاش المجتمعي إن صح استعمال المصطلح في هذا السياق، يتحول إلى جدال عقيم يَغلب فيه توجيه الاتهامات والاتهامات المضادة  بين الأطراف بما يعيق بروز أي نقاش جاد وحقيقي بخصوص الجوانب الحيوية والمحورية التي من شأنها النهوض بالأمة وتبويئها المكانة  اللائقة بها بين الأمم المتقدمة إن على المستوى المادي أو على المستوى القيمي والأخلاقي.

الدافع وراء كتابة هذا السطور هو ردود الفعل الكثيرة المتعلقة بالحفل الذي ينوي الرابور الفرنسي إحياءه بالدار البيضاء في مستقبل الأيام، بحيث استأثر بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى طرح سؤال بشأنه على مستوى البرلمان، والسؤال الذي يَطرح نفسه هو، ما الهدف أو الأهداف المتوخاة من إقامة هذا الحفل؟ ولماذا جاء في هذا الوقت بالذات؟ وهل يكتسي أولوية فعيلة مقارنة مع باقي الإشكالات التي يعاني منها المغاربة إن على المستوى المادي أو المعنوي؟ …

للإجابة على هذه الأسئلة وما يشابهها وهي كثيرة، لا بد من تحديد المرجعية التي يُنظر من خلالها للموضوع. فإذا اعتبرنا أننا أمة مسلمة، وهو الأمر الذي ينص عليه الدستور بصريح العبارة، ويجَسِّده المغاربة في بعض عباداتهم الظاهرة كما هو الشأن بالنسبة لعمارة المساجد خلال شهر الصيام الغير بعيد عنا، فإن الأمر محسوم، إن على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي على الرغم من كل المحاولات الموبوءة التي يقوم بها أعداء الإسلام في الخارج وعملاؤهم في الداخل. فعلى المستوى الشعبي يتعين مقاطعة هذا النوع من التظاهرات وكل تلك التي على شاكلتها، أما على المستوى الرسمي، فعوض تبادل التهم بين المسؤولين إن على مستوى مختلف الوزارات التي لها علاقة  بالموضوع، أو على مستوى مدينة الدار البيضاء  المستهدفة من هذا الحفل، أو فيما بين مسؤولي المستويين، ومحاولة إيجاد تبريرات مُعظَمُها واهية، فالأوْلى عدم الترخيص لها بكل بساطة. ذلك أنه إذا كان رابور مغربي قد أحدث فيما سبق ضجة لا زال صداها لم يَنْمَحِ بعد، فماذا يُنتظر من رابور فرنسي ذو سوابق في التشهير بالمرأة المغربية ووصفِها بما لا يليق بها، سوى مزيد من  تعميق الهوة بين الشباب الأغرار وثقافتهم الأصيلة وانغماسهم في الرذيلة، ولعل السؤال البسيط الذي يتعين على كل واحد منا طرحه بخصوص هذا النوع من  التظاهرات وغيرها وإن اختلفت أو تَزيَّت بزي غير زي الغناء والمجون هو سؤال القيمة المضافة الذي أصبح يطرح بإلحاح حتى بالنسبة لبعض التظاهرات المسماة رياضية، خاصة عندما أصبحت تُزهق فيها الأرواح، وتُتلف فيها ممتلكات الغير العمومية والخاصة على حد سواء كما وقع أخيرا بنفس المدينة.

وجدير بالذكر أنه في مقابل التذبذب الذي يَسِمُ تصرف الجهات المسؤولة في الحسم في التظاهرات التي تخل بالأمن العام وبالخصوصيات الثقافية والعقدية للمجتمع المغربي، لا يمكن إلا أن نثمن تدخل رجال الدرك الذين قاموا بمداهمة الحفل الماجن الذي أقامه مجموعة من المثليين في نواحي الدار البيضاء، ولا شك أن هذا العمل يُحسب لصالح الحكومة كلها، علما أن ما يهم المواطن المغربي هو الحيلولة دون ما يسيء لشرف المغاربة وسمعتهم خاصة بعد الصدى الطيب الذي خلفوه أثناء وعقب مونديال قطر.

وحتى لا يُفهم من كلامي بأني أدعو إلى مقاطعة كل تبادل ثقافي مع الآخر لقول قائل بأن هذا النوع من الأنشطة يدخل في إطار التعدد والتبادل الثقافيين، فإني أأكد أن الثقافة التي يرنو إليها المغاربة هي الثقافة البناءة التي تربي الناشئة على القيم النبيلة وعلى تحمل المسؤولية في التعامل مع الآخر والالتزام في ممارسة الحرية بالحدود الشرعية، ومن هنا نتساءل عن طبيعة الثقافة التي تُرجى من وراء أمثال هذا الرابور خاصة وأن له سوابق في الطعن في عرض المغاربة.

في الأخير إن أخشى ما أخشاه هو أن يدخل هذا النوع من التظاهرات بمختلف تسمياتها فنية، ثقافية، رياضية…في إطار الحملة المسعورة التي ترعاها دوائر خارجية برعاية من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية باسم القيم الكونية، وبتنفيذ من  الجهات العميلة والجمعيات المحسوبة على المجتمع المدني بهدف إزاحة المغاربة عن هويتهم الثقافية والدينية من خلال محاربتهم في  لغتهم العربية ودينهم الإسلام، وذلك بإغراقهم في يم التفاهات، وتحويل أنظارهم عن المشاكل الحقيقة التي يتعين الانخراط بجد  في معالجتها حتى وإن اختلفت الزوايا التي يُنظر بها لكل مشكل على حذة بعيدا عن المشاكل الهامشية المفتعلة التي يهدف  مروِّجوها الذين عَلَوا في الأٍرض إلى تجريد المغاربة من عناصر المناعة التي تحول دون تقسيمهم إلى طوائف وشيع متناحرة يسهل استضعافها، شأنهم في ذلك  شأن فرعون الذي أذل بني إسرائيل كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك في الآية 3 من سورة القصص حيث يقول جل جلاله: « إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ».

أرجو أن يعي المغاربة الدرس حكاما ومحكومين، ويعمل كلٌّ من جانبه لمحاربة هذا النوع من التظاهرات، وذلك بمنعها من قبل المسؤولين، ومقاطعتها من قبل كل أفراد المجتمع، علما أن لا خير يُرجى منها إلا ما كان بتمييع المجتمع وضرب مقوماته العقدية والقيمية والتي بدونها لا يمكن أن تقوم لنا قائمة بين الأمم.

الحسن جرودي

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *