Home»Débats»التعايش بين الإسلام والعلمانية؟

التعايش بين الإسلام والعلمانية؟

1
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

التعايش بين الإسلام والعلمانية؟

الإجابة عن سؤال التعايش بين الإسلام والعلمانية، تمر بالضرورة عبر الإلمام بمرجعية كل منهما وبالأهداف التي تتوخاها كل مرجعية على حذة وبمدى أجرأتها في واقع الناس، مما يسمح بالتعرف على الدوافع التي تتحكم في مدى إمكانية أو عدم إمكانية تعايش المسلمين والعلمانيين.

بداية وبخصوص مرجعية كل من الإسلام والعلمانية، فلا يخفى على أحد أن الإسلام مرجعيته إلهية تَحْتَكِم إلى القرآن والسنة في سعيها إلى تجسيد الهدف الأساس الذي خُلق الإنس والجن من أجله والمتمثل في إفراد الله جل جلاله بالعبادة، حيث قال جل من قائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56)، فيما مرجعية العلمانية بَشَرِيَّة تحتكم إلى القوانين التي يصوغها البشر أنفسهم، وتُعَرِّف دائرة المعارف البريطانية العلمانية على أنها: « حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأُخروية. وتعني اصطلاحاً فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة، وعدم إجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية، ومن ثم فهي تهدف إلى تمكين المتدين وغير المتدين من الحق في التعبير عن معتقداته بكل حرية، مع ضمان حرية التدين من عدمه أو تغييره.

انطلاقا من تعريف العلمانية أعلاه، يبدو أن العلمانية قابلة للتعايش مع الإسلام الذي من خصائصه التعايش مع جميع البشر شريطة احترام حرية المسلمين في ممارسة عقيدتهم، وذلك من خلال نصوص واضحة من مثل قوله تعالى في بداية الآية 29 من سورة الكهف « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ » وقوله في بداية الآية 256 من البقرة « لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ». وإذا كان الله سبحانه وتعالى يصرح من خلال هذين النصين بعدم إرغام أي كان على الإيمان أو الكفر، فإنه  يضعهم  أمام مسؤولياتهم بخصوص الجزاء الأخروي الذي ينتظر أهل الكفر من جهة وأهل الإيمان من جهة ثانية، بحيث يأتي في تتمة الآية الأولى « إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا »  وفي تتمة الآية الثانية « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (256 البقرة).

وبما أن العلمانيون يُنكرون وجود الآخرة أصلا، فإن تتمة الآيتين السابقتين لا تهمهم في شيء بقدر ما تهم المؤمنين، أي أن علاقتهم مع الغير، مؤمنين وغير مؤمنين تنحصر في الحياة الدنيا كما جاء في التعريف أعلاه للعلمانية، وهو ما يُستنتج معه أنه لا يوجد مانع جوهري لتعايش المسلمين والعلمانيين على المستوى النظري، غير أن حصوله في الواقع المعيش يبقى  رهين بمدى التزام العلمانيين بالتعريف الأصلي للعلمانية، علما أن موقف الإسلام ثابت لا يتغير لأنه من عند خالق البشر. من أجل هذا سأعرِّج على تجربة المهاجرين المسلمين بصفة عامة والمغاربة خاصة في بلاد الغرب من الستينات إلى يومنا هذا، ثم تجربة اليساريين المغاربة الذين تحولوا مع الوقت إلى علمانيين.   

من خلال الشهادات التي سمعناها من بعض أقربائنا، ومن عدد من الناس الذين عايشوا مرحلة الهجرة الأولى إلى الدول الأوروبية، أنه كان هناك نوع من الالتزام « بمبادئ » العلمانية، ذلك أن العُمال المتمسكين بدينهم كانوا يحضون بنوع من الاحترام مقارنة بغير المتمسكين به، ولا شك أن الجانب البراغماتي المتمثل في اشتغال المهاجرين بالمهام الصعبة أو التي لا يقبل أبناء الغرب بمزاولتها  من جهة، واعتبار أن الممارسات الدينية لهؤلاء « المتخلفين » لن تستطيع التأثير في ثقافتهم « المتفوقة » من جهة ثانية، لا شك أن لهذين العاملين دور في هذا، ولعلنا نجد فيما هو حاصل الآن من تضييق على المسلمين ما يبرر ما سبق ولو جزئيا، ذلك أن الغرب استكمل أهم الأشغال الشاقة مع الجيل الأول وجزء من الجيل الثاني من اليد العاملة القادمة من البلدان « المتخلفة »، وأن الجيل الثالث والرابع أصبحوا يُعرِضون عن تلك الأشغال، بل أصبحوا ينافسونهم في الوظائف التي كانت حكرا عليهم، والأهم من هذا وذاك هو أن الإسلام أصبح يستقطب أبناءهم ويهدد ثقافتهم بالاندثار. انطلاقا من هذه المعطيات وأخرى يمكن التعرف عليها إذا علمنا أن المسيحية بمختلف مكوناتها لم تَدخُل الكنيسة كما كانوا يزعمون. ليس غريبا إذن أن يُحارِب الغرب وفرنسا على الخصوص كل مظاهر الإسلام بالإضافة إلى محاربة الهجرة التي لا ترغب فيها، وإلا فكيف يمكن أن نفسر رفض استقبال المهاجرين السوريين والأفارقة في الوقت تم الترحيب فيه بالمهاجرين الأوكرانيين مع العلم أنها لا تتورع في إغراء أدمغة هذه البلدان لاستغلالها.

يبدو إذن أن مظاهر عدم التعايش بين العلمانية والإسلام في الغرب لا يرجع إلى طبيعة الإسلام بقدر ما هو مرتبط بكيل الغرب بمكاييل متعددة، ضاربا عرض الحائط المبادئ التي تنبني عليها العلمانية نفسها دون أن يجد حرجا في ذلك.

إذا كان هذا هو حال التعايش بين الإسلام والعلمانية في الغرب، فماذا عنه بالنسبة للبلدان الإسلامية عامة والمغرب بصفة خاصة؟

جدير بالذكر أن الإسلام لقي في السنوات الأولى من الاستقلال هجمة شرسة من قبل اليسار الذي كان تابعا للاتحاد السوفياتي وأذنابه، معتمدا في ذلك على مقولات لم يكن أغلبهم يعرف مدلولها ولا السياق الذي قيلت فيه، من مثل مقولة  » الدين أفيون الشعوب » و »التحليل الملموس للواقع الملموس » ذلك أنه حتى أواخر السبعينات لم يكن لفصيل « الإسلاميين » بالجامعة حتى إمكانية افتتاح مداخلاتهم بكلمة بسم الله الرحيم، بل كانوا يوصفون بكل الصفات القدحية الممكنة أقلها صفة « الخوانجية ».

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانقلاب الكفة، انقسم اليساريون إلى طوائف وشيع وعلى رأسهم طائفة العلمانيين الذين بدلوا ما كانوا يعتبرونه مبادئ، من قبيل ديكتاتورية البروليتاريا بمبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان « الكونية » كما أقرتها الأمم المتحدة التي تتحكم فيها الولايات المتحدة التي كانت تُعتبر العدو الأول لأنها تمثل الإمبريالية في أقصى تجلياتها. وقد كان بإمكانهم انطلاقا من هذا التحول التعايش مع الإسلام والمسلمين على اعتبار أن الإسلام ليس ضد حقوق الإنسان وإنما هو أول من دعا إليها، وإذا كان لا بد من اعتماد مصطلح الحقوق الكونية فلا يمكن إطلاقه إلا على تلك التي أقرها الإسلام، وهذا يحصل بالتزامهم بالحد الأدنى من الموضوعية الذي يسمح لهم بإعادة النظر في مجموعة من المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الحرية، الذي تم ابتذاله بشكل رهيب، وإلا  فما معنى أن يُسمح بالإجهاض سوى قتل أنفس بريئة، وما معنى المثلية سوى التوجه نحو انقراض مفهوم الأسرة ومن ثم انقراض النوع البشري، وما معنى الرضائية سوى السقوط في مستنقع الخلافات الزوجية واختلاط الأنساب…وأنَّا لهم بهذه الموضوعية وهم مُسَخَّرون لغيرهم مقابل مكاسب مادية، وأخرى لا يعلمها إلا الله وأولي التدبير الخفي منهم، مما يضطرهم للاشتغال في المنطقة الرمادية، فلا هم مسلمون ولا هم علمانيون، والأدهى من هذا كله هو عملهم الدؤوب على ضرب الإسلام من الداخل مستغلين في ذلك الجهل المستشري في أوساط الشباب بخصوص الأسس الصحيحة للدين الإسلامي لتمرير خطابهم الممجوج الذي لا يتورع أصحابه عن لي أعناق الآيات والأحاديث لصالحهم. فإذا كان أقبح أنواع البشر الذين عرفهم صدر الإسلام هم المنافقون، فعلمانيو اليوم أكثر خطورة على الإسلام لكونهم محميين من الخارج تحت غطاء الدستور الذي رغم تنصيصه على أن الإسلام دين الدولة، ترك الباب مفتوحا أمامهم بتلك الفقرة المشؤومة التي تجعل « الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة » هذا من جهة، ولكونهم يتحكمون في المشهد الإعلامي من جهة ثانية.

ختاما أقول بأن المغرب بلد مستقل، دينه الرسمي والشعبي هو الإسلام، مما يعني أن الأغلبية للمسلمين، ومن ثم فمن باب الديموقراطية، ومن باب الحفاظ على وحدة المغرب إذا كان علمانيونا حريصين عليها، أن يتركوا الإسلام جانبا لأنهم غير معنيين به وبأحكامه إذا كانت لا تعجبهم، خاصة وأنه لم يبقى للمسلمين سوى مدونة الأحوال الشخصية فليتركوهم وشأنهم، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الأقليات التي لا تدين بالإسلام، ويبقى أمامهم المجال واسعا للعمل والإبداع في مختلف المجالات الحياتية التي يعيبون على المسلمين تخلفهم فيها.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Fred المسلم
    28/02/2023 at 18:26

    السلام عليكم
    نحن في بلد مسلم
    و الاسلام هو اصل كل شيء

    في فرنسا
    العلمانية على 80 فالمائة من اراضيها
    بحيث الاراضي التي كانت ألمانية لي 1905
    ليست علمانية.

    و للاسف
    لدينا بالدول الإسلامية عدة أفراد و مجموعات اجرامية
    تارة تتحدث عن العلمانية
    و تارة عن اشياء اخرى
    و كانها فوق القانون

    العلمانية هي التي ساعدت في تنصير افريقيا المسلمة
    و حتى في الدول المغاربية الى حد الآن في الخفاء
    كانت تسمى سابقا الدعوات التبشيرية

    و العلمانية سقط عليها حائط برلين في 1989
    بحيث ان كبار العلمانية
    ستالين
    و لينين
    و تشاوتيسكو
    قتلوا اكثر من 10 ملايين شخص حسب التاريخ
    و رموا بعلماء المسلمين في البحر
    بجزيرة القرم المسلمة
    و سلموها في 1920 الى اوكرانيا التي
    كانت تابعة للاتحاد السوفياتي

    في فرنسا
    كل من يتكلم علانية عن دينه
    و خاصة عن الاسلام
    يتابع بالمحاكم
    هناك قانون اسمه
    عدم احترام قيم الجمهورية

    دعونا من هذه التفاهات

    اي تعايش

    القضية هنا هي مسألة عدم احترام
    قيم دولة إسلامية
    لاشئ اخر

    شكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.