Home»Débats»الصيف ضيعت اللبن

الصيف ضيعت اللبن

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

الصيف ضيعت اللبن

يقول المثل العربي « الصيف ضيعت اللبن »، ويقابله المثل المغربي « ْخْطَاكْ الغَرْس في مارس » وهما مثالان يُضربان للرجل يضيع الفرصة بتركه الشيء وهو ممكن، ثم يطلبه وهو متعذِّر، وفي اعتقادي أن ليس منا من لم يفرَّط في  فرصة أو فرص متاحة في ظروف معينة بمعطيات محددة، حتى إذا تغيرت الظروف والمعطيات أصبح من غير الممكن استدراك الفرصة أو الفرص مع وجود بعض الاستثناءات، ولا شك أن مُمْتهِني السياسة عندنا أحزابا كانوا أو أفرادا يَصدُق عليهم المثالين بامتياز، ذلك أن جُلهم إن لم أقل كلهم أضاعوا فرصة الحكم التي أُتيحت لهم، وذلك  بسبب عدم وفائهم بالعهود التي قطعوها على أنفسهم أثناء الحملات الانتخابية، لكونهم لم يتمكنوا من تجسيد برامجهم التي تتميز بالإفراط في الوعود على الرغم من علمهم المسبق باستحالة تحقيقها بناء على التجارب السابقة، في الوقت الذي كان بالإمكان اعتماد برامج، حتى وإن كانت متواضعة، لكنها قابلة للتحقق ضمن الشروط والإكراهات التي يفرضها التجسيد العملي لها، والتي يُفترض أنهم على علم بها، مما يسمح بالاستغلال الأمثل للفرصة وكسب ثقة الشعب التي بدونها يتم تقويضها واستبعادها إلى أجل غير مسمى، لا لشيء سوى لعدم انسجام أقوالهم مع أفعالهم، وهوما قد يُعرِّضهم للمقت الذي وعد الله به القوَّالين غير الفعَّالين، مصداقا لقوله تعالى في الآيتين 2 و3 من سورة الصف: » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ » والغريب في الأمر هو استعادة بعض هذه الأحزاب الفرصة مرة أخرى بعد استبعادها من دائرة الحكم، على الرغم من تكرارها لنفس الأسطوانة التي اعتمدتها للظفر بالفرصة الأولى. ومن المحتمل أن يكون هذا التصرف من بين الحوافز التي دفعت بحزب من أحزاب المعارضة الذي كان إلى عهد قريب مكلفا بتسيير دواليب السلطة إلى إعادة الكَرَّة لاستعادة الفرصة مرة أخرى، وذلك  باللعب على ورقة الالتزام بالمبادئ وثوابت الأمة، ذلك أن مجموعته الانتخابية قامت بالتصويت مؤخرا ضد اتفاقيتان تَهُمَّان، على التوالي، مشروع قانون يوافق بموجبه على الاتفاق بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وإسرائيل الموقع بالرباط في 21 فبراير 2022، ومشروع قانون يوافق بموجبه على الاتفاق بشأن الخدمات الجوية بين المغرب وإسرائيل الموقع بالرباط في 11 غشت 2021، مع الإشارة إلى أن المصادقة على الاتفاقيتين تمت بأغلبية 167 نائبا مقابل معارضة 15 نائبا.

 ودون الدخول في التنبؤ بصواب الاتفاقيتين أو خطئهما من الناحية الاستراتيجية بسبب عدم الاختصاص، فإن المثير للاستغراب هو موقف هذا الحزب الذي أُتيحت له فرصة الحكم على طبق من ذهب ما كان ليحلم بها لولا تلك الظروف الاستثنائية التي صادفت تعطش المغاربة إلى من يحافظ لهم على هويتهم الدينية والثقافية قبل االرخاء المادي، لتأتي بعد ذلك ظروفا مغايرة كانت بمثابة الامتحان الذي حصل فيه على النقطة الموجبة للسقوط ، وهو الأمر الذي استلزم إضاعة الفرصة بالضرورة، وربما الإهانة إذا اعتمدنا مقولة « عند الامتحان يعز المرء أو يهان »، ذلك أنه في الوقت الذي كانت لديه الأغلبية، وكان بإمكانه على سبيل المثال لا الحصر أن يَحُول دون تمرير مشروع فرنسة التعليم، ودون تمرير قانون القنب الهندي، امتنع عن التصويت، في نفس الوقت الذي وقع فيه وزيره الأول على اتفاقية تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، ثم يأتي اليوم ليضحك على الذقون ويقول بأنه ضد المصادقة على اتفاقيات مع إسرائيل، وهو يعلم علم اليقين أن تصويته بنعم أو بلا لا يغير من الواقع قيد أنملة. وإذا كان لا بد من قراءةٍ لهذا الموقف، فمفادها هو عدم التعويل على هذا الحزب بالذات في اتخاذ القرارات الحاسمة عندما يتعلق الأمر بالجد. ولقد كان من الأجدر به أن يمتنع عن التصويت، لو كان يولي أدنى احترام لأولئك الذين لا زالوا يعيرونه شيئا من المصداقية، لكن كيف لمن ضيع فرصة الغرس في وقته أن يستعيد الفرصة، وهو لا يتوفر لا على الشتلات المراد غرسها ولا على التربة الخصبة الملائمة لاستنبات أي نوع من أنواع الزراعة السياسية التي يمكن أن تُثمر منتوجا ذو مردودية تُعيد له الثقة لدى الشعب الذي بدونه لا يمكن إعادة زراعة أي بذور سياسية، خاصة تلك التي أبان محصولها عن عدم قدرته على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الوفاء بالحد الأدنى من الوعود الانتخابية.   

إذا كان ديدن كل الأحزاب السياسية عندنا، وعلى رأسها الحزب المومَئ إليه أعلاه، هو إضاعة الفرص التي أتيحت لها من أجل النهوض بالبلاد والعباد، لكونها تقول ما لا تفعل، بل وتفعل عكس ما تقول، فإنه من الصعب استعادة ثقة الشعب فيها، مما يجعل استعادة الفرصة من جديد بشبه المستحيلة، خاصة وأن التحديات زادت من حيث طبيعتها ومن حيث حدتها وقوتها، ذلك أنه إذا كان التحكم في تحديات الأمس ممكنا بشي من الثبات على المبدأ وقليل من الذكاء والحنكة السياسية، فإن التحكم في التحديات المتنامية يوما بعد يوم أصبح من الصعب بمكان، وأقل ما يتطلبه هو التغيير الجذري في المقاربة المنهجية لاستعادة الفرصة وفي مواجهة التحديات قبل التفكير في أي حل من الحلول.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *