وزير العدل بين القيم الوطنية والقيم الكونية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي

وزير العدل بين القيم الوطنية والقيم الكونية
إن مما يلاحظه المتتبع للشأن المغربي، وجود فريقين أساسين في التدافع، أحدهما يُعبِّر عن أغلبية الشعب، لكنه يفتقر إلى وسائل التعبير الفعَّالة، والآخر يعبر عن أقلية، لكنه يمتلك الإمكانات المادية، وربما حتى السياسية لنشر أفكاره والاستماتة في استنباتها في المجتمع وذلك بالدفاع الصريح عن العلمانية أو تحت غطاء القيم الكونية، مستغلا في ذلك سيطرته على جل منابر الإعلام الرسمي وعدد كبير من المنابر الخاصة. ورغم عدم التوازن الفظيع في وسائل التعبير لدى الفريقين، فإنه كلما تم استفزازه بدَت أهمية الفريق الأول جَلِيَّة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من بساطتها وعدم مهنية محترفيها التي تَهُبُّ ومعها جمهور غفير لمساندته، والأدلة على ذلك كثيرة، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر، الاستنكار الكبير الذي رافق كلا من مهرجان « موازين » ومهرجان « تذوق الخمور » الذي كان سينعقد ببوسكورة، ومهرجان « الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية »، ومهرجاني « البولفار ووي كازابلانكا »… مما يدل على أن الشعب المغربي، رغم كل النواقص التي تعتريه، والتي يجتهد الفريق الثاني في الركوب عليها ليجعلها قاعدةً لتعميم الفاحشة بكل مكوناتها، لا زال على فطرته، ويرفض كل ما يمس بقيمه الإسلامية والثقافية. ولا شك أن العريضة التي أطلقها مجموعة من المثقفين والفاعلين المدنيين والمسؤولين الإعلاميين تحت عنوان « توقفوا عن تحويل التفاهات إلى قدوة ونجوم » جاءت في وقتها للوقوف ضد التفاهة وانعدام الأخلاق بمفهومه الشرعي ليكون بذلك عضدا للفريق الثاني.
ومما لا شك فيه أن التدافع بين الناس سُنَّة من سنن الله، مصداقا لقوله تعالى في الآيتين 117 و 118 من سورة هود: « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » إذًا فلا غَرْوَ في وجود هذا النوع من التدافع، لولا الانحياز المكشوف للجهات المسؤولة للفريق الأول دون الثاني، مع استثناء بعض الحيثيات التي تُستغل للمراوغة ومحاولة اكتساب بعض المصداقية لدى بعض السذج من المنتمين لهذا الأخير لا غير، وإلا فكيف يمكن أن نفهم إعفاء وزير الأوقاف لمجموعة من الخطباء، لا لأنهم اعتلوا المنبر وهم مخمورون، أو لأنهم تجرؤوا على ثابت من ثوابت الأمة، بل لمجرد أنهم قاموا بقراءة وتقييم بعض الأحداث من خلال عرضها على آيات قرآنية صريحة وأحاديث نبوية صحية المتن والسند، وكيف نقرأ تَنَصُّل وزير الشباب من مسؤوليته على ما وَقع في مهرجاني الرباط والدار البيضاء، والأدهى من ذلك والعَصِيُّ على الاستيعاب هي الحَمِيَّة التي أظهرها وزير العدل إزاء صاحبه، لا ليحاول جبر الضرر ويطلب منه الاعتذار بطريقة من الطرق، والوعد بعدم تكرار هذه الممارسات، كما جاء ذلك على لسان وزير الاتصال، بل تمادى في غيه مُصرحا بأنه من خلال هذا العمل اللاأخلاقي « يُلبِّي (أي وزير الثقافة) رغبة الشباب »، الذين لو قام باستقراء آرائهم (حتى أولائك الذي وصفهم بأنهم نشطوا خلال المهرجان) لَتَبَرأوا منه. والذي لا يمكن أن يتصوره أي عاقل هو التأصيل لكل ما هو بذيء وغير أخلاقي، بتصريحه فيما معناه بأن للفنان الحصانة الكاملة لفعل أو قول أي شيء. والسؤال المطروح هو من أين استمد السيد الوزير كل هذه القوة حتى يتجرأ على دين الدولة وقانونها معا، وهو الذي يُفترض فيه أن يقف بالمرصاد لكل من تُسول له نفسه تَخَطي الحدود التي رسمها الدين الإسلامي والقانون على الرغم من مرجعيته العلمانية في جل مقتضياته.
فإذا كان الشرع يحرم الخمر وكل الموبقات، والقانون لا يرخص لبيعها أصلا إلا لغير المسلمين، ويعاقب على الشرب العلني لها، فكيف وهذا البذيء الذي لا يكتفي بشربها، بل يلوح بها أمام جمهور عريض، ويدعو إلى تناول المخدرات و…يُترك حرا طليقا، والأدهى هو أن كلام الوزير تضمن إيحاءات بأن هذا النوع من المهرجانات سيستمر ما دام أنْ لا قيد ولا شرط على كل من نُعِت بصفة فنان والفَنُّ منه براء.
أيُفْهَم من هذا أن هناك ضغوط خارجية، خاصة ونحن نعلم أن الأمم المتحدة أصبحت راعية لكل مظاهر الانحلال الخلقي، من مثلية وإجهاض ورضائية…حتى انتفى معها مبدأ الحرية المطلقة المؤسِّسَة لها، ليحل محلها « مبدأ إجبارية » القبول ببعض الممارسات، قبل أن يتم تعميمه. ويُعتبر التحقيق الذي تَعرض له اللاعب الدولي السنغالي إدريسا جاي على سبيل المثال إثر رفضه خوض مباراة فَريقِه في إحدى جولات مسابقة الدوري الفرنسي المخصصة لدعم المثليين، بقميص يحمل ألوان دعم الشذوذ الجنسي، خيرُ دليل على حلول الإجبارية محل الحرية التي أريد لها أن تسير في منحى واحد. والمفارقة الغريبة في هذه النازلة هو عرض اللاعب المذكور على المجلس الوطني للأخلاقيات. أعتقد أن هذا مؤشر على وجود هذه الضغوط وإلا فكيف نفسر ورود الفقرة الأخيرة من تصدير الدستور التي تقول بالحرف: « جَعْلُ الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. » وهنا نطلب من السيد وزير العدل، ولعه الشخص المؤهل لذلك أن يفسر لنا كيف يمكن أن نوفق بين هذه الفقرة والفقرة الثانية من التصدير حيث ورد فيها: « المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبويء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها… ». أنحن دولة إسلامية ذات سيادة كاملة ومن ثم وجب عليه من باب الديموقراطية التي أوصلته إلى الحكم أن يتماهى مع القضايا الحيوية للشعب المغربي المسلم الذي يمثل الأغلبية، أم أننا مُجْبَرون على تنزيل كل ما تدعو إليه تلك الأقليات والجمعيات المنخرطة في هذا المشروع الرهيب الذي تحظى بعض بنوده بمساندتكم ومساندة بعض الوزراء والذي لو قُدِّر له أن ينجح لما قامت لنا قائمة.
وأمام هذا الإشكال أَزعُم أن السيد وزير العدل وبعض الوزراء الذين يتصدرون الواجهة، يوجدون في وضعية لا يحسدون عليها، ومع ذلك فلا بد من اعتماد الشفافية الكاملة لتوضيح موقفهم والخروج من الدائرة الرمادية، مع العلم أن وزراء سابقين لجأوا إليها قبل أن يلفظهم الشعب، ليعودوا للتودد له برفع شعارات لا قيمة لها خارج دائرة السلطة، وابتداع تبريرات لا حاجة للشعب بها، وخير ما يقال للسيد الوزير وأمثاله من الوزراء إن هم ساروا على نفس النهج « الصيف ضيعت اللبن »
الحسن جرودي





Aucun commentaire