رب ضارة نافعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
رب ضارة نافعة
وأنا أتصفح الجرائد الإلكترونية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي للتعرف على المستجدات، أثار انتباهي مقال في إحدى الجرائد الإلكترونية تحت عنوان « الجمهور البيضاوي يخذل حاتم عمور بعد أحداث البولفار » حيث ورد فيه أنه تعرض لخيبة أمل كبيرة بعد تَوافُد عدد قليل من الجماهير لسهرته الفنية المنظمة على هامش فعاليات مهرجان « وي كازابالنكا »، وذلك رغم التعزيزات الأمنية التي كانت مكثفة لحماية الجمهور، ليصرح « بأن هناك علامة استفهام وأمورا غير مفهومة يجب البحث فيها“.
في البداية لا بد من ملاحظةٍ قد لا يُلقى لها بال، في الوقت الذي تُعتبر فيه مؤشرا قويا على طبيعة وأهداف هذه المهرجانات، ويتعلق الأمر بالتسميات التي أعطيت لها، فعندما نسمي أحدها ب »البولفار » والثاني ب »وي كازابالنكا »، وتقبل وزارة المسؤولة بذلك، فالأمر يدعو إلى الاستغراب بل وإلى الاستهجان، لكون الدستور ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية، وقد يقول قائل بأن الحروف التي كُتب بها الاسمان عربية، وهذا صحيح لكن المصيبة أكبر، لأن الامر لا يتعلق باستبدال العربية بلغة أجنبية فقط، وهو أمر يمكن القبول به في سياق معين، بل يتجاوزه إلى نوع من الاحتقار والاستهزاء باللغة العربية، وكأنها عجزت عن التعبير عن أشياء من الواقع اليومي في بلد يُنعت بالعربي. اللهم إلا إذا تم استدماج هذه « الكلمات » ضمن القاموس العربي دون علم فقهاء اللغة.
بعد هذه الملاحظة أعود إلى تصريح « الفنان » وأقول بأني أتفق معه حين صرح بأن هناك « علامة استفهام يجب البحث فيها ». لكن قبل إجراء البحث بمفهومه العلمي الذي يجب أن يضطلع به أهل الاختصاص، يمكن له ولنا جميعا أن نقوم بقراءة بسيطة لما وقع، في إطار حد أدنى من الموضوعية، ذلك أنه إذا قاس قلة الجمهور الذي حضر لسهرته، مقارنة مع الذي حضر لسابقه في مهرجان البولفار، فليعلم أن الجمهور حضر بكثرة لهذا الأخير، لأنه كان يعتقد أن سيستمتع بفن أصيل يعبر صاحبه عن معاناة الناس بكلام متخلق وأنيق على الرغم من عدم أصالة أسلوبه في الغناء، ولكن خذلانه لهم واحتقارهم من خلال الكلمات النابية والممارسات اللاأخلاقية التي تَعمَّدها جعلتهُم يحتجُّون ويتسببون في الفوضى العارمة التي لاحظها القاصي والداني. ومن هنا يمكن أن نستخلص الدروس التالية:
- على الفنان حاتم عمور أن يعرف أنه كما يقول المثل المغربي » اللِّي قَرْصُو لَحْنَشْ إِيخَافْ من الشريط »، ومن ثم فلا يمكن لجمهور متذمر من ممارسات لاأخلاقية لا زالت حية في ذهنه، أن يُعيد نفس التجربة المُرة، خاصة إذا علم أنك تشترك مع طوطو في ممارسات لا أجزم بها، على الرغم من أن بعضا من فيديوهاتك تبين أنها تسير في نفس الاتجاه، ولا تخدم البتة الثقافة الأصيلة التي تُنمّي قيم الصدق والثقة عوض النفاق وعدم الثقة، حيث ورد في أحد أغانيك أن كل من يتعامل معك فلأجل المصلحة وقضاء الحاجة ،مما يُفهم منه وجوب الاحتياط من القريب والبعيد وعدم الثقة في أي كان.
- إن مثل ما وقع في مهرجان « البولفار » لا يخدم الثقافة المغربية الأصيلة لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس من ذلك يُعطي لها صورة مشوَّهة، خاصة إذا علمنا أن انعكاساته لا تنحصر على المستوى المحلي فحسب، بل تتجاوزه وتتعداه إلى العالم كله، باعتبار الدور الخطير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمثل هذه الوقائع، ومن ثم فعلى وزارة الثقافة استخلاص الدرس، وتعمل على تحسين صورة ثقافتنا، من خلال استعمال اللغة العربية لتسمية هذه المهرجانات كأبسط إجراء، والعمل على إبراز المواهب الجادة، وهي كثيرة إذا تم البحث عنها وتشجيعها، وهذا مبدأ عام حيث حتى في كرة القدم على سيبل المثال لا الحصر يتم البحث عن العناصر الكفؤة والجادة لتمثيل المنتخبات الوطنية.
- حتى لا يُباغَت الجمهور على غرار ما وقع له في البولفار، عليه ألا يحضر لمن هب ودب، فقط لأن المهرجان مجاني، وإنما عليه أن يُحدد لنفسه شروطا لحضور أي تظاهرة ثقافية كيفما كانت، لكون حضوره في حد ذاته نوع من الترويج للثقافة التي تتبناها التظاهرة، لذلك فحضوره لمهرجانات من نوع البولفار يُقر بمسؤوليته في المساهمة في التطبيع مع الفاحشة وإشاعتها، حتى إذا اقتحمت عليه بيته لا يلومن إلا نفسه، هذا مع العلم أن الوقت الذي أضاعه في التفاهة كان من الممكن أن يستغله فيما هو أهم، لنقل على سبيل المثال الاستمتاع بجلسة عائلية داخل البيت أو خارجه أو زيارة قريب أو عيادة مريض…
إذا كان مهرجان « البولفار » قد أثار غضب الجمهور، ومهرجان « وي كازابلانكا » قد أثار غضب « فنان »، فإني أعتقد أن على كل من له علاقة بالموضوع، وأظن أن كل المغاربة معنيين بصفة أو بأخرى، أن يستخلص الدرس الذي يناسبه للرقي بالمهرجانات والتظاهرات الفنية إلى المستوى الذي نرفع معه رؤوسنا أمام الأمم، فلا الوزارة المعنية تسمح لمن هب ودب للصعود للمنصات، ولا الفنانون يلجأون إلى الساقط والمائع من الفن، ولا الجمهور يحضر لمن هب ودب خاصة إذا علم أن الهدف هو تمييع المجتمع وعزله عن قيمه الأصيلة.
في الأخير، وفي حالة استخلاص هذه العضات بشكل عملي، أو على الأقل إعادة التفكير في الأدوار التي يتعين على التظاهرات الثقافية والمهرجانات أن تلعبها، فيمكن أن أصف ما وقع بأنه قد جاء بمنفعة رغم ضرره الأكيد طبقا للمقولة الشائعة » رب ضارة نافعة » ومصداقا لقوله تعالى « وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire