الحرة لا تأكل بثديها يا سيادة الوزير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
الحرة لا تأكل بثديها يا سيادة الوزير
يقول المثل العربي « تجوع الحرة ولا تأكل بثديها » ومغزاه هو أن المرأة الفاضلة الشريفة لا ترتضي رَخاء العيش والثروة من وراء تسخير جسدها سواء بالحلال أو الحرام.
في مقال سابق تحت عنوان « إشاعة الفاحشة بين تلميح وزيرٍ وتصريح رئيسِ جمعيةٍ » تناولتُ من بين ما تناولت، التعقيب على وزير الثقافة الذي صرح من بين ما صرح به أن « ما يُنجز اليوم هو استثمار، بمفهومه الاقتصادي والاجتماعي » وقلت بالحرف بأنه « لا يمكن لأي عاقل أن يخالف السيد الوزير في ضرورة خلق صناعة ثقافية بمثابة استثمار بمفهومه الاقتصادي، غير أن الاختلاف معه سيظهر لا محالة مع الإفصاح عن طبيعة الثقافة التي يُراد الترويج لها، وكذا طبيعة المهرجانات والأحداث الثقافية ».
وما كِدت أنتهي من إرسال المقال للنشر عبر منصة « وجدة سيتي » حتى اطلعت بالصدفة على مجموعة من الفيديوهات المتعلقة ب »مهرجان الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية و »مهرجان « البولفار « بالدار البيضاء، والتي تُبيِّن بالملموس عبثية هذا النوع من التظاهرات « الثقافية » التي إن كان لها هدف، فلا يمكن أن يخرج عن إطار تمييع الشباب والمجتمع من خلال التطبيع مع ممارسات لا أخلاقية لا تمت إلى قيم المجتمع المغربي بأية صلة، ذلك أنه إذا كان الشغب والعنف اللذين طبعا مهرجان البولفار بالخصوص، من المظاهر التي أَلِفْناها في المقابلات الرياضية، فإن غير المألوف والذي لا يمكن أن يُصبح معتادا بأي حال من الأحوال، هو ذلك الكلام النابي الذي تَلَفَّظ به بدون حياء، ذلك الذي أُطلق عليه اسم فنان وما هو بفنان، بالإضافة إلى دعوته الصريحة لتناول المخدرات والتطبيع مع كل ما يستتبعه الغرق في وحل هذه الآفة، خاصة بالنسبة للشباب الأغرار الذين يتخذون منه قدوة في غفلة من أمرهم.
والسؤال المطروح هو لماذا هذا التطاول على قيم الشعب المغربي وما الدافع من ورائه؟ وهو يعلم جيدا أنها غير مقبولة في مجتمع لا زال متشبثا بهذه القيم ولو في حدودها الدنيا. ولا شك أن جزءا من الإجابة يكمن في اغتراره بأعداد الجماهير التي حضرت له، ولكن الجزء الأهم منها هو كونه مرشح لجائزة « البيلبورد » الامريكية الخاصة بأفضل فنان بشمال إفريقيا. ولهذا الترشيح قراءات متعددة لا أريد الخوض فيها في هذا المقال، أقلها انخراطه في الدعوة لما يسمى بالقيم الكونية من مثلية ورضائية وما إلى ذلك.
وإذا كان من الممكن أن نفهم اغترار طوطو بعامل الجمهور لكونه من رُعاع القوم ومن الجهلة الذين يتم تسخيرهم لخدمة أجندة القيم الكونية مقابل شهرة مزورة، فإن الفهم يبدو عصيا عندما يتعلق الأمر بوزير الثقافة الذي اعتبر أن « الحضور الجماهيري الكبير يُبين مكانة الثقافة في قلوب المغاربة، واهتمامهم بها »، ولا شك أن هذا التصريح لا يخلو من الصحة، إلا أن السؤال يُطرح بخصوص طبيعة الثقافة التي يَهتم بها المغاربة والتي لها مكانة في قلوبهم. وسوف لن أحيد عن الصواب إذا قلت بأن الحضور الكبير كان يتشوف إلى ثقافة غير تلك أتى بها طوطو وجماعته، ولا أدل على ذلك الاستنكار الكبير الذي عم جل مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحتى الأحداث التي وقعت بمهرجان البولفار، أرجعها البعض إلى احتجاج الجمهور على هذا المسمى « فنان ». وأنا أتحدى السيد الوزير بأن يقوم بدراسة استقصاء لآراء المغاربة بخصوص الثقافة التي يتشوقون إليها، حتى يتأكد بأنها لا تمت بصلة لتلك التي يراد الترويج لها، وعليه، ولكونه مسؤولا عن الرقي بالعمل الثقافي إلى المستوى الذي يجعلنا نتصدر مقعدنا بين الأمم الراقية، فإن المطلوب منه ليس الافتخار بعدد الحاضرين، وإنما القيام بالبحث في الأسباب التي أدت إلى هذه الانحرافات في تصرف « الفنانين » والجمهور على حد سواء، والخروج ببرنامج واضح المعالم لمعالجة كل الظواهر السلبية وكذا تحديد الشروط التي يتعين الالتزام بها من قبل كل من يُعهد إليه بالصعود إلى منصة تنشيط أي تظاهرة ثقافية مهما تنوعت.
جانب آخر يتعين عدم القفز عليه، هو التساؤل عن القيمة المضافة للمهرجان من جانبه الاقتصادي المحض دون أخذ « الحساسيات المجتمعية والدينية » بعين الاعتبار كما صرح بذلك رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، عندما طالب ببناء مصانع للماحيا بهدف مساهمتها في الاقتصاد. فإذا كان الولوج إلى المهرجان حسب علمي مجانيا فمن أين جيء بالأموال الباهظة التي صُرفت على طوطو وأمثاله سوى أنها أُخذت من أموال الشعب، فأي مساهمة هذه في الاقتصاد خاصة إذا تم احتساب الأضرار التي لحقت بمجموعة من الأشخاص وممتلكاتهم، بالإضافة إلى المتاعب المجانية التي أُحدثت لرجال الشرطة والوقاية المدنية وموظفي المستعجلات، مع العلم أن كل هذا يقع والوزير الأول قد وقَّع مرسوما خاصا بالتقشف كما صرح بذلك السيد الناطق الرسمي بالحكومة في تعقيبه على أحداث مهرجان البولفار.
وإذا كان السيد الناطق الرسمي قد أورد في نفس التعقيب على أن هذا النوع من التصرف سوف لن يتكرر، فإننا نتساءل عن الإجراءات المتخذة من أجل ذلك؟ وعلى الرغم من أنني لست رجل قانون ولكني أعلم بوجود ما يسمى بجنحة « الإهانة » في حق شخص أو هيئة أو إدارة، مما يدفعني للتساؤل عما إذا كان سلوك هذا المتهتك يبقى في إطار الجنحة، أم أنه يرقى إلى مستوى « الجناية » لكونه لم يُهن فردا أو جماعة فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى كل المغاربة بإهانة قيمهم. لذا فالمطلوب تطبيق أحد القانونين، إما القانون الوضعي وذلك بضرب العقوبة المترتبة على إهانة شخص واحد في عدد المغاربة الذين تمت إهانتهم، وإما القانون الإِلَاهي المتمثل في القصاص الذي يمكن أن يُدرج ضمن قوله تعالى: « الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ » حيث ورد في تفسير السعدي أنه من باب عطف العام على الخاص فإنه يُدرج في الحرمات كل ما أمر الشرع باحترامه، ولعل المجلس العلمي الأعلى هو المخول للحكم في الواقعة إذا طُلب منه ذلك. وأما مطالبة البعض باعتذار الوزير للشعب المغربي فهذا غير كاف ولا يمكن أن يجبر الضرر بأي حال من الأحوال، وإنما المطلوب هو إرغامه على إرجاع كل الأموال التي صُرفت له بغير وجه حق ومَنعِه من المشاركة بل وحضور أي نشاط ثقافي مهما كان نوعه كحد أدنى، وذلك قبل أن يُطبق عليه الشرع أو القانون أو هما معا.
في الختام أُأَكد بأن لا فائدة تُرجى من هذا النوع من المهرجانات على جميع المستويات، والواقع أكبر شاهد على ذلك، ومع ذلك أقول للسيد الوزير، حتى إذا افترضنا جدلا بأن هناك مساهمة في الاقتصاد، وهو أمر يصعب استيعابه، فإن المغاربة كلهم، باستثناء تلك المجموعة التي رضيت بهذا النوع من الممارسات، والتي تقع عليك مسؤولية معالجتهم لأنهم مرضى، يقولون لك « نجوع ولا نأكل بثدي الحرة التي هي قيمنا وثقافتنا الأصيلة » قياسا على المثل القائل « تجوح الحرة ولا تأكل بثديها » لأن قيمة الأمم من قيمة أخلاقها كما قال الشاعر أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا..
الحسن جرودي
Aucun commentaire