Home»Débats»إشاعة الفاحشة بين تلميح وزيرٍ وتصريح رئيسِ جمعيةٍ

إشاعة الفاحشة بين تلميح وزيرٍ وتصريح رئيسِ جمعيةٍ

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

إشاعة الفاحشة بين تلميح وزيرٍ وتصريح رئيسِ جمعيةٍ

يقول المثل الشعبي « عيش نهار تسمع أخبار ». ما كان لأحد أن يتوقع أنه في يوم من الأيام، سيتم الجهر بالمعصية والتنظير لها بالشكل الذي يُلاحظ على أعمدة مجموعة من الجرائد. وفي هذا الصدد أثار انتباهي مقالان وَرَدَا في جريدة إلكترونية كثيرة الانتشار، أحدهما يتعلق بواقعة المواد الكحولية التي وُصفت بأنها « فاسدة » وما نتج عنها من وفيات بمدينة القصر الكبير، وموقف الجمعية المغربية لحماية المستهلك منها، والثاني بتصريحات وزير الثقافة والشباب والتواصل بخصوص عودة المهرجانات والأحداث الثقافية بعد عامين من التوقف بسبب الجائحة.

ففيما يتعلق بموقف الجمعية المغربية لحماية المستهلك، يبدو أن لديها خلل في مفهوم حماية المستهلك، فَعِوَض أن تُوَجِّهَه إلى الإعراض عن استهلاك كل ما يضر بالصحة، إن لم أقل بالكليات الخمس، وتعملَ كل ما في وسعها في إطار القانون المعمول به على علاته لمنع تداولها، نجدها تدافع عن جودة الخمور، ولِمَ لا جودة المخدرات بمختلف أنواعها، لكون عدد من الناس ماتوا بسبب استهلاكهم لخمور مغشوشة « لم يتم التبليغ عليها بفعل الحساسية التي ترافق تناول الكحول في المجتمع المغربي » كما جاء على لسان رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك، مؤكدًا أنه « يجب حماية مستهلكي الخمور، لأن مداخيل هذا المنتج ضخمة بالنسبة إلى الميزانية العامة للدولة، ومن ثم يتعين تمكين المستهلك من حقه في اختيار المنتج الكحولي الذي يناسبه، مع ضرورة مراقبة كل المنتجات المتداولة، من خلال إعادة مصالح زجر الغش إلى الاشتغال في الميادين، بغرض مراقبة كل المواد المتداولة في الأسواق ». وبما أن الأمر يتعلق بصناعة محلية غير مرخص لها فإنه فيما يشبه المثل القائل « الفيل خصو فيلا » يدعو الدولة إلى الاستثمار في « الماحيا » من خلال إنشاء معامل متخصصة في صناعتها لرفع موارد الدولة، والاتجاه نحو تصديرها إلى الخارج، ليتابع بالقول بأن « القانون ينطبق على الجميع دون استثناء، ما يتطلب إبعاد الحساسيات المجتمعية والدينية عن المواضيع التي تهم المستهلك المغربي »، ويختم بالتأكيد على ضرورة زيادة المراقبة القانونية على المواد المهربة لكون صحة المستهلك هي الأساس.

أبدأُ من حيث انتهى السيد رئيس الجمعية باعتباره صحة المستهلك هي الأساس، وأقول هل توجد خمور ومخدرات لا تضر بصحة المستهلك؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا نقول لكل أطباء العالم الذين أقرُّوا بحتمية خطورتها على الصحة، ناهيك عن كل الفساد الأخلاقي والمادي الذي يستتبع استهلاكها، والذي لا شك يدخل في أسباب تحريم الدين الإسلامي لها، فأي صحة هذه التي تتكلم عنها جمعية تدَّعي حماية المستهلك؟

إن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء خارق ولا إلى كثير عناء، ليُفهم أن الجمعية بموقفها هذا، انخرطت مع غيرها من الجمعيات التي لا حاجة لذكرها في مسلسل هدم قيم المجتمع المغربي المستمدة من الشريعة الإسلامية، إذ كيف يُعقل أن تُطالِب الدولةَ ببناء مصانع « للماحيا » فقط لأن مجموعة من المتهورين أو لنقل الذين لا تسمح إمكاناتهم المادية باقتناء الخمور ذات « الجودة العالية » استهلكوا فيما يشبه عملية انتحار « منتوجا مغشوشا » حسب تعبير رئيس الجمعية. وهنا أقول لرئيس الجمعية أنه إذا كانت الخمور « غير المغشوشة » لا تضر بصحة المستهلك، فيبدو أن الحل يكمن في المطالبة بتخفيض ثمنها ما دامت صحة المستهلك هي الأساس، أم أن الأمر غير ذلك، حيث بحجة الدفاع عن مداخيل ميزانية الدولة، يتم الدفاع عن مصالح لوبيات هذا النوع من الصناعات، ذلك أنه من المعلوم أن هذه المداخيل لا تمثل شيئا مقارنة بالأضرار التي تُلحِقُها بالمجتمع على جميع المستويات. شيء آخر هو كيف يتم التجرؤ على التقدم بمثل هذا الطلب والقانون المغربي يجرِّم بيع الخمور لغير المسلمين؟ وبما أن غير المسلمين أقلية، فقد كان على رئيس الجمعية في إطار « احترام الأقليات » أن يُطالب بمعاملتهم على غرار ما تُعامل به الأقليات المسلمة في بلاد غير المسلمين، أو على الأقل الاقتصار على أماكن معدودة تكون هُوية روادها معروفة وذلك دون الإخلال بقيم وآداب الأغلبية، وإلا فكل من سُمح له باقتناء قنينة خمر يُعتبر غير مسلم حسب نفس القانون، من هنا يتضح أن مطلب رئيس الجمعية يهدف، بالإضافة إلى الدفاع عن لوبيات الخمور، إلى التطبيع مع استهلاك الخمور والاعتياد عليها ليجد معظم المغاربة أنفسهم مع الوقت خارجين من دائرة الإسلام طبقا للقانون. وحتى لا يقع المحظور، فإن الدولة مطالبة وباستعجال، بمحاربة هذا النوع من التوجُّهات قبل محاربة كل أنواع المواد المخدرة وعلى رأسها الخمور وصناعتها، سواء كانت في معامل متخصصة أو بكيفية عشوائية، احتراما للدين الذي هو دين الدولة حسب الدستور، واحتراما للحساسيات المجتمعية التي لا يمكن القفز عليها أو إبعادها كما صرح بذلك المسؤول عن الجمعية دون حياء، إذ من يكون هذا المستهلك؟ وكيف يمكن له أن يعلو عن ثوابت الدين وحساسيات المجتمع؟

أما فيما يتعلق بتأكيد السيد وزير الثقافة، على أن « الثقافة ليست هواية، وليست ترفا أو ضياع وقت، بل هي اقتصاد، ومنظومة اقتصادية، واستثمار »، وأن « ما ينجز اليوم هو استثمار، بمفهومه الاقتصادي والاجتماعي » ليخلص بعد ذلك إلى أن « المهرجانات والأحداث الثقافية وما شهدته من حضور جماهيري كبير يبين مكانة الثقافة في قلوب المغاربة، واهتمامهم بها »، ومن ثم وجب « ضمان التنشيط الثقافي وخلق الصناعة الثقافية حتى يكون لها الأثر الاقتصادي على الحياة الاجتماعية للمواطن » فلا أعتقد أن عاقلا سيخالف السيد الوزير في ضرورة خلق صناعة ثقافية بمثابة استثمار بمفهومه الاقتصادي، غير أن الاختلاف معه سيظهر لا محالة مع الإفصاح عن طبيعة الثقافة التي يُراد الترويج لها، وكذا طبيعة المهرجانات والأحداث الثقافية. نعم لمَعارِضِ الكتب، ونعم لكل الأنشطة الجادة التي تساهم في الحفاظ على مقومات  الشخصية المغربية الأصيلة والرقي بها إلى المستويات التي تجعلنا نفتخر بتمَيُّزنا، ونرفع رؤوسنا شامخة أمام شعوب العالم، ولا لمهرجانات الميوعة والعربذة التي تُنفِق على أبطالها الشواذ والمثليين بسخاء لا مثيل له، ليتم تبرير ذلك بتوفير مناصب شغل غير قارة في أغلب الأحيان والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولنا في مهرجان موازين مثال حيا على طبيعة القيم التي يُراد تمريرها من خلال إبراز مجموعة من التافهين كنجوم يتعين الاقتداء بهم في مأكلهم وملبسهم وعاداتهم التي تنبني بالأساس على الميوعة والفساد بما يجعل الهدف الاقتصادي غير ذي أهمية تُذكر.

وهكذا يتبين أن المشترك بين خطاب السيد الوزير وخطاب السيد رئيس الجمعية المغربية لحماية حقوق المستهلك هو الترويج للعربذة واللاأخلاق وإشاعة الفاحشة تلميحا لا إفصاحا من قبل السيد الوزير، وتصريحا من قبل رئيس الجمعية، وذلك عن طريق نشر الخمور وتوفير الأجواء الملائمة لاستهلاكها، ولنا أن نتصور حجم المصائب التي يمكن أن تحل بالمجتمع المغربي إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التربوي إذا لم تُتخذ الإجراءات الحازمة للوقوف سدا منيعا ضد كل من يعمل على هدم قيمنا الدينية والمجتمعية الأصيلة.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *