ما أشقى وأتعس عالم اليوم بتكنولوجيا حربية في غاية التطور مقابل قيم في غاية الانحطاط وإفلاس حضاري فظيع
ما أشقى وأتعس عالم اليوم بتكنولوجيا حربية في غاية التطور مقابل قيم في غاية الانحطاط وإفلاس حضاري فظيع
محمد شركي
إن الله عز وجل خالق الإنسان والخبير به وصفه بالطغيان إذا ما استغنى فقال جل شأنه : (( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) . وهذا حال الإنسان في كل زمان ومكان والذي لن يتخلى عنه أبدا إلى أن يرث خالقه جل وعلا الأرض ومن عليها . ولقد سجل الوحي نماذج عدة من طغيان الإنسان حين يستغني ، كما سجل التاريخ ذلك أيضا .
وها هي الحرب الدائرة اليوم في الشطر الشرقي من العالم الغربي فوق الأراضي الأوكرانية تؤكد ما أخبر به الوحي وإلا فما الذي أطغى القيصر الروسي الجديد، فجعله يغزو بلدا مجاورا ضاربا عرض الحائط كل القيم الأخلاقية ، وكل الأعراف والقوانين الدولية مستخدما تكنولوجيا حربية في غاية التطور وعقليته تعكس سلوك قانون الغاب ، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الغرب بجناحيه الشرقي والغربي لا يزيده الاستغناء التكنولوجي إلا وحشية وانحطاطا على مستوى القيم وإفلاسا حضاريا عكس ما يتبجح به
إن النظام الروسي المتغطرس عسكريا والمفلس حضاريا أعاد مرة أخرى غزو دول الجوار كما فعل خلال القرن الماضي في أفغانستان مستضعفا شعبها المسلم الرافض لقيمه المنحطة ، ولم ينته عن عدوانه عليه إلا بعد أن لقنه درسا قاسيا لن ينساه أبدا كما لقن نفس الدرس لكل من سولت لهم أنفسهم غزو بلاده من قبله ومن بعده. وها هو اليوم يغزو أوكرانيا المجاورة مستضعفا شعبها أيضا الذي تخلص من التبعية له مدة من الزمن ، واستمتع بحريته واستقلاله وهويته ، وهو يريد اليوم أن يعيده من جديد إلى فترة التبعية والاستعباد البغيضة
.
وها هو المنتظم الدولي يفشل فشلا ذريعا في كبح جماح هذا النظام المارق ، ويعجز مجلس أمنه عن اتخاذ قرار يوقف عدوانه الصارخ ،لأنه مدلل بالفيتو الذي أطغاه كما أطغى كل الأنظمة المستأثرة به ، والذي يكفي تلويحها به لقلب كل الموازين وإضفاء الشرعية على ما لا شرعية له من عدوان وظلم واستبداد في كثير من أقطار المعمور .
ولقد وقف ما يسمى بالعالم المتقدم تكنولوجيا بجناحيه شرقا وغربا عاجزا أمام جائحة الكوفيد 19 ، الذي لا زال تهديدها لحياة البشر قائما ولا زالت تحصد المزيد من الأرواح يوميا ، ولم تنجح التكنولوجيا المتطورة لحد الساعة في إيجاد علاج ناجع له ، ومع ذلك هي ماضية في التنافس الشديد لتطوير أسلحة الدمار الشامل مقابل تحلف وانحطاط فاحش على مستوى القيم .
ألم يكن من الأفيد بالنسبة للبشرية أن يتوقف مسار تطوير تكنولوجيا الأسلحة ، وهي مكلفة للغاية لفائدة تطوير تكنولوجيا التطبيب والتغذية في عالم لا زال الناس يموتون فيه جوعا ووباء ؟
إن مأساة عالم اليوم هو تردي قيمه إلى أدنى درجات الانحطاط مقابل تبجحه وزهوه بالتطور التكنولوجي ، الشيء الذي يعني إفلاس حضارته . وما أحوج كثير من شعوب المعمور اليوم إلى طائرات تلقي إليها الأدوية والطعام عوض قصفها بأفتك أنواع القذائف ، وما أحوجها إلى الأموال الطائلة التي تصرف على تكنولوجيا حربية لا تعود على العالم إلا بالخراب والدمار وانحطاط وإفلاس القيم الحضارية لصرفها على ما يدفع عنها كل بأساء، وضراء، وبأس .
فمتى سيفيق ساسة عالم اليوم المتهورون من غفلتهم وهم يظنون بأنفسهم سداد آرائهم ، وحسن فعالهم للنهوض به من وضع مزر، ومن ترد على مستوى القيم لتكون في مستوى تطور تكنولوجي بالمعنى الصحيح يخدم الانسانية، و يحقق رفاهيتها عوض تدميرها ، وجعلها تعيش الكوابيس المفزعة ؟
Aucun commentaire