Home»Débats»الذباب و محنة الكتابة

الذباب و محنة الكتابة

0
Shares
PinterestGoogle+

الذباب و محنة الكتابة

موليلة بنيونس

تساءل أحد الإخوة الفضلاء بشيء من العتاب عن سبب اختفاء  كتاباتي التي كانت تطالع القراء و المتتبعين  من حين لآخر عبر بعض المواقع التواصلية و الجرائد الإلكترونية

في الحقيقة فوجئت بهذا التساؤل الغريب والعجيب والذي لم يكن ليخطر على بالي  لأنه  من المتوقع  في تصوري واعتقادي أن يُسأَل المرء في الوطن العربي  عن جميع أحواله الخاصة به  ما عدا تلك  المتعلقة بميدان  الكتابة والقراءة في زمان قل فيه الاهتمام بهما ،فأصبح كل ما يمت بصلة إلى  عالم الثقافة والنشر ، لا يحظى بالاهتمام والتقدير اللازمين في أجندة  الإنسان العربي و مهما تعددت أسباب العزوف عن القراءة في زماننا هذا وتباينت الأرقام والإحصاءات الرسمية  المعنية بهذا المجال  فإنها تتفق  جميعها على تدني نسبة القراءة في الوطن العربي  و أن جل الانتاجات التي أصبحت رائجة بين أشباه الكتاب هي تلك التي تنعت عند القارئ الناعم بالكتابة السهلة عبر ما أصبح يعرف بالتغريدات  التي  تفتقر إلى أبسط  قواعد التعبير الإبداعي واصبحت العلاقات بين هؤلاء الأشباه قائمة على المجاملة والرياء وغيرها من  قبيل هذه الأنماط المبتدعة  في ميدان الكتابة والقراءة و ليس من الغريب أن نرى في يومنا هذا  من يستكثر على الكاتب الجاد حجم نصوصه الإبداعية أو مقالاته التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال الصفحة أو تزيد قليلا  – وهذا واقع عاينته في كثير من  المناسبات – بحجة أن قراء اليوم أصبحوا لا يستطيعون الصمود أمام نصوص تتجاوز أسطرها عدد أصابع اليد الواحدة

إن الذي يفتقر إلى ملكة اللغة  – أي لغة – و لا يتملك  ناصيتها لا يستطيع أن يصمد فبالأحرى أن يحكم على قيمة النص من حيث النوعية أو الكم ،فلا غرابة إذن حينما يلاحظ القارئ الجاد خفوت الكتابات  الإبداعية الجادة  وظهور أخرى  لصنف من أشباه الكتاب يبثون من خلال هرطقاتهم  الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة التي تزعزع القيم والأخلاق وتحدث شروخا وتصدعا في سلوكيات العباد وخاصة منهم الشباب كما يتفننون في  تتبع عورات الناس و اقتحام خصوصياتهم  والتجسس عليهم و استهدافهم بالسب والقذف والتلفظ بالكلام البذيء والساقط  -إلا من رحم ربك  – وخصوصا في هذه المرحلة العصيبة التي فرضت فيه علينا  نوعا من الجدال العقيم والسفيه للرد على إخوة لنا كنا نقاسمهم فيما مضى الكفاح والنضال من أجل نصرتهم و تحريرهم من ربقة المستعمر الغاشم ولكن للأسف الشديد إذا أنت أكرمت اللئيم تمردا وهنا أعني  الطغمة العسكرية الذين جعلوا من المغرب ديدنهم اليومي وكأنهم أصيبوا بالفصام والانفصام وعمى البصيرة عن كل ما يشغلهم من المشاكل الداخلية وما أكثرها  ليتسلطوا علينا من غير وجه حق ، هذا السعار الذي أصابهم جعلهم يسخرون كل اجهزتهم الدعائية  بشكل منهجي لأهداف  و خبايا ترعاها الاستخبارات العسكرية  لتسخرها في حربها الإعلامية  ضد دولة جارة وشقيقة وهي في الحقيقة  تعبر بشكل غير مباشر عن المواقف الرسمية للمؤسسة العسكرية التي تتحكم في مصير الشعب الجزائري  الشقيق  وتخنق أنفاسه  بالحديد والنار ، وهكذا أصبح المغرب  يواجه في هذه الحرب القذرة  ما أصبح يعرف بالذباب الإلكتروني  الذي ولد وتكاثر برعاية هذه الطغمة الغاشمة  وانتشر بشكل فاضح وفظيع انتشار الفيروس الذي أصبح يخنق أنفاسنا   وأصبحت وسائل التواصل الإلكترونية مسرحا له وساحة لنشاطه يبث من خلالها الأخبار والأحداث الوهمية للتشهير وتلطيخ سمعة رموز الوطن و المسؤولين وكل ما له علاقة بالحياة الاقتصادية والسياسية والفنية والرياضية وغيرها من الأمور الأخرى  معتمدين على معلومات وصور مفبركة على درجة عالية من التزوير والتزييف لإيهام المتلقي الجزائري  بصدقيتها، والذباب المسخر لهذه المهمة الحقيرة لا يحمل أية صفة أخلاقية او إنسانية  وهذا ينعكس على أساليبهم السوقية والمنحطة لتصدير أزماتهم الداخلية إلى بلد جار وشقيق

 هذا السلوك العدواني  الصادر عن الإخوة الأعداء ولد لدى بعض المغاربة الغيورين على وطنهم ردود أفعال  أجبرتهم على الرد  على هذا الهراء وعلى هذه الافتراءات  ولكن للآسف الشديد كانت تقريبا بنفس النهج  و بنفس العقلية  فأصبح هذا التراشق بين الإخوة الأعداء يحيل على نوع من السلوك الدال على الانحطاط الفكري والأخلاقي والسقوط في متاهات وشراك هذا الذباب القذر- قذارة شرف الله قدركم – وبهذا النمط من التعايش الذي فرض على الشعبين الشقيقين العدوين  نكون قد تحولنا من مرحلة  حضارية راقية كانت فيها المعارك تستعمل فيها الأقلام السيالة و كان أبطالها من عمالقة الأدب والفن والذين ساهموا في حركة التنوير والنهضة العربية بإسهاماتهم الخالدة في المجال  الأدبي والثقافي والفني وحتى السياسي فكانت كل أوقاتهم الثمينة تشغلهم  وتصرفهم عن الخوض في مثل هذه المناوشات  الصبيانية وهذا اللغو الذي تنفر منه الأذن والعين معا، هؤلاء الرواد خلفوا أجيالا من المثقفين والأدباء والسياسيين وغيرهم ممن حملوا مشعل الثقافة  والفكر والتي مازالت أسماؤهم خالدة في الميدان الأدبي والثقافي والسياسي وغيرها من الأمور التي تصنع العقول وتهذب الأذواق والأخلاق فأصبحنا نحن و نتوق لهذا الزمن الجميل الذي افتقدناه لأننا اصبحنا نعاني من شح  في الانتاج الفكري والأدبي قياسا بزمن الرواد مع تفشي الأنماط التجارية، وانتشار الانتاجات المبتذلة ، القائمة على المجاملة والرياء

و في الختام  فإن الذي لا يجد متعة في القراءة لا يعنيني في شيء ولست مهتما بفاقدي الشهية لكل ما يمت  بصلة إلى عالم الكتابة والقراءة لأن غيرنا من الغربيين يقبلون على اقتناء الكتب والمجلات كما تقتنى الأشياء الضرورية عندهم ،أما عندنا فحسب بعض الدراسات المؤلمة تبين أن ثمانين عربيا يتوزعون كتابا كل سنة ثم نتساءل بعد ذلك عن سر  إحجام الكاتب العربي  الجاد عن الكتابة و الإبداع

 MOULILA BENYOUNES

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *