شوائب تفسد متعة الاصطياف
في لحظات اضطراب روحي ومزاج متقلب يعن للمرء أن يكسر الروتين اليومي و ينعم بأوقات للترويح عن النفس بعيدا عن الضوضاء التي تملأ شوارعنا وتعم مدننا التي صارت جحيما لا يطاق بفعل حركة السير الدءوبة والأصوات المزعجة للمنبهات التي تصم الآذان و تضغط على الأوتار العصبية لا تراعي سكون الليل ولا حرمة مؤسسات استشفائية ولا مرضى يتوخون قسطا من الراحة , انه تلوث خطير ينضاف إلى باقي مفسدات البيئة و منغصات الحياة بالمدن .
بعيدا عن تلك الأجواء المنفرة قد تكون الوجهة المصطافات الجبلية أو الشواطئ البحرية التي تزخر بها بلادنا الغنية بمناظرها الخلابة ومواقعها السياحية المتنوعة , وفي كلتا الحالتين يكون الهروب إلى الطبيعة اختيارا في ظل اكراهات الجائحة التي أبدت صمودا و مقاومة شرسة جعلت اجتثاثها مستعصيا ولو إلى حين , فصارت تتحور وتتطور وتتلون و لا أحد يستطيع التنبؤ بنهاية هذا البلاء وبمدة سريان مخلفاته في الزمان والمكان.
نشد الرحال إلى حيث استقر العزم و مال الوجدان, فبعد التزود عدة وعتادا تبدأ رحلة الاستمتاع بخلوة تنعش الآمال و تغذي الروح و تمنح نفسا جديدا بمفعول البلسم الشافي.
و بالوصول إلى الوجهة المعلومة تطالعك طوابير المركبات المركونة بطريقة شبه عشوائية , فيصبح هاجسك الأول البحث عن مكان امن لإيقاف سيارتك , وهنا تفاجئ بكائنات ترتدي سترات صفراء أو ذات ألوان أخرى تتقمص دور شرطة المرور بصفاراتها وحركاتها اليدوية , تفرض عليك قانونها الخاص وقد تضع حواجز في الطرق و تمنعك من المرور إلا بعد الأداء المسبق لإتاوة لا تقل عن 10 دراهم مقابل تذكرة مكتوب عليها بأنهم غير مسئولين عن السرقات أو غيرها من المشاكل التي قد تكون المركبة عرضة لها , فلماذا الأداء إذن ؟ انه عقد إذعان لا تجوز مناقشة شروطه و لا يبقى أمامك إلا قبوله جملة وتفصيلا أو العودة من حيث أتيت, فهل بمثل هذه التصرفات نشجع السياحة الداخلية وما هي القوانين التي تبيح ذلك ومن هي الجهة المختصة قانونا ؟
فإذا كان المصطاف جبليا فالملك غابوي و لا دخل للجماعات الترابية فيه , ونفس الشيء بالنسبة للملك البحري الذي يقع تحت وصاية وزارة التجهيز , فبأي حق يتم كراء مثل هذه الفضاءات و تحصيل مداخيل بطرق غير قانونية ومصالح وزارة المالية أدرى بذلك.
وتبقى استفزازات وتحرشات الزبانية المكلفون بمهام كهاته خارج إي مراقبة أو ضوابط أخلاقية , والدخول في مشادات معهم لا تتسبب إلا في مزيد من توتر الأعصاب, و الوقت لا يسمح باللجوء للمساطر الطويلة والتي لا جدوى منها.
الإكراه الثاني هو احتلال الشواطئ من طرف أصحاب المظلات الشمسية والكراسي البلاستيكية والذين لا يتركون مجالا لمن يحمل معه تجهيزاته لاختيار مكان مناسب قرب البحر تحت أشعة الشمس ورذاذ الأمواج المتلاطمة , فالأماكن مخوصصة و الأداء إلزامي و لا مجال لمناقشة مفاهيم الملك العمومي و الحقوق والواجبات , فالأمر الواقع يفرض نفسه بقوة المال والنفوذ ومآرب أخرى .
و لا يسع المجال للحديث عن شوائب أخرى تنغص متعة الاصطياف وتميت الرغبة في تكرار التجربة خاصة جشع أصحاب المقاهي والمطاعم والمتاجر الذين يستغلون الظرفية لمضافة الأسعار والتقليص من جودة الخدمات و السعي لتحقيق ربح سريع يعوضهم ما ضاع من فرص لا دخل للزبناء فيها . وفي غياب أي وازع أخلاقي أو رادع أو مراقبة يستمر مسلسل الابتزاز ليعم كراء الاقامات و الغرف بالفنادق أو لدى الخواص, فالانتهازية لا حدود لها والضحية هي سمعة البلاد و المواطن الذي لا حول له ولا قوة.
فباعتبار السياحة الداخلية رافدا من روافد الاقتصاد الوطني ينبغي مواكبتها بإجراءات عملية من شأنها محاربة الطفيليات التي تسيء للبلاد و الحد من الجشع الذي يتخذ من النهب أسلوبا ومن الإثراء غير المشروع منهجا و من جيوب المواطنين وسيلة للاغتناء الفاحش بدون أية اعتبارات .
وحبذا لو تتضمن البرامج الحزبية للانتخابات المقبلة خطة عمل لتطوير هذا القطاع و إخراجه من حالة الفوضى التي يعيش فيها حتى يتبوأ مكانة تليق به على غرار الدول التي حققت تقدما و ازدهارا ملموسين في هذا المضمار , فالسير في طريق النمو لا يتم إلا إذا تخلصنا من الإرث السلبي الذي لا زالت بعض رواسبه متجذرة في السلوك والمعاملات التي من المفروض أن تكون جزء من الماضي.
Aucun commentaire