Home»Débats»أعطاب الديموقراطية في الوطن العربي أو الديموقراتورية

أعطاب الديموقراطية في الوطن العربي أو الديموقراتورية

1
Shares
PinterestGoogle+

أعطاب الديموقراطية في الوطن العربي أو الديموقراتورية

كما هو متعارف عليه في عالم السياسة هناك مفاهيم ومصطلحات تستعملها الأنظمة الحاكمة على مختلف توجهاتها الإيديولوجية  ونظرتها التحكمية في تسيير شؤون البلاد والعباد  ومن ذلك مفهوما  الديموقراطية  والديكتاتورية وهما من المفاهيم الأكثر شيوعا والتصاقا بعالم السياسة عند الشعوب وقد ابتدع العرب نمطا ثالثا من التحكم وهو مفهوم الديموقراتورية

فأما الديموقراطية فهي شكل من أشكال الحكم السياسي ،يشارك في رسم ملامحها جميع أفراد المجتمع و تطال كافة الأوضاع السياسية و الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها مما يساهم في تمكّين المواطنين من حقهم في الممارسة المتساوية والحرّة لتقرير مصيرٍهم السياسي وهي من إبداع المجتمع الغربي بامتياز بذل من أجل تحقيقها النضالات  والتضحيات الجسام عبر أجيال متعاقبة إلى أن استقرت على أهم الركائز والتي يمكن اختزال مجملها في النقط التالية

أن يكون الشعب مصدر السلطات، 2- سيادة مبدأ المواطنة المتمثل في  الحقوق و الواجبات، 3- وجود أحزاب فاعلة ومنظمات مجتمع مدني تقوم على قاعدة المواطنة وتمارس الديمقراطية داخلها 4- الاحتكام إلى دستور ديمقراطي  يضمن الحقوق والحريات العامة،  5- ضمان تداول السلطة التنفيذية و التشريعية  عن طريق انتخابات حرّة، 6- سيادة القانون المبني على مبدأ الفصل بين السلطات

 وأما الدكتاتورية فهي  أيضا شكل من أشكال الحكم  ولكنه مطلق ويتسم بالشمولية  والاستبداد المرتبط بالفساد الذي يعمل على إضعاف مؤسسات الدولة  ليتم ربطها بشخص الحاكم أو بجماعة ذات صلة  بحزب سياسي معين  أو طغمة عسكرية  وليس بالدستور أو القانون ، ومن أهم خصائصها – الانفراد والتعسف في ممارسة التحكم – و إلغاء أو تخفيف الروابط القانونية للسلطة السياسية – إلغاء أو تقييد كبير للحريات المدنية، – العدوانية والاندفاع في صنع القرار- توظيف أساليب الاستبداد للسيطرة السياسية والاجتماعية،

وأما الديموقراتورية  فهي شكل من أشكال الحكم ساهم في  إبداعها رواد ومفكرو  بعض الأنظمة الاستبدادية  عن طريق تلقيح الديموقراطية بالديكتاتورية رغم تعارضهما في كل شيء في المفاهيم والرؤى وكذا في المبادئ والآليات التي تمكن من تسخيرها لتطبيق المنهجين والمسلكين وقد التجأت إلى هذه العملية القيصرية  الأنظمة العربية  نتيجة تأثير الضغوطات الخارجية والداخلية لتحقيق نوع من الانفتاح  على العالم الحر

والأسئلة  التي يمكن طرحها هنا و بإلحاح هو لماذا تحرم الأنظمة العربية شعوبها  من االتمتع بالديموقراطية الفعالة ؟  ثم لماذا تناور  لتمويه الرأي العام الداخلي والخارجي في تنزيل الركائز الأساسية التي بنيت عليها ؟و لماذا تنهج في تسيير شؤون العباد سبلا يلفها الغموض والالتباس يمكن إطلاق عليها  استعارة قول المعتزلة القائل بالمنزلة بين المنزلتين أو لفظ الديموقراتورية  ؟

والجواب حسب الظن  يكمن في جدلية  الماضي والراهن ومن حيث المنظور التاريخي  لهذه الأنظمة  وما ترتب عنه من انعكاسات سلبية ، فحينما كان الغرب يؤسس للديموقراطية عبر النضال والكفاح المستمر  ضد حكم الاستبداد والتسلط   كان العرب في الشرق  بزعامة أم الدنيا غارقين في الجهل والتخلف على عهد ما كان يعرف بالمماليك  الذين لم يتجاوزوا في  نمط عيشهم وتفكيرهم ما كان سائدا عبر القرون الخالية حتى استيقظوا من سباتهم على وقع المدافع حينما التقوا على صهوات خيولهم المطهمة بجنود  نابليون في عدتهم وعتادهم ونظامهم ،وأدركوا حينها أنهم يعيشون عهدا قد انقضى ويواجهون حضارة جديدة  وأما في الشام فقد زرع الإنجليز محميات ما زالت إلى يومنا هذا تسوس العباد بعقلية المشيخة العشائرية ولم تستطع الفكاك والخلاص من هذا النموذج الذي يربط  الحاكم  بالمحكوم والتي بنيت على التسلط والقمع والقهر وزرع الرعب لإجبار شعوبها على الطاعة العمياء والموالاة للحاكم ولو كان جائرا  ،أما فيما يتعلق بمنطقة المغرب العربي فقد تمت عسكرة  بعض الأنظمة فيها بعد الاستقلال كالجزائر وليبيا ومورطا نيا وأما في بلدنا الحبيب فرغم بعض التحولات المحتشمة التي طرأت عليه  بعد الاستقلال  لم يستطع خلخلة بنية المخزن وتغيير أساليبه التسلطية ،فالانتقال من المخزن إلى الدولة، لم يكرس إلا المزيد من المخزنة، فرغم صورية الدولة الحديثة التي كان ينادي بها بعض الرموز الوطنية إلا أن الممارسات والعلاقات ظلت تقليدية بل تقوت أكثر في عهد الاستقلال وتقوت معه قدرته على التحكم والهيمنة المدعومة بواسطة  الأجهزة والتقنيات السلطوية التي ورثها عن الاستعمار الإمبريالي الغربي وهكذا حرص النظام المخزني على احتكار الفعلين السياسي والديني، ما جعله يحتكر وسائل عمل يتحرك بها ضد الفاعلين النشيطين الذين يتحدونه وينافسونه في الميدان

ونحن نعيش أحداث الثورة التكنولوجية  في القرن الواحد والعشرين والتي ساهمت في  تغيّر الأنماط  السياسية  التقليدية عبر العالم والتي تولدت عنها تحولات في المجتمع المعاصر بحكم التكنولوجيا الرقمية وما نتج عنها من تأثير في أساليب التسيير و التأطير للشعوب  وخلخلة السياسات التقليدية للسلطة ،نتساءل مرة أخرى هل يمكن للأنظمة المخزنية أو العسكرية  أن تفعل الديموقراطية  الحقة وتحرص على تنزيل مقتضياتها على أرض الواقع وهل يمكن للسلطة المركزية  في الأنظمة العربية أن تحاول إشراك شعوبها في تحمل المسؤولية السياسية الحقيقية وان ترفع يدها عن الهيمنة المطلقة على السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والفنية والدينية وغيرها، فضلا عن الاستحواذ على معظم ثروات البلاد

لقد شرعت بعض الأنظمة العربية في نهج بعض أشكال الديموقراطية  ذات المساحيق التجميلية  استجابة للانتقادات الدولية أو لضمان استمرار المساعدات الأمريكية  ،ولكن المشكل يكمن في افتقارها إلى التجربة وافتقارها إلى امتلاك الآليات التي تسمح لها بتفعيل الديموقراطية الحقيقية أضف إلى ذلك ما تدعيه من خصوصية الشعوب العربية وبأن الديموقراطية الغربية ليست إلزامية لما لها من متغيرات حسب السياق الذي تكتسيه لأن السياقات الدلالية لمفهوم الديموقراطية ذوات طوابع خلافية  لذلك فحسب زعمها  فإنه لا يوجد اتفاق حول التطبيقات المحددة لها،فمن خلال الأرضية والظروف ومنطق الخصوصية يمكن النظر إلى المفهوم وتطبيقاته وعلى هذا الأساس أصبح لكل نظام عربي رؤيته التفسيرية للمفهوم وتطبيقاته وهكذا أخضع الطرح الديموقراطي للخصوصية الإقليمية والجهوية وللظروف العربية والطرح الإسلامي الذي يميزها عن غيرها في الغرب وعلى هذه النظرة للواقع العربي حاولت بعض الأنظمة منها  بناء ديموقراطية حسب ظروفها الإقليمية  لتتميز عن الأنظمة الشمولية وأن تحاول أن يكون لشعوبها نصيب من تحمل المسؤولية السياسية ولكن بطريقة تحكمية والذي يغلب عليها طابع الشعارات أكثر من التنزيل الحقيقي  للديموقراطية على أرض الواقع لأن إشكالية الديموقراطية في الأنظمة العربية كونها قضية مركزية يتم التحكم في آلياتها بأساليب ونماذج مغايرة للطرح الغربي بدعوى الخصوصية العربية التي تعتمد على ثقافة معينة ذات  التقاليد والأعراف الإقليمية و التي   ينبغي مراعاتها لإحداث التغيير شريطة أن تكون من داخل الثقافة العربية

إن تفعيل الديوقراطية في الأنظمة العربية على علاتها لم تكن دوما لصالح شعوبها و الوضع السياسي فيها كان دائما مشحونا وملغوما رغم  الادعاءات والشعارات التي كانت تتغنى بها بعض أبواق الأنظمة العربية ، وهكذا فباسم الديموقراطية  حاربت الأنظمة العربية كل ما يمت إلى الديموقراطية الحقة بصلة وباسمها أبدعت في تحجيم كل منافس لها على السلطة للسيطرة على منافذ الحكم والهيمنة عليه  و باسم الديموقراطية ساهمت في خلق بعض الأحزاب الوصولية والانتهازية التي كانت و ما زالت تجتهد  وتتبارى في التقرب من أصحاب القرار والعمل على إرضائهم لحد الانبطاح وحتى بعض الأحزاب ذات البعد التاريخي أصبحت تتنافس على الموالات للسلطة  ضاربة عرض الحائط كل الأهداف التي من أجلها خلقت ، فأصبحت معايير النجاح عندها تعتمد على بيع وشراء الأصوات والاعتماد على المحسوبية والزبونية فقدت روحها النضالي وأصبحت عبارة عن دكاكين مفلسة ،وباسم الديموقراطية دائما أبدع النظام أساليب تكميم الأفواه،وترهيب الأصوات الحرة إما عن طريق المحاكمات الصورية  أو الغرامات التعجيزية أو دفعها إلى مغادرة الوطن بحتا عن العوالم الحرة، وباسم الديموقراطية ساهمت في إنتاج بعض الأشكال الكارتونية  عبر انتخابات صورية واستفتاءات فولكلورية لتجديد الثقة في القيادة مرورا بخلق مجالس برلمانية خاضعة  لسيطرة السلطة، تمرر قراراتها لتظهر بالمظهر الديمقراطي وباسم الديموقراطية تم خرق  الدستور  بشكل استفزازي وبطريقة تدعو إلى الشفقة  – من اجل تكريس سلطة الفرد والتمديد للرئيس أو توريث أبنائه حتى وإن غلفها فقهاء السلاطين بطابع الضرورة المستجدة  وأخيرا نقول كما قال أحدهم  إنّ المتخيل العربي للديمقراطية ينظر بآمال عريضة لتحقيق نظام ديمقراطي يستطيع من خلاله نبذ الاستبداد، والخروج من البيئة الخاضعة لنمط أحادي من الإرادة السياسية، والتحوّل إلى نمط مختلف يقبل بالتعددية السياسية واحترام الحريات وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، والعمل على تنفيذ تنمية اقتصادية حقيقية

MOULILA BENYOUNES

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *