Home»Correspondants»متتالية إلى الأمام

متتالية إلى الأمام

0
Shares
PinterestGoogle+

متتالية إلى الأمام
بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
« المضحك أن لا يجد ملايين ممن يتمنون الخلود ما يفعلوه في أوقات فراغهم ». تجد عادة من يبحث عن الخلود لا يكِدّ في صناعة شيء يخلد ذكره، أما من أعطى واتقى وتفانى في الحسنى، ولم يشغل باله بالخلود، أبّد الناس ذكره في الخالدين.
لم أُسم صاحب الحكمة أعلاه، فالأجدر أن نتأسى بالعقول الكبيرة التي تشغلها الأفكار، كما أني لا أرى داعيا لذكر صاحب الحكمة الخالدة عن تفويض الشعب: « الخاسر الأكبر من يعتبر مقعده ريعا وإرثا خالدا إلى الأبد ». فالأجدر بأمثال هؤلاء » إعداد نخب تدبير الشأن العام، وتفادي « المزايدات السياسوية »، أو الانخراط في « معارضة بناءة تقدم البدائل الواقعية التي تجعلها قمينة بالتناوب على تدبير الشأن العام ».
حِكَمٌ في حكم، ليت شعري من المُعَنَّف، إن كان معارض فقد ران قلبه ثم تكَشّف، وإن كان حاكم فما فتئ يصلح وأنى تَكلَّف؟ !
لم تبدأ وتنته مُخطابةُ « معشر السياسيين » بالاعتزاز بالوطن لعزف نشيد مدرسي، بل كان التوجه إليهم من أجل حملهم على ترك « الحسابات السياسوية »، والاهتمام بـ »القضايا الوطنية الكبرى وانشغالات المواطنين »، وممارسة سياسة « القرب والتواصل الدائم والالتزام بالقوانين والاخلاقيات »، والترفع عن بعض السلوكات التي تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم وللعمل السياسي بمعناه النبيل »، والالتزام بـ « ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي ».
ولم يَقْرع الاعتزاز بالوطن آذان « معشر السياسيين » في وسط الخطاب حبا في التكرار والإطناب، إنما جاء لشجب »العدمية والتنكر للوطن » اللذان يمتطيان ملفات التعذيب وحقوق الانسان والمرأة…، عدمية عاجزة عن إبصار « مغرب الحريات التي يضمنها الدستور ».
زَجّ بي يوما قاموس العدم إلى الشعر فأنشدت دَجِرا:
نِعْم النائم إن فاق من هَمْس// وبئس الغافل عن هول الخطر
من يَعُدّ النعم يحصي فضائلها//والجاحد أعمى إلا عن الضرر
النحل لا يُرسي إلا على عطِرٍ//ولا يقع الذباب إلا على القذِر
وعطفا على ذلك، لا يمكن لكل من يعتز بمغربيته أن يتنكر لدينه أو لغته أو قيمه، كما لا يليق به الانصهار في حضارة غير مغربية، غير أن « الاعتزاز لا يعني الانغلاق على الذات والتعالي على الآخر، فالمغاربة معروفون بالانفتاح والتفاعل الايجابي مع مختلف الشعوب والحضارات » .
ولا يستلزم الاستمساك بالمغربية والاعتزاز بها تَلقي مقابل ما، لأن الاعتزاز بالمغرب « شعور لا يباع ولا يشترى ولا يسقط من السماء بل هو إحساس نبيل نابع من القلب عماده روح التربية على حب الوطن وعلى مكارم الأخلاق »، كما حب الوالدين والاعتزاز بهما لا يقيده شرط، غير أن هذا الشعور النبيل الذي نالت منه سنوات الهدر والقهر والريع-وتُمني النفس بالعودة والاستمرار- يفرض تعديل القسمة الضيزى: » أغنياء يستفيدون من ثمار النمو، ويزدادون غنى؛ وفقراء خارج مسار التنمية، ويزدادون فقرا وحرمانا ».
وقد يجد من « لا يدرك معنى حب الوطن »، و »لا يحمد الله تعالى على ما أعطاه لهذا البلد »، فيما « يقع في العديد من دول المنطقة » دواء لتصلب روحانيته و »عبرة لمن يعتبر ». وقد حذر أحد الحكماء من المغامرة بالأمن والاستقرار قائلا: « إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال ».
إن من يقف عند هذه الجمل والمفردات من خطاب سامي يتوجه إلى السياسيين، يشعر بأن المغرب يتجه نحو تغيير جذري، وباستحضار خطابين سابقين وُصِفا بالجرأة والواقعية والصدق، يزداد يقينه في مغرب يخفي مفاجآت تفوق صدماتها مفاجأة التاسع من مارس 2011.
شهدنا متتالية خطابية صارمة نبهت الغافل وعنفت المكابر؛ هي أشبه ما تكون بعنف ثوري يتوسل الكلمات والألفاظ ليصيب الاستغلال في مقتل، وليمضي بالثوار إلى الأمام. غير أن رد الدولة العميقة/ العقيمة/ المجروحة لم يتأخر طويلا، ولن تجد رسالة أقوى من الاضراب العام الذي يجري تحضيره على إيقاع الزيادة في ثمن الخبز.
قد يصدق التفسير المادي الماركسي لأول مرة في التاريخ: تَغَيُّر في البُنى التحتية يتبعه تطور في البنى الفوقية. كأني بالتصريحات والتقارير التي تحدثت عن دنو المغرب من الشروع في إنتاج الغاز والبترول، تفرض قسرا تطورا في الخطاب، وتغييرا في النخب السياسية والواقع السياسي؛ اكتشاف مورد جديد، يوازيه اكتشاف مغرب جديد وإيمان قوي بقدرته على تحقيق المعجزات. وكل من يسعى لتعطيل التحاق المغرب بركب الدول الصاعدة، وينأى عن بحث سبل تحقيقه النمو الاقتصادي والحكامة الادارية والتدبيرية والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي، فإنه ليس من أهل المغرب « إنه عمل غير صالح ».
ما الذي حمل المتتالية على تبني خطاب ثوري؟ ! قد يجد أدعياء الثورة تفسيرا لذلك في مهابة لقوة مزعومة، أومنافسة لخطابهم الثوري بادية للعيان مكشوفة! أمَا آن لعقولهم أن تفهم الاشارات وما نزل من الصّعْق؟ ! وقد يرى دعاة التغيير الهادئ في المتتالية استلهاما لمفردات الاصلاح في ظل الاستقرار؛ غير أنه لا يسع من ينظر إلى « متتالية إلى الأمام » إلا الجزم باندراجها في إطار المسارعة لاغتنام الفرص، وتأكيد العزم والإصرار على استئناف الربيع المغربي، والبلوغ به إلى أبعد مدى ممكن.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *