مساهمة أصحاب الياقات البيضاء في تدمير اقتصاد البلاد

كثيرا ما نطلق على العمال، والصناع ،وكل الذين يقدمون خدمات لغيرهم ،مقابل أجور زهيدة، في الغالب لا تفي بحاجاتهم اليومية. بأصحاب الياقات الزرقاء ، لكونهم يرتدون وزرات زرقاء ،خشنة ،رخيصة ، تتحمل الأوساخ، وتقي منها .أما أولائك العمال الحاملين لشهادات جامعية عليا ،والذين يملكون مهارات تقنية ،وخبرات متقدمة، في مجالات علمية مختلفة ،ويتقاضون أجورا غالبا ما تكون خيالية، إلى جانب مجموعة من الامتيازات ، كالسكن الوظيفي ،وسيارة السخرة ،والسائق، وتعويضات التنقل …الشيء الذي يخول لهم الرفاهية، والعيش الرغيد، والمكانة الاجتماعية المرموقة ،غالبا ما نسميهم بأصحاب الياقات البيضاء .وهؤلاء يهتمون بمظهرهم الخارجي، ويحرصون على المظهر الأنيق ،واللباس الفاخر…ولكن نفوسهم فاسدة، وسرائرهم خبيثة، مردوا على النفاق ، لا تهمهم إلا المصلحة الشخصية ، ولا يتورعون عن التضحية بدينهم لكسب دنيا زائلة ، يدعون الأمانة ،وهم لها خائنون ،يختلسون المال العام ،و يعتدون على الممتلكات العامة ، ويسيئون استخدامها ، و يسرقون كل ما طالت إليه أيديهم ،بمنهجية ماكرة ، واضحة ،لا تخفى حتى على من يعتبرونهم عامة وسذجا .و ما يزيد من دناءتهم، وحقارتهم ، محاولة إيجاد المبررات الشرعية لسلوكاتهم الشاذة ، وسرقاتهم المكشوفة ،وإفتائهم بالمسروق من الدولة حلال، طيب ، وإذا كان المسروق هو الموظف، والعامل، والفلاح المغفل… فهذا أيضا جائز شرعا بفعل الفطنة، والذكاء، وحسن التدبير…بدليل:[ الله يجعل الغفلة بين البائع والمشتري ] .والمتمعن في هذه المقولة, يجدها تتضمن السرقة، وتبيح كل الأساليب الموصلة إليها .وهي نفس العبارة التي يرددها الفكر الرأسمالي الغربي [ الغاية تبرر الوسيلة].
لست أدري كيف يفكر أصحاب الياقات البيضاء، ولا لماذا يتحولون إلى جبارين، مفسدين، ومعتدين، ينشدون الحرام، ويطلبونه في كل مكان، رغم النعم التي أغدقها الله عليهم، والحظوة الاجتماعية التي متعهم بها ، والسلطة السياسية التي مكنهم منها . فهذا مهندس فلاحي لاشك أنه كان ذكيا، ناجحا في دراسته ،كلف بتسيير الضيعات المسترجعة من المعمرين في أوائل السبعينات بالجهة الشرقية للمغرب .كانت هذه الضيعات عبارة عن جنة ماؤها غزير، وخيراتها وفيرة . تدر على ( بوسي ،وبيري ، وكرسينتي ,وطبول …)أرباحا طائلة.صحيح أن هؤلاء المعمرين كانوا يستغلون العمال ،وكان العمل قاسيا ومتعبا ،بسبب التنافس بين العمال ,ومحاولة إرضاء المشرف على العمل ،لأنه لا مكان للضعفاء في هذه الضيعات ولكنهم كانوا يأخذون أجرهم كاملا غير منقوص .(حسب الاتفاق)
كان المهندس المحظوظ ، يأتي في آخر الأسبوع ، يقف أمام العمال الزراعيين , بجانبه كلب ضخم ، من فصيلة كلاب الرعي الألمانية ، تركه المستعمر ( بوسي) وهو كله عجرفة، وكبرياء، وإعجاب بنفسه، يتحدث باللغة الفرنسية، وينطق الكاف قافا (كدور بدلا من قدور) والحاء هاء (هميد بدلا من حميد) … ومن لم يجب دعوته، أو لم يقل ( بروزون) أي حاضرا ، لعدم حصول الفهم لديه، أو عدم سماعه ، صب عليه وابلا من الشتائم . وإن كان قريبا منه نالته بعض الركلات ، فإن كان مدحوضا، خصم من أجره يوما أو يومين .أما العمال المحظوظين، والمقربين ،فلهم بدل بطاقة الأداء الواحدة عشرة. بأسماء مختلفة يتقدمون لأخذ نصيبهم كاملا غير منقوص، والباقي للسيد المهندس، ومن يدري فلعل جزءا من أجر العمال الأشباح، كان لمن يقف وراء المهندس ويحميه .كان صاحبنا كل عشية سبت يخرج مقدارا من الخمر، من مخزون الضيعة، الذي يقدر بمئات البراميل، ويضعه في أكياس من (الخيش القنب ) – قماش غليظ وخشن- ثم يطرحه في نافورة المياه المستخرجة من البئر خصيصا لغرض التبريد. ويذبح الخراف .لأن هناك مدعوون لتناول الخمر والشواء …على حساب الضيعة ، من أصحاب الياقات البيضاء .
يبدو أن التبذير،والإفراط فيه، كان متمكنا من سيادة المهندس حتى النخاع ،إذ كان يشتري كل شهر سيارة من نوع ( دياس سيتروين ) وهي آن ذاك آخر صيحة المودة . ويتزوج امرأة يعد أن يكون قد طلق السابقة.لم تمر إلا سنتين أو ثلاثة، حتى أصبحت الضيعات قاحلة، جرداء، لا تنبت زرعا ،و لا تنتج غلة ،لو زارها أصحابها لبكوا عليها دما بدل الدمع.ونقل المهندس إلى ضيعات أخرى ،ليفسد ما أصلحه بها المستعمر . بعد أن دمر التي تحدثنا عنها، وشرد عمالها ،وحرم الأمة من خيراتها .وصدق الله العظيم إذ يقول :{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } (الروم 41) وقوله :{ إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } ( الإسراء 16) .كل هذا يتم مع الأسف الشديد في غياب القانون ،والمتابعة والمحاسبة ،ومن أين لك هذا ؟




Aucun commentaire