منطق حصة تامة لكل أستاذ ورهان الجودة

خلال الندوة الصحفية الأخيرة بالنيابة الإقليمية بوجدة، ثمنت المجهودات المبذولة من أجل القضاء على الموظفين الأشباح ومحاسبة كل المخلين بالواجب وفي نفس الوقت طالبت بنظرة متوازنة للأمور واقترحت تكريم المدرسين المخلصين والمتفانين في عملهم بمناسبة اليوم العالمي للمدرس. وتدخل ممثل "الاتحاد الاشتراكي " فعقب بكلام لا يخل من ديماغوجية كما حاول زملاء آخرون قبله مغازلة النائب الإقليمي والقيام بدعاية مجانية لحزب الاستقلال. فلم تتح لنا الفرصة لمزيد من النقاش نظرا لضيق الوقت. لذلك سأبسط بعض الملاحظات في هذا المقال وأتمنى ألا يفهم منه دعوة إلى الكسل أو التهاون في أداء الواجب. بل هو نقد بناء إن شاء الله ونظرة من الداخل قد لا ينتبه لها الإداريون في مكاتبهم. لأن الظاهرة معقدة في المجال التربوي ولا يمكن حسابها بشكل رياضي جاف أو حسمها بالمساطر والقوانين فقط. ففي إطار سياسة التقشف التي سلكتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر في عهد الوزير الاتحادي حبيب المالكي، تم اعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات ظاهرها الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني وباطنها الفساد والمحسوبية والفشل الذريع في التسيير وتدبير الموارد البشرية وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، فكانت البداية مع تحريك الفائض وإعادة انتشار الأساتذة وتدريس المواد المتقاربة والقسم الجماعي وحصة تامة لكل مدرس… وقد تعامل بعض النواب بمرونة مع هذه المذكرات الوزارية التي ترمي إلى تحجيم الحركات الاحتجاجية لنساء ورجال التعليم والانتقام من الغاضبين على الوضع… في حين راح نواب آخرون يزايدون على بعضهم البعض في تضييق الخناق على المدرس الممارس داخل القسم في ظروف صعبة جدا مما أدي إلى انتكاسة في المستوى المعرفي والأخلاقي للتلاميذ وتراجع العمل الإشعاعي بالمؤسسات وترك المجال للانحراف وعبدة الشيطان…ولم تخل هذه العملية من شطط لأسباب سياسية أو نقابية أو إيديولوجية ليس فقط على المستوى المحلي أو الجهوي بل على مستوى التعيينات الجديدة والانتقالات السرية وشغل المناصب الإدارية كذلك. خاصة إذا وجد المسؤولون فراغا تشريعيا متعمدا من وزارة شهد التعليم المغربي خلالها أسوأ أيامه وأبشع فضائحه. ومما زاد من توتر الوضع، اعتماد سياسة الاقتطاعات من الرواتب للمضرب ولغير المضرب خلال عطلة الصيف وتوقف المصالح المركزية. والحقيقة أن منطق حصة تامة لكل مدرس هو حق يراد به باطل، لأن المدرس حين يشتغل 24 ساعة في القسم بالإعدادي أو21 ساعة بالتأهيلي وحين يضم القسم من 40 إلى 50 تلميذا فإنه يكون معرضا لانهيار عصبي أو لارتفاع الضغط أو على الأقل للإرهاق الشديد الذي يتنافى ومطلب جودة التعليم. وهذه حقيقة لا يعيها أولياء التلاميذ وبالتالي يتهمون المدرس بالتقصير والإخلال بالواجب. ثم ما هي الحصة التامة ؟ وهل يجب احتساب الساعات التضامنية مع الأقاليم الجنوبية؟ إن التجربة أكدت أن المدرس إذا اشتغل 4 ساعات في الصباح في الظروف التي ذكرنا، فإنه يحتاج إلى ساعتين على الأقل للراحة واستعادة النشاط في المساء. فأين الوقت الكافي للتحضير الجيد في البيت وقراءة المؤلفات الجديدة )في مقرر الفرنسية مثلا( وإعداد الفروض وتصحيحها ووضع المخطط السنوي؟؟ ثم لماذا اختفت الأنشطة الإشعاعية الموازية من أندية ثقافية وفنية وترفيهية ورياضية ورحلات في مؤسساتنا؟؟ السبب هو الحصة التامة وغياب التحفيز. قد يقول قائل بأن الدروس الخصوصية أحد الأسباب ، وهذا صحيح لكن ما العمل مع غلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية للموظف عموما؟ فالألف درهم التي كان يتقاضاها المعلم في السبعينات من القرن الماضي كانت أكثر بركة من 4000 درهم التي يتقاضاها اليوم لأنه كان يستطيع اقتناء السيارة ولباس البدلة الأنيقة. كل هذا لا يفكر فيه المسؤول وكأن الغاية هي حراسة التلاميذ وإلهائهم بأي شيء. وفي حالة المرض أو الوفاة أو الحج أو الولادة لا نجد من يعوض المدرس (ة) ويبقى التلاميذ طيلة السنة بلا أستاذ وتتعالى أصوات جمعيات الآباء وتوجه أصابع الاتهام للمدرس عوض مساءلة الإدارة. ومن الأشياء الجميلة التي أحدثها السابقون وأتلفها اللاحقون في وزارة التعليم سلك التبريز .فقد كانت التجربة ترمي إلى تكوين فئة نوعية من نساء ورجال التعليم تكون قاطرة للبحث العلمي والممارسة الميدانية وتتميز بمكانة خاصة كما هو الحال في فرنسا صاحبة المبادرة، لكن تبخر كل شيء بقدرة قادر !! كان الأستاذ المبرز قبل أن يشمله الإصلاح أو بالأحرى التخريب، يحظى بالاحترام اللازم وتسند له مهام التدريس في الأقسام التحضيرية ومراكز التكوين والجامعات وفي الحالات الاستثنائية يعين في الثانوي مع احترام رغبته في التعيين، هذا الوضع لم يرق الرفاق الماسكين بزمام السلطة التربوية والذين أبدعوا صيغة فريدة لسلك التبريز أي إعداد الأستاذ المبرز في ظرف 3 سنوات فقط؟؟ الشيء الذي عارضه الطرف الفرنسي الشريك في العملية وممول المشروع، فكانت النتيجة تخريب المشروع واعتصام الطلبة الراسبين وإعراض القدامى عن الإقبال على هذا السلك وهو الآن معرض للإغلاق كما حصل لمركز تكوين المفتشين إلا إذا تداركه الوزير المقبل في حكومة الفاسي!! منطق الحصة التامة يطبق كذلك على المبرز العامل بالثانوي، الذي يصبح آخر من التحق في المؤسسة ويتعرض للإهانة لما يجد نفسه أمام تلاميذ الجذع مشترك أصيل. هذا الأصيل ال
مفترى عليه لا يستقبل النوابغ ولا حفظة القرآن من التلاميذ الراغبين في تحصيل العلوم الشرعية كما قد يظن بعض المخلصين، بل هو في الواقع سلك لاستقبال المفصولين والمطرودين والمرجعين والفاشلين والذين يحتاجون إلى مراجعة في الحروف الأبجدية من قبيل ما يلقن في الابتدائي أو الأولي، وهم ضحايا المنظومة التربوية ومسلسل الترقيع إلى مالا نهاية ؟؟ وبالتالي يمكن أن يدرسهم أي موظف في أدنى سلم. أما الأستاذ المبرز والأستاذ الدكتور فإنهم الالأستاذ فإنه يشعرون بأن تكوينهم لا يتناسب مع هذا المستوى ويشعرون أن لديهم ما يعطونه في مواقع أخرى يتسلل إليها المتملقون والمقربون من أصحاب القرار . ويعتبرون العملية مجرد عبث وهدر لأموال وأوقات الدولة.
ثم ما هي الحصة التامة للمبرز؟ إن النظام الأساسي يحددها في 14 ساعة أسبوعية لكن المرسوم الجديد رقم 2-02-854 بمثابة قانون خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الصادر بتاريخ 10 فبراير 2003 سكت عن تحديد عدد الساعات للمبرز العامل بالمؤسسات الثانوية مشيرا أن ذلك سيحدد لاحقا من قبل السلطات التربوية ولحد الساعة لم يصدر أي قرار من هذه السلطات وبالتالي يبقى المرجع المعتمد هو القانون السابق أي 14 ساعة. وهكذا تقوم الوزارة بقتل المواهب والكفاءات العليا عوض أن تستفيد منها في التكوين والتأطير للرفع من الجودة التي تتغنى بها والتي جعل منها الميثاق إحدى دعاماته في الإصلاح.
محمد السباعي




4 Comments
في البداية اشكر السيد محمد سباعي على الفرصة التي أتاحها لزوار الموقع لمناقشة بعض القضايا التي وردت في المقال . أود فقط مناقشة قضية التبريز وأطلب من الأخ أن يحدد موقفه بوضوح من التبعية لفرنسا فإذا كان يريد أن يكون من التابعين في هذه القضية فقط على أعتبار أنه أستاذ مبرز فهذه قمة الانتهازية وإلا فليسرد علينا مبرراته التربوية . هنا أسائل الأخ الكريم هل بإمكان المدارس العليا و الأقسام التحضيرية استيعاب كل الخريجين طبعا لا . وما دام الأمر كذلك يتم تعيين الخريجين بالمؤسسات الثانوية وهنا أفتح قوسا وأطرح سؤالا وأتمنى أن يجيب عنه الأخ بكل تجرد ما هي الإضافة النوعية التي قدمها هؤلاء للعملية التعليمية في المؤسسات الثانوية ؟ لا شيء طبعا فهم أساتذة جد عاديين و لا فرق بينهم وبين زملائهم الآخرين على الإطلاق . أما مسألة البحث العلمي فأجزم بكل صراحة وأقول بأن الأخ يزايد ويسكثر ويريد تضخيم الأمور وأتحدى كل من ينطق بالعكس وإلا فنريد التعرف على أبحاث المبرزين ومقالاتهم في الصحف والمجلات المختصة وهذه المسألة تهم أيضا فئة المفتشين الذين يعتبرون أن التعليم بدونهم هواء والتجربة طبعا تكذب أقاويلهم .وأنا اشتغلت في ثانويات يتواجد بها مبرزون يشتغلون عشر ساعات أسبوعيا فقط و لاتكاد ترى لهم أثرا خارج ساعاتهم العشر بل منهم يتفنن في الغياب فأين أنت ياأخي من الأنشطة التربوية والدعم التربوي ……. وسأرجع إلى المبرزين الذين يشتغلون في المدارس التحضيرية وأخص بالذكر ثانوية عمر بن عبد العزيز هل يعلم الأخ بأنهم يتقاضون أجورا مقابل الدروس الخصوصية تفوق رواتبهم الرسمية ويساهمون في تدهور الوضع التعليمي بهذه المدارس ومتى كان الطلبة الجامعيون يحتاجون لهذه الدروس ؟ وفيما يتعلق بالنظام الأساسي 2003 فأذكر الأخ بأنه سكت عن تحديد الساعات لجميع الفئات على الإطلاق ولم يستثن فقط المبرزين
يا أخي المتتبع إن سؤال التبعية لفرنسا يجب أن يوجه للوزارة : فهي سلمتنا أثناء التكوين للفرنسيين الذين زودونا بالمقرر الكامل ثم طبقوا علينا قانونهم الصارم في التكوين وفي الامتحان إذ جاءت لجنة خاصة من فرنسا مكونة من مفتشين ومبرزين ودكاترة من أبرز الجامعات الفرنسية كالسوربون وغيرها لتصحيح أوراق الكتابي وتكوين لجان الإشراف على الشفوي إلى جانب بعض المغاربة بكل الصرامة المطلوبة تماما كما تطبق عندهم ( عدد اللجنة 10!!) ومدة الامتحان 7 ساعات دون انقطاع على مدى 3 أيام!! لكن بعد التخرج ونجاح فئة قليلة جدا، تسلمتنا الوزارة فلم تتعامل معنا في التعيينات كما تتعامل فرنسا مع أمثالنا من المبرزين: أي الأولوية لهم قبل الدكاترة وقبل الأساتذة العاديين. وبما أن الأقسام التحضيرية لا تستوعبنا كلنا كما تقول، فإن مكاننا في المركز التربوي الجهوي أو مركز تكوين المعلمين أو السلك الأول من الجامعة كما هو منصوص عليه في النظام الأساسي، وأنا أعرف أن هذه المراكز يحتلها من لا يتوفرون على أي شهادة عليا. هذه الازدواجية في التبعية هي التي ينبغي أن نناقشها يا أخي. أما أنا شخصيا فإنني حاولت مناقشة الموضوع في شموله ولم أرغب في إثارة قضية شخصية. أما عن إشعاعي في المؤسسة من خلال الندوات والمحاضرات ودروس الدعم داخل المؤسسة فاسأل عني أبناء ثانوية الزرقطوني بجرادة قبل التبريز واسأل السيد ننتوسي المدير السابق والسيد السهلاوي النائب السابق وقد أحيلا على التقاعد ولازالا حيان يرزقان أطال الله في عمرهما. فأنا لا أنطق من فراغ ولا أزايد على أحد ولكنني أستهجن هذه الممارسات التي تحتقر العلم وتهين المجتهدين.
فئة لم تثر انتباه صاحب المقال ، ما دام يتوخى الإصلاح-الجودة…
إنها فئة أعضاء هيأةالإدارة التربوية ، التي تشتغل 38 ساعة وزيادة ، في غياب المساعدين والأعوان والشراكات…
وحتى لا يكون كلامي ضربا من المزايدة ، أسرد بعض الأسئلة وأترك الجواب للمسؤولين قبل السيد السباعي:
كم مؤسسة تسير بدون رئيس/مدير؟
ما أسباب هذا العزوف عن طلب منصب مدير بالثانويات التأهيلية والإعدادية؟
ما عدد الملحقين التربويين في مؤسساتنا ؟وما عدد بقية المساعدين والأعوان خاصة في المؤسسات المحدثة؟
ما مدى استعداد من يعتبرون فاعلين اجتماعيين واقتصاديين ناهيك عن السياسيين للمساهمة في إصلاح المنظومة؟
إذا أضفنا هذه المعوقات إلى معوقات أخرى..أظن بأن الجواب الذي سيمثل أمامنا جميعا وبقوة:
أن هناك من يخطط لتصفية هذا القطاع والدفع به إلى الإفلاس..بل إلى الهاوية..
والحل – في تقديري – أن ننهض جميعا ؛نحن أطر التربية والتعليبم ؛ لنتصدى لهذا المخطط الرهيب الذي يستهدف المدرسة العمومية بمختلف مكوناتها،بدل التمسك بما لا أعتبره أهم في الوقت الراهن من نحو عدد الساعات التي يجب اشتغالها : 9 ساعات ام 14 ساعة…والسلام
أرجو من الأخ السباعي أن يزودنا بالنص الدي يحدد ساعات العمل ب 14 و أظن أنه غير موجود إلا في مخيلة المبرزين