Home»Régional»والفلسفة للأطفال أيضا (2)

والفلسفة للأطفال أيضا (2)

0
Shares
PinterestGoogle+

يحكى أن رجلين مرا بسفح جبل شاهق, فقال أحدهما لصاحبه وهو يحاوره أرأيت ذلك الشبح فوق القمة ؟إنه معزة سوداء. فرد عليه صاحبه, بل هو غراب. استمر هذا الجدل بينهما مدة ليست بالقصيرة دون أن يتنازل أحدهما للآخر عن رأيه .وفجأة طار الغراب. فصاح الذي كان يراه غرابا :( لقد صدق ضني إنه بالفعل غراب, فها هو يطير.) فأجابه صاحبه وبإسرار إنه معزة ولو طارت.
مضمون هذه الحكاية يجعلنا أمام صنفين من الشكاك : صنف يشك فإذا تبين له الحق تشبث به وتنازل عن شكه .وصنف آخر يظل مرتبطا بشكه مهما كانت الحقيقة واضحة, جلية أمام عينيه. لأن المعرفة عنده غير ممكنة, ولا دليل عنده على أنها ممكنة, أو غير ممكنة. فماذا يعني مفهوم الشك ؟
الشك هو ضد اليقين ,و هو الضن الممزوج بالتردد, وعدم الثبات على رأي واحد.وهو نوعان : شك تام, ويسمى الشك المذهبي, أو الشك ألريبي. وشك ناقص, أو نسبي ,ويسمى الشك المنهجي ,أو منهج التحري والتقصي . فالأول ينسب إلى جماعة من الفلاسفة يعرفون بالسفسطائيين وعلى رأسهم الفيلسوف بيرون المتشائم , الذي كان يعلم تلامذته نفي الحقيقة ,وعدم التفرقة بين الصواب والخطأ, فكل شيء بالنسبة إليه غير موجود وغير صحيح في هذا العالم .لأن العقل والحواس تخدعنا ,ومن ثم وجب علينا أن لا نثق بمن يخدعنا, ولو مرة واحدة في حياتنا .يرى بيرون :(…أن خير رأي, أن لا يكون لك رأي ,لا في الخير ولا في الشر. ) لأن الإنسان في تصوره لا يمكن أن يتوصل إلى معرفة طبيعة الأشياء الواقعية معرفة يقينية ,وأي حكم على الواقع يبقى حكما خاطئا ,وإن كان صحيحا .لأن إمكانية التأكد من صحته أو عدم صحته يبقى مفقودا.إن مثل هذا الشك يؤدي بصاحبه إلى الكفر والضياع فهو دائم التردد ,يعاني من التناقض المعرفي ,والتأرجح بين النفي والثبات وعدم القدرة على الاستقرار على الرأي الواحد , ينفي الحقيقة ويلغي القيم , يشك من أجل الشك, مهما تأتيه من آية فهو لا يؤمن بها ويجحدها , ولو استيقنتها نفسه. وصدق الله العظيم إذ يقول:{ وقالوا مهما تأتينا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. } ( سورة الأعراف – الآية 132) وقال أيضا :{ وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب .} (سورة إبراهيم- آية 109)
صحيح أن الحواس قد تخدعنا ,والعقل هو الآخر قد يتيه ويضل .فهذه مجرد أدوات سخرها الله لنا للوصل على المعرفة, إن نحن أحسنا استعمالها في مجالها الطبيعي .وما كان الله ليذرنا على الضلال, والالتباس ,وعدم التمييز بين الحق والباطل .فبعث الرسل, وأنزل الكتب, ودعانا إلى إتباع الوحي ,ولم يتركنا فريسة لخداع الحواس وضلال العقل.فكانت له الحجة علينا .
أما النوع الثاني من الشك فهو شك من أجل التعلم ,ومنهج ,وطريقة للوصول إلى اليقين . ينسب عادة إلى ديكارت مؤسس العقلانية الحديثة , الذي دعا إلى نبذ التقليد ,ووضع كل أصناف المعرفة على محك الشك, إلى أن يبرهن عليها العقل,أو يقبلها لكونها بديهية واضحة بذاتها .ولقد وضع ديكارت أربعة قواعد لمنهجه ,واعتبرها ضرورية لكل من يريد أن يصل إلى المعرفة اليقينية هي :(1)الشك (2) التحليل (3)التركيب (4) المراجعة .
إن الشك المنهجي أو منهج التحري والتقصي ,وإن ارتبط في ذهن جل المفكرين بديكارت ,فهو تجربة قديمة فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يمارس عملية الشك في حواره مع الكون .كما يبدو ذلك في قوله تعالى { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قومي إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .}(سورة الأنعام 74-79).فهذا الحوار بين نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام وبين الظواهر الطبيعية ما هو إلا تأمل عقلي الغرض منه الوصول إلى المعرفة اليقينية وتجاوز الخرافات والأساطير المبعدة عن الله,والمقربة للأصنام , والمفسدة للدين والعقل ..إن تجربة الشك الإبراهيمي كما سجلها لنا القرآن الكريم في قوله تعالى :{ وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير قصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا }(سورة البقرة 26) تؤدي إلى تحكيم العقل, و استقراء الواقع .ومن ثم الوصول إلى الإيمان القلبي, والاطمئنان العقلي, وتجاوز الشك الذي يبعد صاحبه عن تحقيق غاياته, ويغرقه في الارتياب والوسوسة.وبالتالي الكفروالضلال .وصدق الله العظيم إذ يقول:{ قل يأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين. } (سورة يونس 104) .(ولنا وقفة أخرى مع موضوع آخر إن شاء الله )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *