Home»Régional»مفهوم – الحــــق – في الدرس الفلسفي بالثانوي : عشر سنوات من الألتباس

مفهوم – الحــــق – في الدرس الفلسفي بالثانوي : عشر سنوات من الألتباس

0
Shares
PinterestGoogle+

مفهوم "الحق" في الدرس الفلسفي بالثانوي: عشر سنوات من الالتباس

بشيء من الكاريكاتورية الدالة، يمكن أن نزعم بأن كل ما يبقى عالقا بذهن المتعلم من نظرية الحق الطبيعي الثورية هي صورة (وفكرة) الأسماك الكبيرة وهي تلتهم الأسماك الصغيرة الواردة في الصفحة 175 من الكتاب المدرسي للفلسفة، السنة الثانية من الشعبة الأدبية!! بالإضافة إلى فكرة أخرى، مجردة وغامضة، عن الإلزام والإلتزام…

عند نقل المعرفة من المستوى " العالٍم" إلى المستوى " المدرسي"،تحدث بالضرورة أشكال متعددة من التبسيط والاجتزاء والتقطيع وإعادة بناء وترتيب للمتن المعرفي موضوع " التحويل الديداكتيكي". ولاشك ان كل مادة دراسية تعالج مشاكل التحويل بطريقة الخاصة، بيد أن التحويل الديداكتيكي في مادة الفلسفة بالذات يواجه اكثر من غيره تحديات ومحاذير كثيرة بسبب شساعة وتنوع المتن المعرفي الممتد دياكرونيا عبر تاريخ الفلسفة الطويل وسانكرونيا غبر التنوع الهائل للمذاهب والأنساق الفلسفية، يضاف إلى ذلك تعدد القراءات والتأويلات التي يخضع لها المذهب الفلسفي الواحد
نود في هذه المقالة أن نسلط الضوء على حالة " تحويل ديداكتيكي" أفضت طوال عشر سنوات – وهي مدة المقرر الدراسي الذي انتهى عمره الافتراضي هذه السنة – أفضت إلى التباسات بل وتناقضات معرفية كثيرة، حرمت الفلسفة من الاطلاع الفعلي بوظيفتها التنويرية كأحد الفضاءات المتميزة للتربية على القيم، كما فوتت على المتعلمين فرصة الخروج بتصور للحق، واضح ومفيد من وجهة نظر أخلاقيات المواطنة،

يتعلق الأمر بدرس الحق وهو الدرس الثامن في ترتيب الدروس التي يحتويها الكتاب المدرسي للسنة الثانية من سلك الباكالوريا، هذا الكتاب المدرسي الذي ينفرد عن غيره من الكتب المدرسية – الفرنسية تحديدا والتي كثيرا ماحاكى تصوراتها وترسيماتها وطريقة بنائها الإشكالي في الكثير من الدروس – انفرد عنها هذه المرة بتقديم تصور فلسفي للحق وبالأخص لمقولة " الحق الطبيغي" ،نجمله في ما يلي:
"الحق الطبيعي، كما نجده عند كل من هوبز واسبينوزا، هو ذلك الحق الذي لايراعي من الماهية الإنسانية سوى بعدها البيولوجي الحيواني أي الأهواء والغرائز ، وبناءا عليه لابد من تجاوزه بحق ثقافي يستحضر، هذه المرة، المكون العقلاني والأخلاقي كالذي عبر عنه روسو
على الأقل هذا ماانعكس بشكل مرآوي في التآليف الموازية التي تملأ الأسواق وكذا في الملخصات المدرسية التي يمكن للمرء أن يعاين صداها وهو يقوم بتصحيح اوراق المترشحين القادمة بالضرورة من مدن أو مناطق أخرى
لن يفوت القارئ الحصيف طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا يؤسس كل من هوبز واسبينوزا الحق على ماهو طبيعي (المختزل هنا إلى القوة !) في مقابل روسو الذي يؤسسه على ماهو ثقافي (أي التعاقد)ء؟
هل يطابق هوبز واسبينوزا بين الحق الطبيعي وحق القوة والعنف والعدوان؟ والأخطر من ذلك هل ينظران لهذا الحق ويثمنانه ويرفعانه إلى مستوى المرجعية والمثل الأعلى مثلما يرفع روسو العقد الاجتماعي إلى مقام المثل الأعلى والفعل المؤسس للحق؟
ألا تنسحب عبارة "فلاسفة الحق الطبيعي" على روسو مثلما تنسحب على هوبز واسبينوزا ؟ وبالمقابل ألا ينسحب تعبير " فلاسفة العقد الإجتماعي" على هوبز واسبينوزا مثلما ينسحب على روسو؟

ومن أجل استحضار الوزن الحقيقي لمقولة الحق الطبيعي وقوتها النظرية في تاريخ الفلسفة السياسية، وكذا قوتها التحريضية الاحتجاجية في التاريخ السياسي، من خلال تصدرها لأكثر من إعلان من إعلانات حقوق الإنسان، هل ينبغي أن نقابل الحق الطبيعي بالحق الثقافي؟ أم بالحق الإلاهي اولا ثم بالحق الوضعي ثانيا؟ وإلا كيف نفهم النقد الموجه لمقولة الحق الطبيعي من طرف الوضعية القانونية؟

مقولتا "الحق" و "الحق الطبيعي" كما تمت معالجتهما في بعض الكتب المدرسية

قبل الخوض في المشروعية الفلسفية للتقابل الذي أقامه الكتاب المدرسي المقرر بين تصور كل من هوبز واسبينوزا من جهة و روسو من جهة أخرى، لابأس أن نعرض في البداية لنماذج من المعالجات التي خضعت لها مقولة الحق الطبيعي في بعض الكتب المدرسية مركزين بالخصوص على كتابين مدرسيين فرنسيين و ثالث مغربي.

1/

أما الكتاب المدرسي الفرنسي الأول فهو:
Parcours philosophiques, Terminal A, Nathan 1985
تأليف
Denis Huisman et autres

يقسم الدرس في هذا الكتاب عادة إلى أبواب تابثة:
pre-texte == استهلال
extrait === مقتطفات
grand texte === نصوص أساسية
leçon === الدرس

في هذا الكتاب، قدمت مقولة الحق الطبيعي على النحو التالي:

تحت باب الاستهلال :

يفتتح الدرس (الصفحتان 376 و 377) باعلان "حقوق الانسان والمواطن" للثورة الفرنسية،
مع تعليق تتخلله جملة من الأسئلة. نلخص كل ذلك كما يلي:
-من خلال ديباجته التي تستوحي نظرية الحق الطبيعي ومن خلال بنوده السبعة عشر، يكون هذا الاعلان قد حدد أهم حقوق الانسان وحقوق الأمة (…)

ثم نقرأ أسطرا بعد ذلك:
– هل الحق نقيض القوة؟ ألا يمثل بالأحرى أحد ادواتها؟

ومن خلال استعراض مختلف التناقضات التي واجهها إعلان الثورة داخليا (تعارض مصالح طبقات المجتمع الفرنسي)وخارجيا (الموقف من الرق وكونية الحق)، يطرح الكتاب الأسئلة التالية:

هل الحق طبيعي أم نتاج لمواضعة؟ هل تنحصر قيمته بالنسبة لمجتمع معين؟ أم أن هناك قانونا عادلا وأزليا تحاول القوانين الوضعية محاكاته بدرجات نجاح متفاوتة؟
ويضيف الكتاب:
– ينص إعلان 1789على أن حقوق الانسان طبيعية مقدسة وغير قابلة للتفويت، وإذا لم تكن الجمعية الوطنية تدعي بهذا الإعلان، اختراع حقوق، بل مجرد الكشف عنها و ونزع ماتراكم فوقها بسبب النسيان والجهل والاهمال،، فلأن المؤتمرين يستوحون روسو وايديولوجية الحق الطبيعي: من حيث أنهم ينيطون بالمشرع مهمة الاهتداء بالقانون الطبيعي الذي ليس شيئا آخر غير القانون الذي يمليه العقل. ومما ينص عليه هذا القانون العقلي- في المقام الأول – أنه لاحق لأحد بموجب الطبيعة في حكم شخص آخر أو السيطرة عليه

أما تحت باب ّنصوص أساسية"، فقد أورد الكتاب المدرسي المذكور نصا أساسيا بالفعل لصمويل بوفندورف من كتابه " واجبات الانسان والمواطن"، وعلى هامشه ثمان فقرات قصيرة من الكتاب نفسه لإضاءة النص المركزي
وقد قدم الكتاب لكل ذلك على النحو التالي:

مثل باقي منظري مدرسة الحق الطبيعي، يقول الفقيه الألماني صامويل بوفندورف بوجود "قانون طبيعي سابق على كل المواضعات الخاصة" وبهذا المعنى ستكون منهجية البحث عقلية مثالية صرفة، لأن اكتشاف هذا القانون الطبيعي يتم من خلال التأمل في مكونات الطبيعة الانسانية
ومن أجل تصور القوانين أو العقد الاجتماعي الذي سيختاره البشر لو استرشدوا بالعقل وحده، يتخيل بوفندورف – شأنه في ذلك شأن غروسيوس، هوبز،لوك، روسو،…إلخ – حالة طبيعة سابقة على حالة الاجتماع، حيث يفترض أن الناس عاشوا بدون أي نوع من المؤسسات

أما تحت باب "الدرس" فقد تناول الكتاب المدرسي مفهوم الحق من خلال ثلاث محاور:الحق والأخلاق-الحق الطبيعي والحق الوضعي- الحق والسياسة

2/

أما الكتاب المدرسي الفرنسي الثاني فهو:
philosophie, Terminal A et B, Hatier 1989
تحت إسراف
Laurence HANSEN-LOVE et Florence KHODDES .

وقد تناول هذا الكتاب مفهوم الحق عبر المحاور التالية:
-ما هو حق وماهو فعلي واقعي؛
-حق القوة: حيث تمت الإحالة على كاليكليس وميكيافيلي والنقد الروسوي المعروف؛
-تعدد وتعقد مصادر الحق والتشريں
-القانون كقاعدة للحق؛
-القانوني والمشروں
– "بأي حق؟" وفي هذا المحور بالضبط نعثر على مقولة "الحق الطبيعي".
يقول الكتاب:
" عند تصديهم لمشكلة المرجعية والتأسيس، صاغ الفلاسفة مفهوم الحق الطبيعي، ووضعوه مقابل الأنساق الاصطناعية النسبية للحق الوضعي (…) وقد شكل مفهوم الحق الطبيعي دعامة لكل الحركات الاحتجاجية ضد الانظمة القائمة (…) وهذا ماعبرت عنه ديباجة إعلان 1789 (…)

ولم يفت مؤلفي هذا الكتاب المدرسي الإشارة إلى:

" أن مفهوم الحق الطبيعي مفهوم إشكالي، فكبير الأسماك محتم عليها بحكم الطبيعة أن ياكل صغيرها (…) كما قال اسبينوزا، فهل هذا هو الحق الذي ندعي تأسيسه؟ ألا يجدر بنا أن نقول مع كيلسن بأننا لانقبل بوجود معايير محايثة للطبيعة إلا إذا جعلنا هذه الأخيرة محلا لإرادة إلاهية"

3/

أما الكتاب الثالث فهو كتاب مغربي يحمل عنوان " دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان" أصدرته وزارة التربية الوطنية بالاشتراك مع وزارة حقوق الإنسان، وقد صدر عن مطبعة المعارف الجديدة، بدون تاريخ

رب معترض يقول: بأن " الدليل المرجغي.." ليس "مرجعا " فلسفيا ! نعم، ولكنه دليل أصدرته نفس الوزارة التي أصدرت الكتاب المدرسي وكلا الكتابين موجهان للمتعلم ويطمحان في المساهمة في تكوين النشء في نفس المجال " حقوق الإنسان".

يقول هذا الدليل في الصفحة 137:
وأصحاب الإتجاه العقلي في مدرسة ( الحق الطبيعي) وضعوا نصب أعينهم تخليص الفلسفة السياسية من تأثير الكنيسة الكاثوليكية وكذا تأسيس الحق على الإرادة والعقل البشريين. كما أنهم جميعا تقريبا يقولون بفكرة العقد الاجتماعي بل إن أصحاب المدرسة التعاقدية ( هوبز – لوك -روسو) قد استعاروا منهم الكثير من الأفكار. ولعل هذين الاتجاهين يلتقيان في جعل العقل أساس الحق، وفي إفساح المجال للإرادة والفعل البشريين، وكذا في تأسيس كل من السلطة واللمجتمع على أساس التعاقد"

أما في الصفحة 135 فنقرأ:
" وبغض النظر عن الفروق التي تفصل بين رواد نظرية العقد الاجتماعي (بوفندورف- هوبز-لوك-روسو)، فإن بالامكان إبراز بعض السمات المشتركة (…)"ء

4/ خلاصة عامة:

أين هو إذن التعارض المزعوم بين حق طبيعي، حيواني، مختزل إلى حق القوة وحق ثقافي، إنساني؟
أين نعثر على ذلك التأويل الذي انفرد به الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة، والذي تم بموجبه إعلان "إفلاس مقولة الحق الطبيعي" لصالح "حق ثقافي" ؟
ألا نلاحظ أن قيمة مقولة الحق الطبيعي في الفلسفة السياسية لاتدرك إلا بوضعها في تقابل مع أو على ضوء نظرية الحق الإلاهي أولا، ثم على محك الحق الوضعي، وكذا تيار الوضعية القانونية ممثلا في هانز كيلسن؟

المعنى الغائب أو المغيب لمقولة " الحق الطبيعي"

لابد من التنويه بداية بأن التصور الجديد لدرس الحق كما هو وارد في التوجيهات التربوية الجديدة الخصة بالسنة الثانية (نونبر2006) قد تدارك الأمر ورفع الالتباس جزئيا بأن جعل المحاور المقترحة كالتالي:
– الحق بين الطبيعي والوضعي
-العدالة كأساس للحق
– العدالة بين المساواة والانصاف
كما أن الإشكالية الأساسية أصبحت هي:
مشروعية قواعد الحق التي تنظم الحياة داخل مجتمع ما

لكننا الآن بصدد المقرر "القديم"…
قبل أن يفسح الكتاب المدرسي المجال للوضعية القانونية لتنتقد فكرة الحق الطبيعي، كانت هذه الأخيرة قد جردت فعليا من أية قيمة عند مقابلتها سابقا بمقولة "الحق الثقافي"!!ء
وهناك مفارقة صارخة. تتمثل في ان الكتاب المدرسي اورد بالفعل نصوصا تقدم تصورا واضحا لمقولة الحق الطبيعي ، ويتعلق الأمر تحديدا بنص لـــ شيشرون ص185 و آخر لــــ ستراوس ص193، ولكن العرض المؤطر للدرس تجاهل هذين النصين وأغرق مقولة الحق الطبيعي في جدال عقيم مصطنع مبني حول التعارض حق طبيعي/حق ثقافي. والأدهى من ذلك ان يتم توظيف النصين المذكورين بعد ذلك ضمن محور/إشكالية " الحق بين الإلزام والالتزام"!!ء

يحدد الكتاب المدرسي الدلالة الأولى "للطبيعة" و " الطبيعي" من حيث هي مكون لماهية الإنسان كعضوية يشترك فيها مع سائر الحيوانات، وتبعا لذلك كمجموعة من القوى العمياء: غرائز ونزوات.."ء
ومن المنطقي أن يخلص الكتاب المدرسي إنطلاقا من مثل هذا التعريف وبعد صفحتين من التحليل إلى حدود وتناقض فكرة الحق الطبيعي، وإلى إفلاس القول بــ "الحق الطبيعي" القائم على المقومات الجسدية للفرد
وأن الحديث عن الحق لايستقيم إلا انطلاقا من الميزة النوعية للإنسان والمتمثلة في كونه حيوانا عاقلا واجتماعيا.. وثقافيا
ليس هناك اعتراض على التعريف أو الفهم السابق للطبيعة، وصحيح أن الكتاب المدرسي يذكر مرتين أن في أساس كل حق مدني يوجد حق طبيعي محايث لذات الإنسان…، ولكن كيف تم التوصل إلى هذه الخلاصة انطلاقا من التحليل السابق الذي اختزل الطبيعي في البيولوجي؟ و هل يحتاج الأمر فعلا إلى ثلاث او أربع صفحات لإتثبات استحالة تأسيس الحق على الطبيعة بمعنى القوة والعنف والاندفاع؟ ألم نهمش الدلالة الأخرى، الدلالة الأهم لمفهوم "الطبيعي" في عبارة " الحق الطبيعي" ألا وهي الطبيعي بمعنى المستقل والسابق على الثقافة والمواضعة، ماهو كوني، مايشتق من طبيعة الشيء، ما ينبغي أن يتمتع به الإنسان لمجرد كونه إنسانا بغض النظر عن ملابسات المواضعة الثقافية

ذلك هو المعنى الذي عبر عن منذ القديم شيشرون ، و الذي يمكن ان نقرأه واضحا في النص النص المذكور أعلاه. يقول شيشرون: اقتباس:
لايوجد عبث أكبر من الاعتقاد بأن كل ماهو منظم بواسطة المؤسسات أو قوانين الشعوب عادل (…)ولو كانت إرادة الشعوب ومراسيم الرؤساء وأحكام القضلاة تحدد الحق ، لكان كافيا التصويت على إعطاء المشروعية للزنا واللصوصية وتزوير الوصايا وقبولها من قبل الجمهور لتصبح حقا(…) فلكي نميز قانونا حسنا عن آخر قبيح، لانتوفر على قاعدة غير الطبيعة

ذلك أيضا هو المعنى الذي يشدد عليه ليو ستراوس في كتابه "الحق الطبيعي والتاريخ". يقول ستراوس في نصه المذكور أعلاه: اقتباس:
"إن رفض الحق الطبيعي يعني ان كل حق فهو وضعي، وبعبارة أخرى أن الحق من وضع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان دون سواهم. ومن البدييهي ان يكون معقولا تماما وأحيانا من الضروري الحديث عن قوانين وقرارات جائرة, وإقرار مثل هذه الأحكام يلزمنا بإقرار وجود معيار لما هو عادل ولما هو ظالم يكون مستقلا عن الحق الوضعي ويسمو عليه: معيار يمكن بواسطته تقييم الحق الوضعي"

ومن المهازل التي ترسخت بالتقادم وانتشرت بسبب الكسل المعرفي، أن تصدر رغم هذا النص الصريح مجموعة من المؤلفات الموازية الموجهة للمتعلمين تنسب إلى ليو ستراوس رفضه لمقولة الحق الطبيعي!!!وربما صنف ضمن التيار الوضعي..

نقرأ في "Encyclopedia Britanica" مايلي: اقتباس:
"يشير الحق الطبيعي في الفلسفة إلى الحق والعدالة التي لاتستثني أي فرد من النوع البشري والمشتقة من الطبيعة لا من قواعد المجتمع أو القانون الوضعي"

.
وتبدأ هذه الموسوعة البريطانية في عرضها لمقولة الحق الطبيعي بالفلسفة اليوناننية، مرورا بآباء الكنيسة وصولا إلى تعريف Grotius الأب الفعلي للنظرية في شكلها المعاصر والذي يؤكد على " أن صلاحية الحق الطبيعي تظل قائمة، حتى لو افترضنا عدم وجود إلاه أو عدم مبالاته بشؤون البشر"
وتتابع الموسوعة قائلة: اقتباس:
" يقف هوبز وغروثيوس على رأس مايعرف بمدرسة الحق الطبيعي التي حاولت- في إطار المنحى العام لفلسفة الأنوار – أن تشيد نسقا حقوقيا كاملا مستنبطا عقليا من حالة طبيعة مفترضة أعقبها تعاقد اجتماعي"

ونقرأ أيضا في معجم لاروس للفلسفة ص:72 تحت مادة "حق" : اقتباس:
" يتقابل الحق مع الواقعي تقابل المشروع مع الأمر الواقع، ونميز بين الحق الطبيعي الذي تنتسب إليه كل النظريات التي تؤسس العلاقات الإنسانية على طبيعة الإنسان وميولاته وتطلعاته الوجدانية (روسو، فيخته) مع الحق الوضعي القائم على التقاليد والأعراف والقوانين المكتوبة"ء

بيد أن الكتاب المدرسي لايكتفي بتجاهل هذه الدلالات الأساسية لمقولة الحق الطبيعي، ولا يقف عند حد مقابلة ما يسميه "التصور الطبيعي" بــ "التصور الثقافي" على النحو الذي ذكرنا، بل يعمق الالتباس المفاهيمي فيضيف حدا ثالثا هو "التصور التعاقدي"، قبل أن يضع كل هؤلاء مقابل التصور الوضعي كما يمثله "كيلسن" والمدرسة الوضعية القانونية
لكننا بيننا سابقا بأن مايسمى "التصور الطبيعي" – وبالمعنى الذي قدم به للمتعلمين كحق القوة والغرائز العمياء -لايشير إلى موقف فلسفي أو حتى وجهة نظر داخل الفكر السياسي، فما من أحد تجرأ على الزعم بأن الحق يتأسس أو ينبغي أن يتأسس على القوة الصرفة العارية من كل تبرير ثقافي.
يبدو انه قد حدث في الكتاب المدرسي انزياح دلالي خفي من "حق القوة" إلى "الحق الطبيعي". بالنسبة للحد الأول، فقد بين روسو جيدا ان فكرة "حق القوة" فكرة متناقضة على المستوى المنطقي و عارضة زائلة على المستوى الواقعي. ولكن روسو يستخدم مع ذلك كما سنرى لاحقا مقولة "الحقوق الطبيعية" ويستخدم نعت " طبيعي" لوصف حقوق أساسية محايثة لماهية الإنسان لايتصور تجريده منها !!! فهل وقع روسو في التناقض؟؟!!

بعد هذا التوضيح لدلالة "الحق الطبيعي" التي تم تغييبها في درس الحق، لأسباب ايديولوجية ربما سنحاول أن نفهم كيف نُسِب إلى كل من هوبز واسبينوزا تصور فلسفي يؤسس الحق على ماهو طبيعي بمعنى العنف والعدوان والقوة؟
الحقيقة أن ما كان عند هوبز واسبينوزا مجرد استنباط عقلي من حالة مفترضة، هي حالة الطبيعة، بما هي حالة زائلة ومدعوة إلى الزوال، وضرورة زوالها هي مقدمة منطقية للبرهنة على ضرورة التعاقد في المرحلة اللاحقة كمصدر وحيد لشرعية التنظيم الاجتماعي والحكم السياسي، كل هذا تحول في الكتاب المدرسي إلى نظرية فلسفية قائمة توضع في مقابل نظريات أخرى. والحال كما نقرأ في
Encylopedia Universalis
تحت مادة " حق طبيعي"، : اقتباس:
"تنحدر بالتدريج فعالية الحق الطبيعي، المحدد بقدرة ورغبة الفرد، إلى الدرجة الصفر بسبب حالة الصراع المعمم واللاستقرار والخوف التي ينشرها، وهنا يلتقي هوبز واسبينوزا: إذ لايمكن تصور الحق الطبيعي عندهما إلا داخل فضاء أسطوري، فضاء متخيل أكثر منه واقعي"

سنحاول، في الجزء التالي، أن نسلط بعض الضوء على الفلسفة السياسية لكل من هزبز واسبينوزا وروسو ومشكلة تصنيفها
نشرت المقالة أول مرة في :
www.kitab.hijaj.net

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *