عبد اللطيف الراس/ شاعر يابى ان تكون الحداثة جثة نتنة في كفن من حرير

عبد اللطيف الراس, شاعر يأبى ان تكون الحداثة "جثة نتنة في كفن من حرير"
عزيز باكوش
يراهن الشاعر عبد اللطيف الرأس في ديوانه الشعري الجديد الصادر حديثا عن مطبعة البلابل بفاس , والذي وسمه ب" الحب تراتيل" على ان القصيدة العمودية هي قصيدة كل الأزمنة, بشرط لا ثاني له, ان يكون صاحبها ,شاعر القصيدة بحق , وليس متطفلا على الشعر.
الديوان المومإ إليه, باكورة المبدع , وبوابته الى ديوان العرب , صدر في غلاف منمنم , وفي 72 صفحة من الحجم المتوسط . لكن قصائده 24 وان كانت تتقاطع في الصور والرؤى والأحاسيس الدفينة المعرضة لانفعالات الواقع الاجتماعي والمحيط النفسي للمبدع , إلا أنها تتوحد في الإيقاع ..وتتنوع في بحوره ومرافئه… لتعلنه في نهاية المطاف شاعرا يأبى ان تكون الحداثة "جثة نتنة في كفن من حرير " انه انجاز, وانتصار لتأزيل القصيدة الشعرية عمودية بامتياز.
جاء في المقدمة التي دبجها الشاعر المغربي الدكتور محمد بنعمارة الذي حملت الأخبار اليوم 12 من ماي 2007 نبا فقدانه كأحد أعمدة القريض العربي في المغرب , تحت وطأة مرض عضال . ان مبدع" الحب تراتيل" , شاعر دخل قلعة الشعر من أبوابها, ومع انه لم يحمل من الأدوات غير الناي الذي ينفخ فيه من هواجسه ولطائفه , ونار العبارة الغارقة في لهيبها وإيقاعها. فقد اختار قبلة النسور, وفضل ان يركب جموح الخيل التي لا تسلم الزمام إلا لمن أحاط بعلوم الفروسية وأسرارها. كما يقول المرحوم بنعمارة.
في قصيدته "ياشاعر الحب ولى زمن النبوة, التي يهديها الى أستاذه الشاعر المرحوم محمد بنعمارة يقول:
مات الذي فجر الألحان يسكبها**كما العصافير تشــجو كان منهملا
مات الذي أسمع الأسحار أغنية**أصـغى لها الملك المعصوم واحتفلا
ما شيع الناس هذا الحب أو ذرفوا **دمعا عدا شاعر ماكف ما احتملا.
وفيها من النعي لروح الفقيد سبق وإصرار.
وعبد اللطيف الرأس الموظف حاليا بإدارة السجن المدني بفاس, مبدع من طينة خاصة , وهو الى ذلك , من القلة التي أصبحت نادرة في" زمن شع فيه الشعر وقل فيه الشعراء" وهو كما يحلو له " من تلك الفئة التي لا تنتظر التصفيق, ولا تستعين بالأنصار, ولا تدعي لنفسها ما يدعيه غيرها لنفسه.
التقيت الشاعر عبد اللطيف الراس ابن تازة الهائمة وسط الفجاج , خلال حفل فني بمقهى ايريس الأدبي ,أمسية ذات حمولة فرح لولا ان احتكر صانعو يومياتها الزجل.. الزمن كله, حتى أنهم لم يتركوا هامشا للشاعر كي يقرا قصيدة, حز في نفسي ذلك , وهو الذي تجشم عناء الوقت , والتهم المسافات , ليشهد اندحار الرغبة.
من ينقب في ذاكرة عبد اللطيف الراس , لن يعثر بالتا كيد سوى عن شيئين ,فاكهة اسمها الشعر, تتلوها رغبة دفينة محمومة في بذله وتوزيعه بالقسط على فقراء القلعة , ودراويشها , والمستضعفين الراغبين . ومقولة تقدس الشعر على منوال " لو استجاب العالم لصوت الشعر لكانت حياة الإنسان أفضل حال ومآل".
في قصيدته "همسة" يصدح:
انا شـاعر من عكاظ أذوب ** من العشق والشعر عندي نديم
أخوض القصيد أصيد القوافي ** ألاطم أمواج بحـــري أعوم
فأيتها الريح ثوري كموج ** فاني هنا صخرة لاتريــــم.
وفي الالق نفسه, يخفي الشاعر قناعته الفنية, التي ورثها عن أسلافه الذين جعلوا من الشعر طريقا يسير فيه كل من يختار حتفه داخل الكلمات ,وبنوا في سوق عكاظهم , معجزاتهم السبع التي تعلق في الوجدان.
في كل مرة تأبى الصدفة لقاءه , يستوقفني كبرياء الشعر, ويهزني من أذني مفهوم الشعر عند شاعرنا, اذ هناك , في القافية ,"لا تلغي الذات موضوعها , ولا يلغي فيه الموضوع ذاتية الذات المبدعة".
هل انزوي ابتـغي هامتي قزما**أو بيدقا في يد النخاس يسلمـني
مستهلكا صحف الأشياع تقرضني**ذات اليمين وفي الأخرى تشملني
ينخرط عبد اللطيف الراس في زمن القطف الإبداعي , يجني العناقيد ,ويعصر عنبها , ويصبها قصائد في كؤوس البحور الشعرية التي لا يتخلى عنها.
حضور/مزيفون/مقدمة للشعراء الآخرين/ياشاعر الحب ولى زمن النبوة/من البرج الى الشارع/مزامير لفاس والميلاد/ النار للشعراء /رياحين/ مبالغة/عروس الضفاف….قصائد توحي بانحدار الموسيقى الآتية من عصور الشعر" وتمنح المتلقي القدرة على التوقف.. انه البحث عن اللفظ الأنيق ,وانتقاء والجملة الرشيقة , والغوص في أعماق المعنى المنبثق من بين كيان الشاعر وكينونة الشعر".
والشاعر الى ذلك ,مسكون بالنار الإبراهيمية " وفي نجيب ومخلص للفراهيدية" التي هي برد وسلام على الشعراء الذين لا تنحني قاماتهم أمام سدنة التنظير الثقافي".
ومادام الأمر كذلك فشاعرنا" لا يطأطأ الرأس ولا ينزل الى السهل له ,كأجداده الذين ملؤا الدنيا وشغلوا الناس ,ذلك الجناح الذي يرفعه الى القمم.
إلا أنا احتفي بالشعر مائدتي**هذا رغيفي وهذا شرعتي وثني
ان أمثال هذا الشاعر يكتفون بعشقهم الشعري ويعتبرون أنفسهم أحفادا للمتنبي , لا يحتاجون الى مواعظ فقهاء الحداثة ولا يتبعون قافلة التنظير المحاطة برافعي الرايات , والمهرجين والمريدين والاشياع , والمسبوقة بملصقات الإشهار.
ولا حاجة للتأكيد انه من طينة الذين يتابعون ما يجري في سوق الشعر تنظيرا وانجازا , إلا انه من الذين لا يسقطون في فخ" انقل هذا التموين" وكن معنا لتكون شاعرا كبيرا وحداثيا تحرسه عناية الكتبة.على حد تعبير شعرنا المجيد بنعمارة.




2 Comments
فعلا » لو استجاب العالم لصوت الشعر لكانت حياة الإنسان أفضل حال ومآل ».
انا تدي بعض الحفض ساناقشك لاحقا