Home»Régional»دور الشعر في ترسيخ التربية الإسلامية في نفوس الناشئة

دور الشعر في ترسيخ التربية الإسلامية في نفوس الناشئة

1
Shares
PinterestGoogle+

معلوم أن الأمم تراهن على ناشئتها من خلال سياسة تربوية تصون كيانها وتحفظ وجودها بين الأمم ؛ والأمة المغربية التي أراد لها الله عز وجل عزة الإسلام اختارت ومنذ قرون أن تكون تربيتها تربية إسلامية ؛ وهو خيار لا بديل عنه مهما كانت الظروف. والمقصود بالتربية الإسلامية هو غير ما يفهم من الدلالة على مكون دراسي يدرج ضمن المكونات في برامج تعليمية تخضع لها الناشئة ؛ وإنما المقصود به هو ممارسة الحياة بطريقة إسلامية بحيث تعكس السلوكات المعتقدات الخاصة بهذا الدين.
ولقد سجل التاريخ صيانة المغاربة للهوية الإسلامية عبر قرون حتى كان زمن الاستعمار البغيض الذي حاول استبدال التربية الإسلامية بالتربية الغربية ؛ وهو ما لم يرضه المغاربة وقاوموه بشدة وعنف مما زادهم تمسكا بتربيتهم الأصيلة التي كانت تنبع من المؤسسات والمعاهد الدينية التي كان يسهر عليها العلماء المقاومون المجاهدون. وبعد رحيل الاستعمار البغيض استمرت محاولات استبدال التربية الإسلامية بالتربية الغربية عن طريق الإغراءات وبواسطة الضمائر المأجورة والمستلبة ؛ ولكن الصحوة الإسلامية وقفت بالمرصاد لكل محاولة تغريب.
وبالرغم من الاملاءات الخارجية المباشرة وغير المباشرة لتغيير مختلف وجوه الحياة الإسلامية في بلادنا وكل بلاد المسلمين لفائدة الحياة الغربية بدءا بمدونات الأحوال الشخصية وباقي المدونات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية ؛ وانتهاء بالبرامج الدراسية ليصير الكل وفق النموذج الغربي فإننا ولله الحمد لا زلنا نتمتع بمناعة دينية قادرة على صيانة تربيتنا الإسلامية التي تصون بدورها كياننا وتحفظ هويتنا المستهدفة.
لقد أريد للبرامج الدراسية أن تكون وفق مواصفات تعكس الحياة الغربية أكثر مما تعكس الحياة الإسلامية ولكنها مع ذلك جرت رياحها بما لم تشته سفن التغريب فجاءت بحمولة ثقافية إسلامية تنمي كفايات ناشئتنا بشكل ايجابي إذا ما توفرت النوايا الطيبة عند من عهد إليهم بمسئولية التربية.
فمقرر مادة اللغة العربية على سبيل المثال في السلك الثانوي التأهيلي تضمنت كتبه الجديدة أرصدة أدبية هامة خصوصا الأرصدة الشعرية التي تكرس مفهوم التربية الإسلامية في نفوس الناشئة ؛ وسنقف عند بعضها وقفة الذكر لا وقفة الحصر كما يقال.
ففي كتاب النجاح في اللغة العربية الخاص بمستوى الجذوع المشتركة في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية نصادف تحت مجزوءة من المجزوءات نصا شعريا مشهورا للإمام شرف الدين البوصيري والمعروف بالهمزية التي مطلعها ( كيف ترقى رقيك الأنبياء). لقد كان هذا النص يدرج ضمن ما كان يسمى بشعر عصر الانحطاط حسب التقويم الاستشراقي ؛ وهي حيلة غربية لصرف الناشئة عن القصيدة النبوية التي تعكس التربية الإسلامية . وخيرا فعل المبرمجون عندما أدرجوا هذه القصيدة في المقررات الجديدة لتصحيح فكرة الانحطاغ ولقلب معادلة: ( أعذب الشعر أفجره).
فهذه القصيدة تضمنت من بين ما تضمنته قول الشاعر:
ما مضت فترة من الرسل إلا بشرت قومها بك الأنبياء
هذا البيت يعكس عقيدتنا الراسخة وهي الإيمان بخاتمية رسالة الإسلام ؛ وهي بشارة بشر بها الأنبياء من لدن آدم إلى عيسى عليهم صلوات الله وسلامه. والناشئة عندما تقف عند هذا البيت تشعر بالزهو والافتخار لأنها من أتباع هذا النبي ؛ والتبشير به هو تبشير بأمته والناشئة من أمته ؛ وعلينا أن نتصور اعتزاز الناشئة بأنفسهم كمسلمين بشرت بهم الرسالات السماوية.
ومن ضمن ما جاء في القصيدة قول الشاعر أيضا:
لا تقس بالنبي في الفضل خلقا فهو البحر والأنام اضاء
والاضاء جمع أضاة وهو الغدير؛ فلو قدر للمتنبي أن يسمع هذا البيت للبوصيري لتنازل عن سبقه حيث يصف كافور الإخشيدي بهذا الوصف في قوله : ( ومن قصد البحر استقل السواقي) فشتان أن يمدح الرسول بهذا الوصف ؛ وأن يمدح به غيره خصوصا وقد ثبت كذب وصف المتنبي بعدما ترك كافورا وهجاه فكان شعر المتنبي محض غواية بينما ظل شعر البوصيري شعر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالموصفات التي حددتها سورة الشعراء التي ذم فيها الله شعرا ومدح آخر.
ومن القصائد ذات الحمولة الثقافية الإسلامية المكرسة للتربية الإسلامية في نفس الكتاب قصيدة الفلاح المغربي للشاعر علال الفاسي ومطلعها :
سيد الشعب والبلاد المفدى صار من كثرة التعاسة عبدا
وفيها يعرف الشاعر بشخصية الفلاح الإسلامية من خلال قوله :
دينه الدين ليس يغمره المنــــــــــــــــــــطق أو يبتغي سوى الله قصدا
عرف الله من قرارة قلب هام بالكون والطبيعة وجدا
مجده المجد من سواعده تم ومن رغبة الحياة تبدى
هذه صورة الفلاح كما تقدمها التربية الإسلامية التي يصدر عنها الشاعر فهو سيد بساعديه يشقى ليسعد ؛ وهو صاحب دين لا تشوبه الشوائب ؛ دين الفطرة ؛ وهو يجيد الاستخلاف في الأرض كما يريده الخالق سبحانه.
ومن قصائد هذا الكتاب المدرسي أيضا على سبيل الذكر دائما لا الحصر قصيدة ابن هانئ الأندلسي في وصف سفن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي والتي منها قوله :
أما والجواري المنشآت التي سرت لقد ظاهرتها عدة وعديد
والبيت يستوحي القرآن الكريم في وصف السفن الجارية ؛ وهو يوحي بعقيدة الإعداد للعدو ؛ فقد كانت سفن المعز عبارة عن حراقات تضرب بالنيران وكانت تتوفر على العدة المطلوبة شرعا ( واعدوا لهم ما استطعتم) ولقد اغتنم الشاعر الفرصة لوصف نار الحراقات للتذكير بنار جهنم بطريقة الإشارة اللطيفة ؛ وذكر جهنم من المعتقدات الإسلامية المغيبة التي تعدل من السلوكات باعتبارها رادعا للأهواء وفي هذا يقول الشاعر :
إذا زفرت غيظا ترامت بمارج كما شب من نار الجحيم وقود
فالصورة أحالت مباشرة على الجحيم وكانت الفرصة سانحة للتذكير والوعظ فضلا عن التذوق.
وأما كتاب المنير في اللغة العربية في نفس المستوى ونفس الشعبة فيتضمن قصيدة الشاعر عبد العزيز الفشتالي تحت عنوان : ( سر طينة آدم) ومطلعها:
ما بال طيفك لا يزور لماما وبمنحنى الأحشا ضربت خياما
وفيها يصف الرسول الأعظم صلوات الله عليه ويقول :
خير الأنام محمد الهادي الذي أردى الضلال وجب منه سناما
كنز العوالم سر طينة آدم ولحفظ ذاك السر جاء ختاما
هذا النص أيضا يشير إلى قضية ختامية الرسالة المحمدية وهو يحقق نفس الهدف التربوي الذي اشرنا إليه عند ذكر بيت البوصيري.
ومما جاء في قصيدة الفشتالي:
وعن الشفاعة أحجموا وتقاعسوا جزعا فقال أنا لها إقداما
هذا البيت يشير إلى حقيقة غيبية يوم القيامة عندما يفزع الناس إلى الأنبياء والرسل يطلبون الشفاعة من هول يومئذ فيحجم الأنبياء ولكن يقول محمد صلى الله عليه وسلم : أنا لها أي الشفاعة وهذا الأمر هو الذي يردده المسلمون عقب سماع كل أذان بقولهم دعاء للنبي عليه السلام : ( وابعثه المقام المحمود الذي وعدته) وهو مقام الشفاعة الكبرى المقصود بقوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ).
ومما جاء في هذه القصيدة أيضا قول الشاعر:
أسرى إلى السبع العلى فاستقبلت زمر الملائك وفده إعظاما
ودنا لسدرتها فأحجم واقفا من دونها الروح الأمين زحاما
وفي هذا إشارة إلى تشريف النبي الكريم الذي يدخل السدرة ولا يدخلها جبريل الأمين بالرغم من قدره تقديرا للرسول وهو ما يبعث العزة في نفوس المؤمنين من ناشئتنا التي تتخذ منه مثالها الأعلى. وكل تشريف للنبي هو تشريف لأمته لأن الله تعالى يقول : ( محمد رسول الله والذين معه ) . وفي البيت الأول إشارة إلى حدث الإسراء والمعراج وهو من صميم العقيدة ويذكر ببيت المقدس كمطلب لا يمكن أن ينسى طالما ظل المسجد الأقصى أسيرا؛ فمثل هذا الشعر يذكر المسجد الأقصى عند الناشئة.
وأما كتاب في رحاب اللغة العربية ففيه شعر المفاخر الإسلامية ؛ ومنها مفخرة الخليفة سيف الدولة الحمداني ؛ ومفخرة الخليفة يعقوب المنصور الموحدي . والمفخرة الأولى سجلها المتنبي عندما وصف سيف الدولة في ميميته : أين أزمعت أيهذا الهمام نحن نبت الربى وأنت الغمام
وفيه يقول : في سبيل العلا قتالك والسلـــــــــــــم وهذا المقام والاجذام
فهذا الشعر يقرب مفهوم الحرب والسلم في الثقافة الإسلامية ؛ فالحرب والسلم في سبيل الله لا غير؛ عكس ما يروج عن الإسلام من عدوان وإرهاب وهذا يبعث العزة في نفوس الناشئة والثقة بدينهم.
والمفخرة الثانية سجلها أبو العباس الجراوي في حق المنصور الموحدي في قصيدة :
بحد عزمك نال الدين ما طلبا وأحجم الشرك عن إقدامه رهبا
وأيقنت ملة الإسلام أن لها بك الظهور على الأعداء والغلبا
هذا كلام يملأ نفوس الناشئة زهوا واعتزازا بتاريخهم الإسلامي المجيد ؛ والمغاربة تربوا على سنة البيعة وعلى حب الخلافة التي قال فيها الشاعر :
إن الخلافة نالت من محاسنكم أوفى الحظوظ فأبدت منظرا عجبا
أعلى المراتب من بعد النبوة قد حباها الله أعلى الخلق وانتخبا
إن الخلافة هي الإمامة العظمى شرعا وهي من صميم اعتقادنا ؛ وسميت خلافة باعتبار النبوة فالخلفاء خلفوا النبي الكريم دينا وخلقا وسياسة لهذا كانت الخلافة مقدسة ؛ وبمثل هذا الشعر تحظى باحترام الناشئة خلاف ما نال مثيلتها في التربية الغربية من ازدراء.
وأما كتاب النجاح في اللغة العربية والخاص بمستوى السنة الأولى بكالوريا شعبة الآداب والعلوم الإنسانية فيتضمن من بين ما يتضمن قصيدة البحتري :
هل دين علوة يستطاع فيقتضى أو ظلم علوة يستفيق فيقصر
وفيها يذكر مفخرة الخليفة المتوكل على الله العباسي بقوله :
الله مكن للخليفة جعفر ملكا يحسنه الخليفة جعفر
نعمى من الله اصطفاه بفضلها والله يرزق من يشاء ويقدر
ههنا دلالة عقدية مفادها أن الله سبحانه هو الرازق المعطي والمانع والمذل المعز ؛ وههنا أيضا إشادة بالخلافة فهي ظل الله في الأرض ؛ والله يصطفي لها من خلقه على غرار اصطفاء الأنبياء للنبوات.
ومما جاء في القصيدة أيضا :
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا لما طلعت من الصفوف وتبروا
حتى انتهيت إلى المصلى لابسا نور الهدى يبدو عليك ويظهر
ومشيت مشية خاشع متواضع بالله لا يزهى ولا يتكبر
فلو أن مشتاقا تكلف غيرما في وسعه لسعى إليك المنبر
هذه صورة جميلة لخليفة عظيم بعظمة الإسلام طلعته تذكر بالنبوة وهو يمشي إلى المصلى خاشعا لله ؛ وكذلك حال الخليفة فهو إما مجاهد أو عابد وتلك هي التربية الإسلامية التي يجب أن تغرس في نفوس الناشئة. ويزيد الشاعر في وصف الخليفة قائلا:
ووقفت في برد النبي مذكرا بالله تنذر تارة وتبشر
ومواعظ شفت الصدور من الذي يعتادها وشفاؤها متعذر
وهذه أجمل صورة لخليفة يجمع بين السياسة والعلم والخطابة والوعظ والإرشاد ليكون قدوة حسنة للرعية وما أحوج العالم إلى هذا النموذج من الساسة وما أبلغ الدرس بالنسبة للناشئة في زمن طغيان الساسة وافتقارهم للتربية بله الدعوة إليها.
وفي كتاب الممتاز في اللغة العربية الخاص بنفس المستوى ونفس الشعبة نصادف قصيدة شاعر الرسول عليه السلام حسان بن ثابت:
أهاجك بالبيداء رسم المنازل نعم قد عفاها كل أسحم هاطل
وفيها يقول :
نصرنا وآوينا النبي وصدقت أوائلنا بالحق أول قائل
وفي هذا إشارة إلى نصرة النبي وتصديقه بعد هجرته؛ وهي من مقومات شخصيتنا الإسلامية ؛ والناشئة تشعر بالفخر والاعتزاز بهذه النصرة التي تظل متجددة خصوصا في ظروف الإساءة للنبوة التي يعيشونها في هذا العصر.
وفي الكتاب ودائما على سبيل الذكر لا الحصر قصيدة الشاعر عبيد الله بن قيس الرقيات التي مطلعها:
أقفرت بعد عبد شمس كداء فكدي فالركن فالبطحاء
وفيها يقول :
لو بكت هذه السماء على قــــــــــــــــوم كرام بكت علينا السماء
نحن منا النبي الأمي والصـــــــــــديق منا التقي والخلفاء
وقتيل الأحزاب حمزة منا أسد الله والسناء سناء
وعلي وجعفر ذو الجناحيـــــــــــــن هناك الوصي والشهداء
والزبيرالذي أجاب رسول اللــــــه في الكرب والبلاء
هذه الأبيات تشير إلى صحابة رسول الله بالذكر الطيب بعيدا عن التفرقة والتفضيل والتعصب لهذا دون الآخر؛ وهم نماذج الشخصية الإسلامية إيمانا وشهادة وشجاعة وتضحية ؛ وهذا من شانه أن يجعلها محبوبة في نفوس الناشئة عكس ما يراد لها عندما تصور تصويرا مغرضا لغايات سياسية ليس غير وخدمة للتعصب الأعمى لعقائد منحرفة تكرس الفرقة بين المسلمين.
هذه شذرات وقفت عليها للتنبيه إلى الحمولة الثقافية في النصوص الشعرية في البرامج الجديدة والتي من شأنها أن تسهم في بلورة التربية الإسلامية في نفوس الناشئة وأنا لم أذكر كل النصوص ؛ واعلم أن فيها ما يدعو إلى قيم إسلامية إنسانية راقية ؛ كما اعلم أن في البرامج نصوصا تحيل على غير التربية الإسلامية ولو أنها بلبوس عربي ؛ وهي قابلة للاستغلال لتكريس غير التربية الإسلامية بموجب الاملاءات الخارجية خصوصا إذا غاب ضمير المدرس المتشبع بعقيدته الإسلامية ولم يخش الله عز وجل في مسئوليته وقد وضعت الناشئة أمانة في عنقه وهو مسئول عنها أمام الله عز وجل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. ياسين
    18/02/2007 at 23:43

    الأخ المحترم محمد الشركي
    لكم أتأسف وأنا أطالع الكتب المقررة للتربية الاسلامية ما أبعد مقرراتها عن الدين وما يجب أن نعلمه اناشئتنا انها مقررات تستجيب لوصاية أمريكا وتبتعد كل البعد عن قيمنا ومتطلعاتنا كمسلمين قال فيهم تعالى »كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله » صدق الله العظيم.
    وأشكرك كثيرا أيها الأخ الكريم على مقالاتك المفيدة وعلى غيرتك على الاسلام والمسلمين.جعل الله دلك في ميزان حسناتك

  2. aziz
    25/02/2007 at 20:07

    ca c’est tres tres la verete

  3. انس بلحساني
    26/02/2016 at 23:23

    c’est vree

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *