Home»National»ضعف القراءة عندنا مرده قصور الهمم قبل قلة الإمكانات

ضعف القراءة عندنا مرده قصور الهمم قبل قلة الإمكانات

0
Shares
PinterestGoogle+

مرة أخرى تناولت الأخت الفاضلة إيمان ملال موضوعا غاية في الأهمية وهو موضوع يتعلق بالفعل القرائي عندنا من خلال مقالها بعنوان :  » لماذا المغربي لا يقرأ ؟  » وقد حاولت معالجة هذه القضية من خلال استطلاع بعض الآراء والانطلاق منها لاقتراح حلول لمشكل العزوف عن القراءة في بلادنا . ولقد أغراني هذا الموضوع أيضا بالكتابة مساهمة مني في توسيع دائرة المناقشة على هذا الموقع الرائد الذي ندب نفسه لخدمة الجهة والوطن الصغير والكبير. قبل عقود كنت أتابع برنامجا إذاعيا للقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية ، وهو قسم كان يسد مسد الفراغ الفاضح في الإذاعات العربية التي كانت غالبية برامجها تكرس التجهيل ، وكان البرنامج بعنوان :  » العرب أمة لا نقرأ  » واكتفى صاحبه بسرد إحصاءات نسب القراءة في العالم العربي ومقارنتها بنسب القراءة في العالم الغربي . وتناولت المقارنة كلا من قراءة الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية والدورية والسنوية والكتب المتخصصة . وكانت دائما نسب القراءة في الوطن العربي لا تتجاوز رقما متواضعا لا يعدوعدد أصابع اليد الواحدة في جين كانت نسب البلاد الغربية تقارب المائة أو تقل عنها بقليل . وكانت آخر عبارة لصاحب البرنامج : » العرب أمة لا تقرأ  » . لا زال هذا البرنامج ماثلا أمام عيني ، ولا زلت أعتقد أن الوضعية لم تختلف بالرغم من مرور عقود على هذا البرنامج كما جاء في مقال الكاتبة إيمان ملال.

والمؤسف أن يكون هذا هو حال العرب عموما والمغاربة خصوصا مع القراءة ودينهم الإسلام ، وأول ما نزل على رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق )). وما بعث الله تعالى آخر سول عليه السلام وجعله أميا وأيده بمعجزة العلم إلا ليكون شاهدا على الناس بأنه لا حق لهم في الأمية بعد معجزة القرآن وهي معجزة العلم. فالمفروض في من يعتنق الإسلام أن يكون قارئا وكاتبا بامتياز لأن ذلك هو إرادة الله عز وجل الذي جعل العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وأمر بطلبه ولو في أبعد بقعة من الأرض كما بعدت الصين عن شبه جزيرة العرب. الوضع القرائي مؤسف جدا عندنا .

وأنا لن أتحدث عن قراءة الجرائد اليومية وهي عندنا نوعان لا ثالث لها : جرائد سوقية كل ما تنشره هو أخبار الجرائم والاغتصاب بين المحارم وكأن الأمة ليس فيها إلا الذين يسرقون ويغتصبون بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم ولا تخلو جريدة من هذه الجرائد من صورة مثيرة لفضول عينة من القراء من ذوي الكفايات القرائية المحدودة جدا. وجرائد سياسية كل همها نقل الصراعات الحزبية ولا تقتنى إلا لمتابعة الهراش الحزبي بالنسبة لفئة أخرى من القراء الذين يتسلون بها ليس غير . ولن أتحدث عن الذين ينفقون وقتا لملء الشبكات وقد ابتدعت بدعة استنساخ هذه الشبكات التي يبيعها الباعة المتجولون الذين يبيعون السجائر بالتقسيط ، ويبيعون معها الشبكات المكرورة الممجوجة التي أصبحت مصاحبة لاحتساء المشروبات في المقاهي قتلا للوقت كما يقال. وقد أصبحنا لا نشاهد في المقاهي سوى المدمنين على ملء الشبكات والمدمنين على تعبئة أوراق القمار والقاسم المشترك بين الفئتين نفث دخان السجائر واحتساء المشروبات وقتل الوقت . وسأتحدث عن المؤسسات التعليمية التي أتنقل بينها بحكم مهنتي والتي من المفروض أن تكون أماكن الفعل القرائي بامتياز. والفعل القرائي في المؤسسات التعليمية مطلوب في كل المواد الدراسية ولكنه مطلوب أكثر في بعض المواد خصوصا اللغات حيث تعتبر الكفاية القرائية أساس تعلم اللغات . فمؤسساتنا التعليمية مع عميق الأسف بعيدة كل البعد عن الفعل القرائي حيث قصرت همم المتعلمين عن هذا الفعل حتى عندما يتعلق الأمر بالكتب المقررة. فاللافت للنظر أن المتعلمين لا يكلفون أنفسهم مجرد إحضار الكتب المدرسية المقررة في الحصص الدراسية المخصصة لها. ففي الشعب الأدبية على سبيل المثال نادرا ما يحضر المتعلمون المؤلفات المقررة وذرائعهم أنها مرتفعة الكلفة . وقد يسأل المدرس الفصل برمته عمن قرأ المؤلف المقرر قبل حضوره الحصص المقررة لدراسته فلا يجد مجيبا. أما ذريعة البعض بارتفاع كلفة المؤلفات فمردودة عليهم وإن كانت مقبولة ومعقولة بالنسبة للبعض القليل جدا ، ذلك أن غالبية المتعلمين يقتنون هواتف خلوية بعضها من آخر طراز وقد ينتعل الواحد منهم حذاء رياضيا باهظ الثمن فضلا عن اقتناء الحلي والمجوهرات بالنسبة للإناث إلا أن ثمن المؤلفات تبقى فوق قدراتهم الشرائية حسب زعمهم.

وقد بلغ الأمر بالنسبة لبعض المدرسين حد مطالبة المتعلمين باستنساخ أجزاء من هذه المؤلفات لسد الفراغ الناتج عن غياب المؤلفات. إن القضية قضية قصور الهمم قبل أن تكون قضية إمكانات مادية. أما مطلب الأخت الكاتبة إيمان ملال بإنشاء مكتبات عمومية في كل حي حتى يتسنى للمواطن اللجوء إليها وقت الفراغ واستعارة بعض الكتب دون الحاجة إلى اقتنائها على وجاهته أظن أنه لا بد من شحذ الهمم للقراءة قبل ذلك . ولقد ظلت الجهات المسؤولة عن الشأن الديني في الجهة تحث الناس على ارتياد المساجد وهي فضاءات مؤهلة للتعلم بامتياز من أجل محو الأمية على منابر الجمعة ومن خلال خطبها إلا أن الناس لا يبالون بهذه النداءات التي تعتمد الخطاب الديني ، وهو خطاب يقدم الفعل القرائي على أنه فريضة دينية واجبة أكثر من كونه فعلا لسد أوقات الفراغ كما يظن البعض ، لأن ممارسة الدين الإسلامي وعبادة الله عز وجل لا تكون عن جهل ولا بد لها من علم . إن مساجدنا تحولت إلى أديرة أو كنائس لا تفتح إلا في أوقات الصلوات علما بأنها وجدت لتظل مفتوحة الأبواب في كل وقت وحين لطلب العلم لأنه من صميم الدين . ونظرا لهجران الناس لبيوت الله أو استغلال بعض الطوائف لها أو ابتذال المتسولين والمشردين لها فقد وجد أصحاب الشأن الديني وغيرهم ذريعة لإغلاقها وتعطيل دورها العلمي . فلو أن المساجد هيئت بشكل مناسب وبنيت بجوارها مكتبات يشرف عليها موظفون لوجد الناس ضالتهم من القراءة والعلم .

وقبل ذلك أكرر دائما أنه لا بد من وجود همم دافعة للقراءة وطلب العلم قبل التفكير في وسائل العلم . أجل قد يشجع وجود الوسائل على الفعل القرائي ولكن بهمم قاصرة تبقى هذه الوسائل دون جدوى . فإذا كانت المؤسسات التعليمية ووظيفتها الأساسية هي الفعل القرائي لا تتوفر على مكتبات بالمعنى الصحيح فكيف يمكن توفير المكتبات العامة ؟ وإن أنسى فلن أنسى أبدا العداء من طرف فئة من المحسوبين على العلم في مدينتنا لمشروع برج المعرفة الذي هو في طور البناء كمعلمة علمية رائدة . فلقد عارض بعض هؤلاء المحسوبين على العلم بناء هذا البرج وحاولوا التشكيك في نوايا أصحابه وكان ذلك بمثابة ترويج للأمية والجهل في المدينة التي يقال عنها ما بين مقهى ومقهي يوجد مقهى حيث قتل الوقت بلا طائل أو قراءة صحف الأرصفة أو ملء الشبكات وقصاصات القمار وشرب دخان السجائر واحتساء المشروبات ليل نهار. فالهمم الهمم أولا ثم توفير الوسائل من أجل بلوغ مرتبة أمة اقرأ باسم ربك .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. نجلاء
    16/01/2011 at 11:56

    لطالما طال تفكيري في هذه العبارة :
     » أمة اقرأ لا تقرأ .. وإذا قرأت لا تفهم ولا تطبق  »
    حيث أن قائل هذه العبارة هو رجل إسرائيلي ..

    وبعد التصفح لأحد الكتب الخاصة في هذا المجال
    وجد هذا :ولكم التعليق ..

     » متوسط القراءة في العالم العربي
    ( قلب العالم الاسلامي )
    = ست دقائق في السنة ،

    بينما متوسط القراءة في إحدى الدول الأوروبية
    = 200 ساعة في السنة ..  »
    للاسف هذه الاحصائيات المدمرة موجودة
    اتذكر اني شاهدت ندوة للدكتور عمر عبد الكافي كان هذا عنوانها ,,فتطرق الى هذا الموضوع وقال ان اليهودي يقرا بكل شهر كتاب,,اما العربي فجيد اذا قرا كتاب واحد في السنة ,,اتعستني هذه الجملة حقا ,,لماذا نحن امة الاسلام ,,نحن امة اقرا ,,نحن مهد الحضارة و منبع الاديان ,,لنغير هذا العنوان ولنسميه امة اقرا لازم تقرا ,وكلا للتخلف

  2. mimoun
    16/01/2011 at 11:57

    « خير جليس في الزمان كتاب »
    حكمة قد تأثرنا بها وتداخلت معها المعلومات فأصبحت لدينا الكثير من القنوات المعرفيّة !!
    عزوف واضح لدى شريحة كبيرة ـ على وجه الخصوص الشباب ـ وابتعاد عن القراءة ونفور من المكتبات العامة أو الخاصة ..

    وبالمقابل ..

    ترى البعض يُقبل على الكتاب ولكن دون النظر إلى ماهية المعلومة ناهيك عن الفائدة وأثرها على النفس !
    أخي الكريم …

    في رأيك أين يكمن الخطأ ؟

    هل العزوف عن القراءة يكمن في مصدر تلقي المعلومة ، وتعدد الساحة الثقافية من كاتب وناشر ؟
    أم أن الحياة وتطور وسائلها أغفلتنا عن وسائل القراءة ؟
    هل نحن أمة لا تقرأ ؟

    ما السبب في رأيك لتدني الاتجاه إلى القراءة وعدم الانجذاب إلى الكتاب ؟

    من المسؤول ؟؟

    أنا ، أنت ، أسعار الكتب ، أم أصحاب القرار بالجانب الثقافي والإعلام ؟

    هل للوضع الاقتصادي رأي هنا مما جعلنا ننشَغل بالحياة المادية عن ما هو أهم وهي الحياة العقلية والفكرية ؟

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *