ضرورة التأطير الشرعي للقوانين المفروضة على الأمة
كثير من البلاد الإسلامية تجعل على رأس دساتيرها الإسلام كدين رسمي لها، ومعلوم أن اعتبار الإسلام دين الدولة الرسمي تترتب عنه التزامات ولا يكون مجرد شعار فارغ بلا دلالة . وعلى رأس هذه الالتزامات ضرورة تأطير القوانين المفروضة على الأمة الإسلامية بالشرع حتى لا يوجد تناقض بين دين الأمة وحياتها . ومعلوم أن القوانين في الإسلام تقوم على مبدإ درء المفاسد قبل جلب المنافع ، وهو مبدأ لا بد أن يراعى حين توضع مختلف القوانين المتعلقة بحياة الناس. والواضح أن كثيرا من البلاد الإسلامية تستورد القوانين من البلاد الأجنبية خصوصا تلك التي كانت تحتلها بموجب عادة التبعية لا غير. وقد تسوق القوانين الأجنبية التي بنيت على أسس غير أسس البلاد التي دستورها هو الإسلام وفق قاعدة تحتاج إلى تبرير منطقي وهي التي تختزلها عبارة : » وفق القوانين المتعارف عليها دوليا » وهكذا يصير التعارف الدولي ضابطا ومسوغا لتسويق القوانين علما بأن القوانين الرائجة في العالم هي قوانين الأمم الغالبة والمهيمنة ، وهذا ما يجعل البلاد الإسلامية أمام إشكالية تشريع كبرى بحيث قد تتعارض المعايير الدولية مع الشريعة الإسلامية فتسقط هذه البلاد في ما يمكن تسميته بالانفصام بين دينها وقوانين غيرها إذ ترفع الدين الإسلامي شعارا ، وتطبق عمليا وإجرائيا القوانين المؤسسة على أسس غير إسلامية ، وتعيش الأمة اضطرابا بسبب هذا الانفصام ، وقد يكون سببا في صراعات داخل هذه الأمة المنفصمة .
والأمثلة على الانفصام كثيرة وتشمل كل قطاعات الحياة في البلاد الإسلامية . فمع وجود الدين الإسلامي بشرائعه على رأس الدساتير في البلاد الإسلامية توجد في واقع هذه البلاد كل مظاهر الحياة غير المنسجمة أوالمتناغمة مع شرائع الإسلام ، لهذا تحتار الأمة أمام هذا التناقض الصارخ بين واقعها ودينها حيث تشيد الخمارات ودور القمار وحتى المواخير إلى جانب دور العبادة والمساجد ، و تتعايش مظاهر التهتك والانحلال مع مظاهر الورع والتدين . وهكذا تنقسم الأمة الإسلامية على نفسها حيث تطالب الفئة المتهتكة والمنحلة بظروف الحياة المتهتكة والمنحلة ، بينما تطالب الفئة الورعة بظروف الورع ، وربما وقفت فئة ثالثة موقفا وسطا بين الفئتين تريد هذه الظروف وتلك في نفس الوقت .ولهذا نجد الأحزاب السياسية في البلاد الإسلامية تحاول بناء مشاريعها الحزبية حسب هذه الفئات حيث يميل بعضها إلى تشجيع التهتك تصريحا أو تلميحا ، ويميل البعض الآخر إلى تشجيع الورع تصريحا أو تلميحا أيضا ، بينما يحاول البعض الآخر التوفيق بطريقة ملفقة بين الأمرين لهذا لا نستغرب وجود أحزاب في البلاد العربية بعناوين حاملة للتناقض بسبب التوفيق الملفق من قبيل الجمع بين ما هو أصيل وما هو حداثي ، وهو جمع لا يستقيم كما لا يستقيم خلط الخمر باللبن .
وإذا ما انتقلنا من القوانين المرخصة للخمارات ودور القمار والمواخير الخارجة عن التأطير الشرعي إلى جانب كل ما يعتبر شرعا من الممنوعات أو المحرمات إلى قوانين أخرى من قبيل ما أصبح يسمى المدونات كمدونة الأحوال الشخصية ومدونة السير وهلم جرا نجد أن هذه القوانين لا تخضع للتأطير الشرعي أيضا والذي يغلب درء المفسدة على جلب المنفعة على ضوء تعاليم الدين الإسلامي . فباستثناء قوانين مدونة الأحوال الشخصية عندنا في المغرب والتي أوكل أمرها إلى بعض أهل الحل والعقد الشرعي إلى جانب هيئات ومؤسسات مدنية هي في أمس الحاجة إلى تأطير شرعي نجد باقي القوانين المتعلقة بالسير أوبجباية الضرائب أو غير ذلك مقتبسة من قوانين محتل الأمس ومهيمن أو متحكم اليوم ، بل قد نجد ضمنها قوانين بأرقام وتواريخ فترة الاحتلال مع عميق الأسف وشديده . فعلى سبيل المثال لا الحصر كثر حديث الأمة عن مفاسد مدونة السير عندنا و التي وضعت الأصل لحماية الأمة من حروب الطرق إلا أنها صارت مصدر إزعاج الأمة أكثر مما تزعجها حروب الطرق القاتلة .فالذي يفوته مثلا يوم أو بعض يوم دون فحص تقني لسيارة يفوق عمرها 5 سنوات يكون معرضا لمخالفة قدها 700 درهم مع حجز للسيارة مدته 10 أيام مؤدى عنها إلى جانب خصم 3 نقط من رخصة السياقة .
فالأصل أن يكون هذا القانون دارئا للمفسدة جالبا للمنفعة إلا أننا حين نقارن المفسدة الناتجة عن تأخر تصفية الفحص التقني ليوم أو بعض يوم مع فسدة المخالفات على ذلك أو التعزيرات نجد هذه الأخيرة أكثر مفسدة ، مما يفرض على المسؤولين مراجعة هذا القانون المهدد للأمة عوض تأمينها حيث تصير بموجب هذا القانون هذه الأمة مهددة في مالها لأتفه الأمور علما بأن الجهات الموكول لها تطبيق هذا القانون لا تسلم من عيوب تشوب تطبيقها للقانون ، مع انعدام الرقابة عليها من جهة محايدة تضمن مصالح الأمة من جهة ومصالح الدولة من جهة أخرى . فرب سوء تفاهم مع مطبق القانون يجر على الضحية مشاكل كثيرة ، ورب رشوة تجعل القانون محط دوس الأقدام . فالمطلوب من الجهات المسؤولة توفير التأطير الشرعي لكل القوانين التي تفرض على الأمة خصوصا إذا كانت هذه القوانين مستوردة من محتل الأمس أو مهيمن اليوم ولها خلفياتها المختلفة عن خلفيات الدين الإسلامي . ولا بد من وضع قاعدة درء المفاسد قبل جلب المنافع نصب العين قبل العرف المتعارف عليه دوليا. لقد ترتبت عن العديد من القوانين بما في ذلك مدونة الأسرة بالرغم من مشاركة أهل العلم بالشرع فيها وبما في ذلك مدونة السير وغيرها مفاسد كثيرة دون أن تفتح تحقيقات عن طريق استشارة أهل الخبرة والدراية للقيام بما يلزم من تعديلات تغلب المنافع على المفاسد صيانة لمصالح الأمة التي اختارت الإسلام دينا رسميا لها .




2 Comments
شكرا استاذ هذا هو الطرح الذي يجب ان يعتبر الاسلام هو من يجب ان يملي علينا القوانين لا غيره و الامة العربية الاسلامية تشرئب اعناقها لرؤية تعاليم الاسلام واقعا معيشا
الله يهدينا و يهديكـ يا أستاذ، كيف يمكن أن أن نؤطر كل شيء بالشرع؟ هل تقصد ان نخترع « كود لاروت شرعي » أم ماذا؟ و هل لديك عقوبات شرعية بديلة لغرامة 400 درهم؟ و هلا اقترحت علينا بعض العقوبات الشرعية على من تجاوز السرعة و من استعمل المنبه قرب المستشفى و من قام بالتجاوز في الخط المتواصل..هلا أفدتنا باقتراحاتك »الشرعية ».