دلالة انصرام الحول في الإسلام

من المألوف أن الناس على اختلاف عقائدهم وثقافاتهم يحتفلون بانصرام سنة مضت وحلول أخرى محلها . والاحتفال في حد ذاته اهتمام ، وهو يختلف من ثقافة إلى أخرى ومن عقيدة إلى أخرى. فقد يأخذ الاحتفال شكل اللهو واللعب وهو الشكل الغالب على معظم الثقافات المتأثرة بالثقافة النصرانية المهيمنة على ثقافات العالم بسبب تفوق أصحابها المادي والتكنولوجي. فلما كان النصارى يحتفلون وفق عقيدتهم بمولد نبي الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قريبا من نهاية سنة حسب ما يسمى التقويم الشمسي وهومن التقويمات البشرية للزمن فوق سطح كوكب الأرض فإن الناس يتابعونهم في ذلك ويشاركونهم في التقويم الزمني لا في المعتقد ولكن قد يبدو احتفال الناس بتقويم زمني متزامن مع معتقد النصارى شبيها من حيث طقوسه. وهذا الموضوع يثير جدلا كبيرا سنويا خصوصا في الثقافات والمعتقدات المختلفة عن ثقافة وعقيدة النصارى ذلك أن البعض يرى في الاحتفال مجرد انتباه لانصرام حول وحلول آخر، بينما يراه البعض سقوطا في اعتقاد عن طريق التقليد. فما هي دلالة انصرام الحول في الإسلام ؟
فالحول أو العام أو السنة أسماء لمسمى واحد هو زمن تقطعه الكرة الأرضية في دورانها حول الشمس وهي تستقبلها تارة بوجهها وأخرى بظهرها فتكون النتيجة ليلا ونهارا يتعقبان وينصرمان بالتناوب لهذا تسميهما العرب الأصرمين لأن الواحد منهم ينقطع عن الآخر، وهي ظاهرة وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى : (( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )) وفي آية أخرى : (( ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )) فالتكوير بين ليل ونهار ناتج عن دوران الأرض حول الشمس مع التعرض لضوئها مرة والاحتجاب عنه أخرى ، ولم يتنبه له الناس من خلال كتاب الله عز وجل إلا بعد أن اكتشفت كروية الأرض . والولوج عبارة عن دخول الليل في النهار أو العكس وهو ولوج جزء من الأرض في ضوء الشمس أو خروجه منه، ولم ينتبه أحد أيضا إلى أن الولوج بين شيئين لا يتأتى إلا بالتكوير والدوران حتى اكتشفت كروية الأرض بأدلة مادية سهلة على فهم الناس الذين قد لم يفقهوا الأدلة المعنوية و اللغوية لكتاب الله عز وجل من قبل . والحول من فعل حال يحول حؤولا أي مضى وتم ويعني أيضا صار من حال إلى أخرى، وهكذا يسمى انتهاء دوران الأرض حول الشمس حولا أي باعتبار نهاية الدوران .
والحول ـ بكسر الحاء وفتح الواو ـ هو الزوال مما يعني أن دوران الأرض حول الشمس عبارة عن زوال متتابع ، وهو أمر عجيب لهذا تقول العرب » حولة الدهر » ـ بضم الحاء ـ أي عجائبه. وأما العام فهو عين الحول من فعل عام يعوم عوما الزمن إذ اضطرب ، وما اضطراب الزمن سوى تحول وجه الأرض خلال دورانها حول الشمس حيث تعرف فصولا أربعة تختلف حرارة وبرودة ، ورطوبة وجفافا باعتبار القرب أو البعد من حرارة الشمس ذات التأثير في الغلاف الجوي لكوكب الأرض والتي تبخر حرارة الشمس مياه محيطاتها وبحارها لينزل البخارماء يختلط بترابها، ويحصل التفاعل بين المخلوقات النباتية ذات الصلة بباقي المخلوقات الحية . وتعاقب الفصول عبارة عن اضطراب لهذا قال الله تعالى: (( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )) فهذه هي حقيقة الاضطراب الحاصل بسبب دوران الأرض حول الشمس الذي تنتج عنه الفصول. وبهذا تكون دلالة العام هي وقت الاضطراب أي تعاقب الفصول. والسنة من سانى سناء ومساناة أي عاهد لزمن معين ، وهي معاهدة تدوم مدة عام أو حول ، ويسميها الناس سنة وهي اثنا عشر شهرا أي مدة دوران الأرض حول الشمس ، ومدة تعاقب الأصرمين الليل والنهار ، ومدة تعاقب الفصول وهي أحوال اضطراب وجه الأرض من جراء دورانها. وقد ذكر الله عز وجل أن عدة الشهور عنده يوم خلق السماوات والأرض اثنا عشر شهرا في قوله تعالى : ((إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض)) والشهر من فعل شهر يشهر ـ بفتح الشين ـ الشيء إذا ذكره وعرفه ، ومن ثم سمي القمر شهرا لظهوره واشتهاره حيث يكون هلالا وهو من فعل أهل إذا ظهر بفعل دورانه حول الأرض الدائرة بدورها حول نفسها وحول شمسها. والقمر من فعل قمر يقمر ـ بفتح الميم ـ الشيء إذا اشتد بياضه ، ولما كانت أشعة الشمس تنعكس على القمر فإنه يتنور بها فيصير منيرا.وباعتبار حركته حول الأرض يهل ثم يكتمل ثم يبدأ بالزوال كما وصفه الله عز وجل في قوله تعالى : (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) وعملية ظهور واختفاء القمر اثنتي عشرة مرة هو المدة التي تستكمل الأرض فيها دورانها حول الشمس ، وبهذا يكون القمر كالمعاهد على الظهور أي يساني مساناة. وهل السنة مجرد تقويم مرتبط بدوران الأرض ؟ أم أن القضية أكبر من كونها فلكية ؟
من المعلوم أن الله تعالى عاهد الخلق أي ساناهم مساناة ليكون عيشهم فوق سطح الأرض مدة معلومة وليكون لهم فيها سعي وعمل يراقبه جل شأنه ويزنه في أدق الموازين ليحاسب عليه ويجازي الناس بنعيم أو جحيم أبديين . والله عز وجل إنما كور الليل والنهار أو دور الأرض لتحصل المدة التي عاهد عليها خلقه لاختبارهم لهذا علمهم الحساب لقياس الزمن وقياس ما يقترف خلال الزمن مهما كان نوع الاقتراف . ولهذا يقول سبحانه : ((هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق )) فمعرفة المعاهدة أو المساناة بين الخالق سبحانه والبشر رهينة بحركة الأرض ، والمعاهدة عبارة عن حساب بين الخالق والمخلوقات قوامه أعمال الخلق في كفة ، وجزاء الخالق سبحانه في كفة أخرى. وهنا يواجهنا السؤال كيف يجب أن يحتفل بالمعاهدة أو المساناة ؟ فهل يكفي أن يسهر الناس إلى غاية حلول لحظة اكتمال دوران الأرض حول الشمس ويشربون نخب ذلك ويلهون ويلعبون ويعربدون ؟ أم أن القضية أكبر من ذلك لقول الخالق سبحانه : (( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون )) وأية غفلة أخطر وأكبر من اشتغال الناس باللهو والعبث والعربدة في لحظة مرور زمن على المعاهدة والمساناة ؟ فالله تعالى يحصي عليهم أعمالهم بميزان قوامه الذرة الدقيقة ، والبشر في غفلة عن ذلك . ولهذا لا بد أن يأخذ الاحتفال بانصرام الحول أو السنة في العقيدة أو الثقافة الإسلامية منحى غير منحى عقيدة وثقافة النصارى . فالمسلمون لا بد أن يكون احتفالهم بانصرام الحول أو السنة على غرار ما يفعلون في مؤسساتهم المالية لحساب الأرباح والخسائر خصوصا وأن الله تعالى يريهم من خلال حياتهم ما يساعدهم على اجتياز فترة اختبارهم بقوله جل وعلا : (( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )) فمن الآفاق أفق حساب المؤسسات المالية سنويا ، ولو التفت الناس إلى هذا الأفق لجعلوا لأعمالهم حسابا على غرار حساب أرصدتهم وأموالهم ولكنهم لا يفعلون بل عن ذلك يغفلون بالرغم من اقتراب حسابهم بسبب انصرام السنين. فمع انصرام كل حول أو عام أو سنة يحصل انصرام في أعمار كل الناس وهو ما يعني الاقتراب من الحساب.
والمحتفلون الأكياس العقلاء هم الذين يجلسون قبل أن تقرع ساعة الصفر كل سنة لمراجعة الذوات وما اجترحت لا للشرب نخب عام يعوم أو حول يحول أو سنة تساني، فمن وجد خيرا حق له أن يفرح ويشرب ويأكل مما أحل الله عز وجل ، ومن وجد غير ذلك أولى به أن يظهر الندم والأسف والحزن على ما فرط لا أن يزداد تفريطا ، ويشهد على نفسه لحظة محطة اكتمال دوران الأرض وهو على المعصية التي لم يبارحها خلال دوران الأرض دونما اكتراث بالحساب الذي يتعقبه وينتظره في محطة النهاية. وأخيرا مع الأسف الشديد الناس عندنا وهم يحسبون على عقيدة الإسلام يحضرون ما يحضره أصحاب العقيدة النصرانية من مأكولات ومشروبات مما حل منها وما حرم ، وهم يفخرون بذلك ويشهدون على ذلك وسائل الإعلام بزهو ولكنهم لا يفكرون لحظة واحدة أن حسابهم قد اقترب وهم في غفلة معرضون عنه .




Aucun commentaire