Home»Islam»هل من الضروري أن يكون المسلم سالكا لطريقة من الطرق الصوفية ليكون متدينا حقا ؟

هل من الضروري أن يكون المسلم سالكا لطريقة من الطرق الصوفية ليكون متدينا حقا ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

يكاد بعض المفتونين بالطرقية التشكيك في تدين عموم المسلمين لأن غير السالك لطريقة من الطرق الصوفية في نظرهم تائه أو غافل أو حتى ضال في نظر البعض منهم . ويحرص البعض من هؤلاء السالكين للطرق الصوفية على الإيحاء بتعقيدات تدينهم حيث يفيضون في الأحاديث عن أحوالهم وكرماتهم وخوارق وأحلام يقظة وأحلام منام وغرائب لا تستقيم في عقل ولا يحكمها منطق مما لا يخطر على بال المتدين العادي والبسيط . ويزداد تعقيد هذا التدين الطرقي بتعبير أصحابه عنه بالرموز المستغلقة ، والأشعار الملغزة التي لا يفهمها إلا الضالعون في الطرقية والمتخصصون في عبادة ذات طبيعة معقدة لا قبل للمسلم العادي بها . وقد تبدو أحوال أصحاب التدين الطرقي غريبة وقريبة من أحوال الأشخاص غير العاديين نفسيا ، أو الأشخاص الذين يعيشون اضطرابات نفسية وذهنية . ولا زلت أذكر يوم حضرت سهرة لأصحاب طريقة من الطرق وفوجئت بأحوال غريبة فلما سألت عنها الشخص الذي دعاني أنا وأحد الأصدقاء لحضور هذه السهرة طمعا في التأثير فينا لخوض غمار التدين الطرقي كما فهمت من دعوته ، راح يبحث لها عن شواهد من القرآن الكريم مع تعسف في تأويله ليناسب مقصده .

رأيت في سهرة التدين الطرقي الباكي والمتباكي والباسم والمتباسم ، ورأيت الجاهر بالذكر والمخافت به، والمبتغي بين ذلك سبيلا، ورأيت الشاطح بعنف تكاد قنة رأسه تصيب سقف مكان السهرة ، ورأيت المتحرك بتؤدة وسكينة ووقار لست أدري كيف أصفه لأنه التبس علي بين التكلف والتصنع والسجية ، ورأيت من يضج دون سابق إنذار مناديا الله جل جلاله ببعض أسمائه الحسنى ، أمناديا الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض ألقابه ،وقد يهتز غيره لضجيجه ويهتف بما هتف .

سألت عن كل ذلك السالك المترجم لأن الطرق الصوفية تتطلب بالضرورة مترجمين يجيدون لغة الأحوال الطرقية كما يجيدون أساليب الشرح للجاهلين بها من أمثالي أجابني ببساطة بقول الله تعالى : (( وأنه هو أضحك وأبكى )). وقلت في نفسي إن الضحك والبكاء طبيعة بشرية يشترك فيها كل الناس ، والله سبحانه أودعها في خلقه فلماذا يستأثر هذا المترجم بهذه الآية الكريمة ، ويجعلها بالضرورة مطية لشرح أحوال الباكين والضاحكين في مجلس تدين طرقي واحد من مجالسهم . قد أفهم بكاء شخص ألم به ما يدعو للبكاء، وقد أفهم أيضا ضحك شخص ألم به ما يدعو للضحك ، والحالتان على طرفي نقيض ، أما أن يكون الداعي واحدا والحالتان معه على طرفي نقيض ، فهذا من الغرابة التي يحرص على إظهارها الطرقيون لأنه لا بد مما يدعو إلى الاستغراب ولا بد من الغرابة في تدينهم ليكون تدينا . لقد بدا لي أن من حضر تلك السهرة شأنه شأن من حضر سهرة سكر أو تخدير فتباينت أحوال أصحابها حسب درجة تأثير المسكر أو المخدر. ولا غرابة أن أسوق هذا التشبيه لأن جل الطرقيين يتحدثون عن السكر المجازي وهم في أحوالهم وشطحاتهم .ومن المعلوم أن عادة الناس قياس أنفسهم على النماذج الطبيعية للأحوال البشرية ، لا على النماذج الغريبة الشاذة الخارجة عن الطبيعة . فكما لا يجوز القياس على السكران سكرا ماديا لا يجوز أيضا القياس على السكران سكرا مجازيا. وخلاصة القول أن التدين الطرقي لا يعني ما يعنيه التدين الطبيعي في نظري وحسب تصريح أصحاب التدين الطرقي ،ذلك أن هذا التدين ينزع بطبيعته نحو الغرابة وتهويل طقوس العبادة . فإذا ما كان التدين الطبيعي هو عبارة عن ممارسة الحياة وفق أوامر الله تعالى ونواهيه لفترة حددها سبحانه في الحياة الأولى كفترة امتحان وابتلاء استعدادا للحساب والجزاء في الحياة الأخرى ، فالتدين الطرقي هو ممارسة أخرى تنشد نوعا غريبا من اللذة المعنوية في الحياة مفارقة لممارسة الحياة الممارسة العادية. فالله تعالى خلق الناس في هيئات مادية وبجوهر معنوي يتصرف فيما هو مادي ، وتعبد الناس من خلال سلوكين اثنين : الحال والمقال . فالإنسان بطبيعته يتكلم ويتصرف . وكلامه وتصرفه إما أن يكون وفق ما يرضي خالقه سبحانه أو خلاف ما يرضيه ويسخطه. والعبادة إنما تتجسد من خلال أفعال وأقوال. والله عز وجل إنما يختبرنا من خلالها. فالأكل والشرب خاصيتان بشريتان ، والناس يعبدون الله بهما ذلك أن من أكل وشرب ما أحل الله عز وجل كان عابدا لله تعالى ، ومن أصاب الأكل والشرب مما حرم الله عز وجل كان عاصيا وغير عابد لربه. وما قيل عن الأكل والشرب يقال عن كل أحوال البشر من أفعال وأقوال. فعلى سبيل المثال تعبد الله البشر بنوع خاص من اللباس ، فمن التزم به كان عابدا ، ولم لم يلتزم به كان غير عابد ومجرد لابس .واللافظ بالكلام إما أن يفوه بما يرضي الله عز وجل فهو في هذه الحالة عابد لله ، وإما أن يفوه بما يسخط الله فهو في هذه الحالة غير عابد أو عاص بالتعبير الديني. فعلى ضوء هذا التصور يكون التدين الطبيعي أو العبادة الطبيعية هما عبارة عن ممارسة الإنسان للحياة الدنيا بأفعال وأقوال مستجيبة لإرادة خالقه سبحانه ومنضبطة لأوامره ونواهيه ، بينما التدين الطرقي غير هذا إذ لا تعني المتدين الطرقي ممارسة الحياة بل البحث عما هو أكبر من الحياة ، وهو البحث في معرفة أحوال الذات الإلهية من أجل الحلول فيها والتماهي معها . والسؤال المطروح هل خلق الإنسان من أجل البحث في أحوال الذات الإلهية ومن أجل الحلول فيها والتماهي معها ، أم خلق لطاعة الذات الإلهية فيما أمرت به ونهت عنه ؟ أوليس من سوء الأدب مع الله عز وجل التجاسر على البحث في أحوال ذاته المقدسة وعلى الانصهار في هذه الذات ؟ وأنى للمخوقات أن تستطيع ذلك ؟ والله تعالى إنما أمرنا أن نتأمل ونبحث في أحوال ما خلق لا في أحوال ذاته لأنه ليس كمثله شيء ومن المحال بل من العبث البحث في حقيقة من ليس كمثله شيء. وتأمل مخلوقات الله عز وجل هو السبيل الموصل إلى التأكد من حقيقة وجود الخالق سبحانه من أجل الاقتناع بعبادته وطاعته على الشكل الذي أراده سبحانه .

والعجب كل العجب أن يشتغل أصحاب التدين الطرقي بطلب الخوارق لما يوجد في الحياة علما بأن الحياة نفسها أغرب الخوارق ، وكل ما فيها غرائب وعجائب . أو ليست كرة أرضية بيضوية الشكل تسبح في الفضاء السحيق ، وتدور حول نفسها وحول الشمس بمقدار دون أن تزول أو يسقط السقف السماوي فوقها خارقة من الخوارق ؟ أوليس ما على سطح هذه الكرة من مخلوقات دقيقة أو جليلة وما في بطنها كله خوارق ؟ فلماذا إذن يستهين أصحاب التدين الطرقي بهذه الخوارق الماثلة للعيان المدركة بالحواس ، وينشدون غيرها من الخوارق ما فوق إدراك الحواس ولما يأذن الله تعالى للبشر أن يدرك ما غيب سبحانه في الحياة الدنيا وادخره للحياة الآخرة ؟ لماذا يغفل أصحاب التدين الطرقي عن حالة اليقظة أثناء ممارسة الحياة وهي آكد وينشدون حالة الأحلام والرؤى وهي مما يحتمل الصحة في أحوال ولا يعدو مجرد أضغاث في أحوال أخرى ، وليس بمقدور غير من يسر الله له ذلك التمييز بين الحقيقة والأضغاث من أنبيائه ورسله صلواته وسلامه عليهم كما هو شأن إبراهيم الخليل ويوسف الصديق عليهما السلام وقد ذكرهما الله عز وجل ليكونا للناس عبرة . ولو جاز أن يعبر الرؤى غير أنبياء الله ورسله لكان ذلك في مقدور من قالوا للملك زمن يوسف أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين .

ومن زعم القدرة على عبور الرؤى فقد تجاسر على درجة النبوة والرسالة سواء قصد أم لم يقصد لقوله تعالى : (( عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول )) والرؤى غيب ، والغيب ما غيب عن عالم الشهادة ماضيا وحاضرا ومستقبلا . وإنا لنرى شرائح من الناس يقص بعضهم على بعض الرؤى الغيبية ويعبرونها وكأنهم تعلموا عبورها من رسول أو نبي كما يتعلم غيرهم علوم المادة وعلوم الإنسان . ولا يجب أن يفهم من كلامي هذا أني أنكر الرؤى بل أنكر على من يزعم أنه يعبرها وما هو بنبي ولا رسول. وعليه فالمتدين الطرقي يتعالى على طبيعته الناسونية ، ويحاول التنكر لها ، ويتجاسر على الطبيعة الملائكية بل وعلى الطبيعة الإلهية أيضا ،من خلال ممارسة العبادة والعبودية بشكل معقد وملغز ، بينما المتدين العادي والطبيعي يمارس العبادة والعبودية بشكل بسيط عندما يمارس الحياة آكلا وشاربا ولابسا ومتحدثا ونائما وحالما كما أراد الله عز وجل ، وهو حائر فيما خلق الله تعالى مما تدركه حواسه ويعتبرها كلها خوارق دالة على عظمة الخالق ، وغير منشغل بالمغيبات والخوارق التي لم يأذن الله عز وجل بعد بإدراكها في فترة حياة فانية وجدت لغرض الاختبار والابتلاء لا لغرض الجزاء .

فالكرامات التي يدعيها المتدينون الطرقيون عبارة عن جزاء في فترة امتحان واختبار وهو أمر لا يستقيم عقلا ولا نقلا. فما يسميه هؤلاء كرامات هي أشكال من نعم الله تعالى التي لا يحصيها العد تدخل ضمن أساليب الامتحان والابتلاء ، ذلك أن الحصول على النعم أو الحرمان منها إنما يكون لقياس صحة أو فساد التدين حيث يجب شكرها إذا أعطيت والصبر على حرمانها إذا منعت . أما أن يزعم بعض الناس أن لهم من الأحوال ما ليس لغيرهم ، ويدعون التميز عن غيرهم فمحض أوهام ، وكما يتوهم السكران السكر المادي أو المخدر التخدير المادي كذلك يتوهم السكران المعنوي وهو المتدين الطرقي القائل : « قد كان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر » ، فهو نفسه لا يعرف ما كان ، ولا يريد من غيره أن يعرف ذلك أيضا ، ولا أن يسأل عنه، بل عليه أن يظن فقط كما ظن هو ، مع أن الظن لا يغني من الحق شيئا . وأخيرا أقول وما التوفيق إلا بالله عز وجل السالك إلى صراط الله المستقيم هو العابد لله تعالى من خلال ممارسة الحياة كما أراد الله تعالى دون تجاسر على طبيعته وما غيب من غيوب ،مع التزام الأوامر والنواهي في هذه الممارسة للحياة ، ولقد حاول من هو أشرف من المتدينين الطرقيين تجاوز الطبيعة الناسونية فما استطاع إذ خر صعقا لما تجلى ربه للجبل فجعله دكا ولما أفاق قالت له الملائكة : يا ابن النساء الحيض لقد جزت قدرك إذ سـألت ربك أن تنظر إليه. فإذا ما خر كليم الله لما أراد تجاوز طبيعته الناسوتية فماذا يكون حال من أراد الحلول ، وماذا تقول له ملائكة الرحمان لو خاطبته ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Yahya
    27/11/2010 at 23:31

    لا فض الله فاك اخي جزاك الله خيرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *