Home»Islam»دلالة ذكر الله عز وجل

دلالة ذكر الله عز وجل

1
Shares
PinterestGoogle+

لفظة ذكر لفظة متداولة على ألسنة المسلمين ، وقد تركبها طوائف منهم لتبرير وجودها وتميزها عن جماعة المسلمين الكبرى ، فما هي حقيقة هذه اللفظة ؟ الذكر في اللغة الحفظ والصيانة ، وفي الاصطلاح تسبيح وتمجيد الخالق جل جلاله ، وبين الدلالة اللغوية والدلالة الاصطلاحية وشيجة ذلك أن الله عز وجل بدوره يذكر الخلق كما يذكره الخلق لقوله تعالى في حديث قدسي «  » من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه «  » . وإذا كان ذكر الخلق للخالق سبحانه هو التسبيح والتمجيد ، فذكر الخالق سبحانه للخلق هو الحفظ والصيانة . فالله تعالى خلق الكون بما فيه ومن فيه وصانه وحفظه ، وممن استفاد من حفظه وصيانته الإنسان ، وصيانة وحفظ الإنسان عبارة عن إحاطته بنعم ومنن لا تعد ولا تحصى لهذا كان من الأجدر بهذا الإنسان المحفوظ المصون المحاط بنعم ومنن لا تعد ولا تحصى أن يذكر المنعم الذي أنعم عليه سبحانه ذكر تسبيح وتمجيد لقول الله تعالى : (( قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمان بل هم عن ذكر ربهم معرضون )) فالذي يكلأ الخلق ليل نهار أولى بالذكر ، ولهذا أمر سبحانه عباده بكثرة ذكره في قوله جل من قائل : (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات على النور وكان بالمؤمنين رحيما )) فلما كان الله تعالى يكلأ الخلق بالليل والنهار فقد وجب عليهم الذكر الكثير ليل نهار والتسبيح بكرة وأصيلا لأنه يصلي هو ملائكته عليهم ، وصلاته وصلاة ملائكته هي سبب هدايتهم ، ذلك أن خوضهم غمار الحياة لا يتأتى إلا عبر قوانين ونواميس وضعها الخالق سبحانه وتعالى ، وهذا معنى إخراج الخلق من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهداية .

والله تعالى لم يترك أمر الذكر للخلق بل قننه لهم فقال جل من قائل : (( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) كما قال : (( إن هو إلا ذكر للعالمين )) لقد جعل الله تعالى الذكر قرآنا يوحى ليتلى ليل نهار لأنه يتضمن التوجيهات الإلهية الكفيلة بجعل الإنسان يخوض غمار الحياة بشكل صحيح فيه خيره العاجل وخيره الآجل. فخوض الإنسان غمار الحياة يكون بطريقتين لا ثالثة لهما : طريقة وضعها الخالق سبحانه ،وطريقة يبتدعها الإنسان وفق هواه ، والطريقة الأولى هي طريقة النور والطريقة الثانية هي طريقة الظلمات أو الضلال . وطريقة الظلمات عبارة عن ابتعاد عن الذكر المنزل من السماء لهذا قال الله تعالى : (( ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين )) فمن يتعامى عن الذكر المنزل من عند الله عز وجل يكون الشيطان قرينه ، ومن كان كذلك خاض غمار الحياة وفق هواه لا وفق الذكر المتضمن لشرع الله عز وجل ، لهذا حذر الله تعالى من المعرضين عن ذكره فقال : (( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله )). وذكر القلوب هنا له دلالة ذلك أن القلوب هي مركز القرارات سواء الصائبة أم المخفقة مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب  » وقسوة القلب هي انغلاقه أمام الذكر المنزل من عند الله عز وجل وهو الحقيقة لاشتغاله بالأهواء وهي الخيال والوهم. ومقابل القلوب القاسية ذكر الله تعالى القلوب المطمئنة بذكره المنفتحة له فقال جل من قائل : (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) كما قال سبحانه : (( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )) فلين القلوب إنما يكون بذكر الله وبه تطمئن .

واقتران لين الجلود بلين القلوب ليس من قبيل الصدفة بل القلب هو مركز صنع القرار كما مر بنا ، فهو المتحكم في الجسد كله ، ولينه لذكر الله يعني لين الجسد كله لهذا الذكر بما فيه الجلد. وفي هذه المرحلة تتحدد دلالة الذكر وهي عرض الذكر المنزل وهو القرآن الكريم على القلوب ليحصل لها الاطمئنان به فتأمر الجسد بالخضوع له وما يتضمنه من شرع موجه لخوض غمار الحياة بالشكل الصحيح . وعليه فليس الذكر كما يزعم البعض مجرد تسبيح وتمجيد تلوكه الألسنة وتصاحبه مداعبة الأنامل للمسبحات ، ولا هو شطحات وأحوال تهول وكرامات بل هو اطمئنان القلوب بالذكر المنزل من عند الله عز وجل وتعبير صادق عنه بالألسنة ، وتطبيق صادق لهذا التعبير بالجوارح . فالله تعالى جعل ذكره الذي اختاره لخلقه عبارة عن كتاب متشابه ومثاني تثنى وتعطف أوامره ونواهيه وتوجيهاته بعضها على بعض ، وتتكرر لترسخ في القلوب التي تصدرها إلى كل الجوارح ليكون الفعل مع القول عكس ذكر أصحاب الألسنة الذين لا تتناغم ألسنتهم مع قلوبهم ولا مع جوارحهم . فوظيفة الذكر الذي قننه الله تعالى لخلقه هو مراقبة خوض الخلق غمار الحياة من خلال عرضه على توجيهات هذا الذكر في كل الأحوال بالليل والنهار. فالذاكر الحقيقي لله تعالى هو من يستحضر شرعه في كل أحواله ، ويقضي به ولا يقضي بهواه في شيء، وليس ذلك الذاكر الذي يترنح بذكر اللسان وبالشطحات ، وبترقيص حبات المسبحات وفي قلبه قسوة من ذكر الله ، وجوارحه لا تستجيب لشرع الله عز وجل .

وذكر الله المتضمن لشرعه هو عبارة عن صيانة لحقوق الخلق ، وهي حقوق متعلقة بالمعاش من أكل وشرب و ملبس ومسكن وتناسل وغير ذلك . فالذاكر الحقيقي هو الذي يصون ما صان الله تعالى من حقوق الخلق . فمن نال أكثر من نصيبه في مطعم أو مشرب أو ملبس أو مسكن أو وقاع فقد اعتدى على حق غيره ، ومن ثم يكون قد غفل عن ذكر ربه الذي صان الحقوق . قد يعجب الإنسان من أمر الله تعالى خلقه بالغض من أبصارهم في قوله تعالى : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) ويزول عجب المتعجب حين يفكر في أن الأجساد البشرية عبارة عن حقوق مشتركة بين الناس لهذا لا يجب أن تكون نهبا بينهم بل يجب أن تقع أبصارهم على أنصبتهم الخاصة بهم دون الاعتداء على أنصبة غيرهم . وإذا كان الله تعالى قد منع مجرد النيل من حقوق الغير ولو بحاسة البصر فأولى بالخلق ألا ينال من باقي الحقوق التي تنال بجوارح أخرى غير حاسة البصر ، ولعل ذكر الفروج بعد ذكر الأبصار في الآية السابقة لم يرد عبثا بل الأبصار هي المحركة للقلوب حيث تصنع قرارات الفروج وغيرها من القرارات . ولا تتجاسر الفروج إلا بعد تجاسر الأبصار على حقوق الغير في الأجساد البشرية . والقلوب القاسية من ذكر الله قلوب مستحوذ عليها من طرف الشيطان كما قال الله تعالى : (( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )) فاستحواذ الشيطان يحول دون اطمئنان القلوب بذكر الله ، ودون صنع القرارات المنسجمة مع شرع الله المتضمن في ذكره .

ويضرب الله تعالى مثلا لعملية استحواذ الشيطان على الناس لينسيهم ذكر الله عز وجل فيقول : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله )) فذكر الله تضمن شرعه تحريم الخمر العابثة بالعقول المعطلة لها ،ومعلوم أن العقول المعطلة عن التفكير عاجزة عن اتخاذ القرارات الصائبة مما يعني الوقوع في الاعتداء على حقوق الغير وهو ما يكون سببا في العداوة والبغضاء . كما تضمن شرع الله في ذكره تحريم الميسر لأنه طريقة غير معقولة ولا مقبولة في كسب المال ذلك أن المقامر يكسب الكثير بالجهد القليل خلافا لناموس الحياة الذي جعل الكسب بقيمة وعلى قدر الجهد ، لهذا فالميسر مدعاة للتباغض والعداوة بين الناس لأن بعضهم يكسب المال على حساب غيره دون جهد في حين يجهد غيره نفسه ولا يكسب كسب المقامر . والغافل عن الذكر ظالم بالضرورة لأن الظلم هو وضع الأمور في غير ما وضعت له ، وهو نادم لا محالة كما قال الله تعالى : (( ويوم يعض الظالم علي يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )) . وأخيرا بقي أن أذكر أساليب الذكر كما جاءت في القرآن الكريم فهي عبارة عن صلاة لقوله تعالى:(( فاعبدني وأقم الصلاة لذكري )) فالعبادة طاعة ، ومن ضمن الطاعة الصلاة ، والصلاة فرصة ذكر الله عز وجل ، والذكر عبارة عن خضوع لشرع الله تعالى لهذا جعل الله عز وجل للصلاة وظيفة بسبب ما فيها من ذكر فقال فيها : (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر )) فالصلاة لا تنهى عن فاحش أو منكر إلا بما فيها من ذكر لهذا كان الذكر أكبر. ومن أساليب الذكر إلى جانب الصلاة خطب الجمعة لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ))

فمن دلالة السعي العدو والهرولة ، ولا يعدو العداء ولا يهرول إلا لأمر جلل كخطب الجمعة التي غاب في زماننا السعي إليها كما أمر الله إذ لا يأتيها الناس إلا بارتخاء ولا مبالاة ، وإذا حضروها غابت عقولهم وانشغلت قلوبهم عنها فصارت مصدر تضجر عوض أن تكون فرصة استعراض أحوال الناس على الشرع المتضمن في الذكر ،علما بأن الله تعالى يصرف في الجمع ملائكة يسجلون الساعين إليها بالترتيب تفاضلا ، وبعد خروج الخطباء لإلقاء الذكر تطوي الملائكة الكرام صحف الإحصاءات لتستمع إلى ذكر الخطباء ، وهو عبارة عن كلام يستعرض الذكر الحكيم . ولما كانت للذكر كل هذه الأهمية فقد أمر الله تعالى الإكثار منه بالليل والنهار وأمرنا أن يكون ذكرنا له كذكرنا لآبائنا أو أشد فقال جل من قائل : ((فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )) وليس الذكر المقصود سوى معاشرة دائمة لكتاب الله عز وجل المتشابه المثاني ، ولا علاقة لهذا الذكر بالشطحات والإنشاد ولا بلقاءات ما يسمى الموسيقى الروحية التي تطرب الأهواء خلالها القلوب فتأمر الجوارح بالرقص تختلف أسماؤه بين الطوائف المختلفة من الناس وتتفق حركاته وكل ذلك افتراء على دين الله عز وجل الذي فصل في الذكر فصلا لا يقبل التأويلات والتخريجات المبنية على الأهواء والانتصار والتعصب للعقائد الضالة المضلة بعد الذكر المبين الذي لا عذر لأحد بجهله وهو بلسان عربي مبين وبسهولة قال عنها الله تعالى :(( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)) . وأخيرا لا بد من التحذير مما حذر منه الله تعالى حين قال : (( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى )) فطلاب الدنيا كثر وكثيرة عقائدهم الضالة ، وكثيرون ضحاياهم الضالين ، ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. مولاي عبد العزيز
    10/10/2010 at 13:20

    ألا بذكرالله تطمئن القلوب

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *