هل الإسلاميون المغاربة غائبون؟

هل الإسلاميون المغاربة غائبون؟
أم مغيبون من الاحتجاجات الأخيرة؟
محمد البوسلامتي
على إثر الزيادات التي شهدتها بلادنا في مجموعة من المواد الغذائية والتي سبقتها الزيادة في المحروقات لتشمل أخيرا كلا من الماء والكهرباء، توالت الاحتجاجات والاعتصامات، لتشمل العديد من المدن المغربية، والتي قادتها تنسيقيات على المستوى المحلي وليتم بعد ذلك تنسيق الجهود على المستوى الوطني بدعوة هذه التنسيقيات إلى برنامج نضالي خلال شهر دجنبر الحالي حيث تم الإعلان عن تنظيم ندوة حول موجة الغلاء بمدينة الرباط يوم3 دجنبر كما تمت الدعوة إلى وقفات احتجاجية في مجموع المدن المنضوية تحت هذه التنسيقيات يوم 14دجنبر والتي ستتوج بمسيرة ضد الغلاء بمدينة الرباط يوم 23 من الشهر الجاري.
اللافت للنظر أن هذه التحركات جلها كانت استجابة للدعوة التي أطلقتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي يقف وراءها اليسار غير الحكومي، الذي كان أيضا وراء الدعوة إلى البرنامج النضالي السالف الذكر، كما أنه هو من دعا إلى الائتلاف الوطني لإسقاط الإجراءات غير الديمقراطية التي جاءت بها أحزاب الأغلبية الحكومية فيما يتعلق بتعديل القانون التنظيمي لمجلس النواب. لكن السؤال المطروح هو: أين الإسلاميين من هذه التحركات؟ وهل هم غائبون عما يجري أم مغيبون ؟
تجدر الإشارة إلى أن غالبية الاحتجاجات التي تمت غاب عنها الإسلاميون، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن سر هذا الغياب وعن هذا التقصير الواضح من طرف الإسلاميين المغاربة بكافة تنظيماتهم فيما يخص التصدي لهذه الزيادات التي شملت بعض الخدمات الأساسية، مما يكرس عند البعض تلك التمثلات التي تحصر نشاط الإسلاميين وتحركهم بحماس في القضايا الأخلاقية والدينية وأحيانا الدولية "الإسلامية" وإهمال ماهو وطني وما هو مرتبط بالهم المعيشي للمواطن، وإن كان حديثنا عن الإسلامين يوجب علينا التمييز فيما بينهم، كما يوجب علينا الإقرار بكونهم ليسوا جسدا واحدا إذ توجد فجوات بينهم بالرغم من سعي البعض منهم إلى إصدار بيانات هنا أو تنسيق جهود هناك، وخاصة ذات الطابع الدولي: قضية فلسطين، العراق، لبنان، باسم "الحركة الإسلامية المغربية" ملوحين بكونهم لازالوا مجتمعين على بعض القضايا، وإن كان منطق الإقصاء واضحا في الحديث باسم الحركة الإسلامية المغربية، متجاهلين العديد من مكوناتها الأخرى، كما يوجب التمييز بينهم فيما يخص الموقف من قانون مجلس النواب بين من هو رافض أصلا للمشاركة السياسية وبالتالي يعتبر نفسه غير معني بما يسميه باللعبة السياسية" الانتخابات" وبين من يسعى للمشاركة وبين من هو مشارك.
هذا التقصير راجع إما لكون البعض منشغل ببناء التنظيم كما هو الشأن بالنسبة للبديل الحضاري وإن كان عبر في بيان له عن رفضه لهذه الزيادات، كما انخرط في الائتلاف الوطني ضد قانون الانتخابات الذي تشكل مؤخرا بمدينة الرباء لكن لم يتبع ذلك تحرك ملموس نظرا لكونه لازال حزبا فتيا، فيما جماعة العدل والإحسان منشغلة بالبحث عن الأجوبة التي تمكنها من الحفاظ على ماء الوجه خاصة وأن سنة 2006 أوشكت على النهاية، والتي تموقع نفسها خارج النسق العام بل تعتبر نفسها نقيضا لكل ماهو قائم، وبالتالي فهي غير معنية حاليا بما يجري مادامت لازالت لم تقم الخلافة الإسلامية التي ستحل بها كافة مشاكل الشعب المغربي، فيما الحركة من أجل الأمة منشغلة هي الأخرى بسؤال البحث عن الذات والسعي إلى تأسيس حزب باسمها خاصة وأن البديل الحضاري حصل على وصله القانوني، وبالتالي سهل لها الطريق نحو المضي مرة أخرى في استنساخ تجربته.
هذا في الوقت الذي نجد فيه حزب العدالة والتنمية وهوالذي رجحته استطلاعات الرأي الأمريكية إلى حصوله على مقاعد وازنة في الانتخابات المقبلة، يحاول دفن رأسه في التراب خوفا من تحمل المسؤولية الحكومية، وبالتالي تكرار نفس أخطاء غريمه الاتحاد الاشتراكي، الأمر الذي يفسر تراجعه وعدم انتهازه الفرصة، خاصة وأن الانتخابات على الأبواب وبالتالي تأطيرهذه الاحتجاجات أو على الأقل المشاركة فيها في اتجاه فضح سياسة الأغلبية الحكومية التي كانت وراء هذه الزيادات وهي التي تقف اليوم وراء تمرير قانون الانتخابات التي تسعى من خلاله إلى التحكم في الخريطة السياسية المقبلة. فأين هو الحماس الذي قادت به العدالة والتنمية معاركها الحامية في خطة إدماج المرأة في التنمية في ظل حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمان اليوسفي والتي بفضلها حسنت موقها في الخريطة السياسية الحالية.
فالأكيد أن هذه القضايا تهم كافة أبناء الشعب المغربي، ومعروف من يقف وراءها، وبالتالي كان المفروض أن يتم التصدي لها بكل حزم وبكل قوة باعتبارها تهدد حق جميع المغاربة في العيش الآدمي الكريم، فالمغاربة بحاجة إلى إسلاميين منخرطين فعليا في قضاياهم اليومية وقادرين على تقديم إجابات عن معضلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها، فالانخراط في هذه المعارك من عدمه هو بداية تأكيد المصداقية أو فقدانها بالنسبة للإسلاميين.
لكن الأكيد أيضا أن هذه التحركات المعزولة لطرف بعينه وبالرغم من أهميتها فهي تعكس أيضا عدم قدرة مكوناتنا تجاوز عقدة هذا يساري وهذا إسلامي كما تعكس عدم قدرتها على الاصطفاف على أساس البرامج والمشاريع و المواقف المنحازة للشعب المغربي، والاستمرار في التقاطب الأيدولوجي، إذ ما معنى أن يتم إشراك حزب البديل الحضاري في الائتلاف الوطني الذي دعا له اليسار الاشتراكي الموحد، وفي نفس الوقت يتم إقصاؤه في بعض المعارك المحلية التي شهدتها بعض المدن المغربية ويتم التنسيق فقط بين مكونات "اليسار الديمقراطي"، ألا يعكس هذا ازدواجية في الخطاب عند اليسار المغربي.
فكم كان الأمر جميلا لو توحدت كل التوجهات من خارج الأغلبية الحكومية ووحدت فعلها الاحتجاجي سواء فيما يتعلق بالزيادة في المواد الأساسية والخدمات أو فيما يتعلق بالقانون الانتخابي، وبالتالي التأسيس لثقافة وممارسة جديدتين ببلادنا قائمة على أساس من مع الديمقراطية ومن ضدها، من يقف إلى جانب القضايا العادلة للشعب المغربي وبين من ينحاز إلى الفاسدين والمفسدين ببلادنا.




Aucun commentaire
اشكرك على هذا المقال الذي يظهر من حلالها مدى غيرتك علىوطنك وحصرتك على مواطنيك كما اشكرك على الصدق الذي كاد أن ينبعث من بين سطور المقال وجزاك الله خيرا