سورة الاسراء وبنية الخطاب القرآني

يحيل لفظ القرآن الكريم من داخل نص سورة الإسراء على عدة مداليل تشكل الخيط الناظم لرسالة الوحي ومقاصدها السامية فهو هدى وتنزيل و ذكر وشفاء ورحمة ومستور وممتنع ومشهود وفرقان…يؤطرها الفعل الأول المخصب للعلاقة بين السماء والأرض بلوازم التلقي والقراءة الخاشعة التي تتعدد وظائفها فهي ترتيل وتدبر وتفسير وتلق للنص القرآني.
ويحيلنا فعل التلقي لسورة الاسراءالعظيمة في شهر رجب الخير وهو من الأشهر الحرم الذي شهد أكبر المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدا /ص/ ليثبت صدق النبوة ووحدة مصدر الوحي وتفرده سبحانه بالألوهية وقدرته جل وعلا على الخلق وتدبير الملكوت وتصريف شؤون الكون .
تتميز بنية الخطاب القرآني في سورة الإسراء المكية المحفوفة بالتسبيح المقيد للشك وبالحمد المنبثق عن الإقرار بالنعمة و التي يبلغ عدد آياتها 111بالتنوع والتعدد فهي تتنوع من حيث القضايا الكبرى التي تطرحها من قبيل قضية النبوة والوحدانية ومسؤولية الفرد وتبعة الجماعة ومنظومة القيم وميثاق الآداب وفضل القرآن مستهلة هذه الطروح وغيرها بتسجيل واقعتين كبيرتين في علاقتهما بقدسية المكان والزمان واختراق قوانينهما يتعلق الأمر بخارقة حسية تمت في جزء يسير من الليل طوى فيها الرسول /ص/ بواسطة براق سيدنا جبريل عليه السلام المسافة الفاصلة بين بيت الله الحرام الموصول ببيت الله المعمور وهو أول مسجد يشيده سيدنا إبراهيم على الكوكب الأرضي والمسجد الأقصى الموصول بمنفذ إلى السموات السبع والذي بناه سيدنا سليمان بعد أربعين سنة من التشييد الأول .
ولعل من مقاصد الإسراء إشباع فضول الحائرين والمتعنتين من مشركي شبه الجزيرة العربية بعامة وكفار قريش بخاصة وإنجاز وعد المعية الذي خصت به سورة النحل المتقين والمحسنين من الأمة . وبما أن محمد/ص/ هو أفضل المتقين والمحسنين فقد رافقه المولى في رحلة الإسراء المباركة من مكة الحرام إلى القدس الشريف ثم صاحبه الحق جل وعلا في رحلة العروج إلى سدرة المنتهى حيث تم تأييد ه برؤى ربانية ومنن إلهية ومقام محمود يمكنه من تبليغ رسالة التوحيد وإثبات تفرد المولى بالألوهية . وقد عبرت الآية الكريمة الأولى عن هذه المقاصد السامية بلمسات بلاغية تقوم على النظم المحكم لصفات الألوهية كالحياة والقدرة والحكمة …المنزهة عن النقص والعيوب والمثبتة لكمال الذات العلية ثم المزاوجة بين ضمير الجمع الذي يفيد التعظيم وضمير المفرد الذي يدل على التفرد وباستعمال صيغة الظرف الزماني المؤسس/ليل/ الدال على برهة وجيزة من الليل بدل ظرف الزمان المؤكد /الليل /المستغرق لكل الليل والتلميح لشمول المكان من خلال إرادة المسجد الحرام و مكة الآمنة المطهرة بدل بيت أم هانئ الذي انطلق منه الإسراء والتلميح إلى المسجد الأقصى الذي سيشيد استقبالا من طرف سيدنا إبراهيم أو سليمان حسب الروايات بدل بيت المقدس مهبط الشريعتين الموسوية واليسوعية وإحلال محمد /ص/ منزلة عليا بنعته بالعبد ونسبته إليه سبحانه وهي عبودية اختيارية مرقية في درجات الحظوة خص الله بها بعض أنبيائه ومرسليه المقربين. إن سورة الاسراء المتجاورة في إطار بلاغة السابق باللاحق بسورة النحل المتضمنة لخطاب عذب كالشهد كله تأسيس للقدرة على الخلق وسورة الكهف الموسومة بخطاب الآيات والعبر المحتفية بمعجزة الزمن وسرعة إتيان الخوارق في معرض القدرة الإلهية على طي المكان واستغراق الزمان و اختراق كل المسافات والقياسات الضوئية وغير الضوئية .
مما يؤكد على أمر ذي شأن عظيم هو تحويل القيادة الروحية للمسجد الأقصى من الموسوية للمحمدية ومن أمة إسرائيل إلى أمة الإسلام. الشيء الذي شكل تحولا نوعيا يندرج في سياق تلبية الله سبحانه وتعالى لرغبة رسوله الكريم بتوليته قبلة يرضاها رضى يرتقي في معارج الكمال ليبلغ سدرة المنتهى في برهة زمنية يسيرة تكسر قواعد المكان وقوانين الزمان وتفحم كفار قريش المجادلين في صد ق نبوة محمد /ص/ وفي وحدة مصدر الوحي . إنه ارتقاء بالروح الطاهرة والجسد الكريم من الله وبالله وإلى الله وفضل منه سبحانه على نبيه بثلاثة منن أبرزها الصلاة و خواتم سورة البقرة والشفاعة يوم القيامة لعل نور اليقين ينفذ إلى القلوب القاسية المتأبية عن التسليم بالوحدانية والقدرة الإلهية على إتيان اللامستطاع .وما يلفت النظر في هذه الآية الأولى من سورة الحمد الله هوا لربط بين مكانين مقدسين/ بيت الله الحرام والمسجد الأقصى وبين رسولين كليمين لله موسى عليه السلام ومحمد /ص/ وبين كفار قريش وشبه الجزيرة وأمة إسرائيل وهو ربط يخفي وراءه الكثير من التشابهات بين مسعى الرسولين و ردود فعل أمتين تجاه الدعوة مما يعزز مبدأ الوحدانية ووحدة المصدر. هذا وتتمفصل سورة بني إسرائيل إلى أربعة مفاصل كبرى تتخللها استطرادات ونذير :
*- عرض واقعتي الإسراء والمعراج.
*-تحويل القيادة الروحية.
*-آيات التفرد بالألوهية.
*-أحكام وتبعات.
تتلون بنى النص القرآني بين البنية الحكائية المتشكلة من قصة الخلق وقصة فساد بني إسرائيل وقتل أنبياء الله شعيا ويحيى وزكريا…وقصة الطوفان وقصة الناقة… وأمثال هلاك أقوام من بعد نوح وأمثال البعث والنشور والاحتكام لأطوار تاريخ الأمم والأفراد للبحث عن النظير.
وأسلوب القص في القرآن ينطلق من الفطرة البشرية ونزوعها نحو الاتعاظ بموقف أو وضعية أو حالة والاقتناع بسحر معنى المعنى. أما البنية الحجاجية في نص سورة الإسراء فتأخذ عدة أبعاد أبرزها محاججة الفئة المتعنتة في أمور الغيب والقضايا الدينية المجردة بآيات الخلق المشاهدة المحسوسة كآية الليل والنهار وصيرورة الزمن مثلا وبواسطة سؤال التحدي الكابح لجماح العناد كسؤال الروح وسؤال النسج على منوال كلام الله وسؤال النشر والبعث . ولعل السؤال القرآني هو المدخل الأساسي لولوج البنية الحوارية التي يميزها في نص الإسراء النذير والوعيد مع أمم بني إسرائيل والترغيب والوعظ مع أمة محمد /ص/ و التأدب مع الرسل والأنبياء والمتقين …ولعل من مقاصد الحوار القرآني بالإضافة إلى ترسيخ حرية التدين وحق الاختلاف دون تمرد على ثوابت الفطرة والإقناع بموقف أو اتجاه…تأسيس مرجعية الأحكام ومنظومة الأخلاق التي تحدد المسؤولية الفردية و التبعة الجماعية حتي يكون للحوار إطار ومعنى ومشروعية. وتعتبر سورة الإسراء ثاني سورة بعد المائدة تعرض مدونة للأحكام تهم مجالات العقيدة والأسرة والتكافل والتدبير وحق الحياة والعفة الاجتماعية والاعتداء على الحقوق والمعاملات التجارية و السلوك والشمائل…
إن سورة الإسراء المكية تؤسس لوجودين في النص القرآني وجود قائم الذات في كلية النص ونسيجه يدل على مكانة المصطفى /ص/ ومنزلته العظيمة ووجود بالحكاية يفرضه سياق النص وتدعو إليه مساقاته كوجود سيدنا موسى ونوح وصالح عليهم أفضل الصلاة والسلام.




Aucun commentaire