Home»Islam»سورة مريم وبلاغة آثارالصنعة الالهية

سورة مريم وبلاغة آثارالصنعة الالهية

0
Shares
PinterestGoogle+

تعتبر سورة مريم المكية المرتبة في المصحف الشريف الرتبة 19 والمشتملة على 98 آية من السور 29 المصدرة بحروف مقطعة( الكاف و الهاء والياء والعين والصاد) منثورة في متن السورة لتحيل على اسم الله الأعظم المنزه عن النظير أو المثيل أو القسيم المدرك للأبصار دون أن تدركه الأبصار « هو الله العلي الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفئا أحد « وتشكل هذه الإحالة الأساسية بهامشها سورة آل عمران التي تتضمن تفاصيل أوفى عن قصة سيدنا عيسى ومريم العذراء حيث يتحدد بموجبها موضوع القيمة للسورة العظيمة في  » تنزيه الله عن الصاحبة والولد  » تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،وبيان قدرة الله على إتيان اللامستطاع ».

ومن منطق النص القرآني الداخلي ومن داخل مفهمة « الذكر « ذكر سيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين يؤسس النص القرآني مفهوما جديدا للدعوة ينبني على خطاب الإفحام بمقارعة الحجة، و على عنصر الإقناع بالاحتكام إلى رصد حالات مشاهدة ،وعلى منهج القدوة في الإخلاص في الاعتقاد بوحدانية الله و تنزيهه من الولادة والولد والصاحبة، وعلى نموذج التأسي في مجال الإحسان إلى الوالدين بعد طاعة الله، والاستقامة في نهائج النظر والتصرف والمسلكيات بعيدا عن الوعظ والارشاد الذي قد لا يستميل إلى منظومة الاعتقاد والقيم والمعاملات بشكل سلس وعلى درجة عالية من الاستقطاب كما هوا لحال بالنسبة لمنهج اقتفاء الأثر ورصد نماذج بشرية حية . وبإحكام متناهي لمزية حسن التخلص يستعرض الخطاب القرآني آيات العظمة والإعجاز في مجال الخلق و الولادة والرفق بالوالدين بأسلوب متين مستنفر لقوى تكثيف المعنى المحيلة على متعاليات إيحائية تخترق معنى المعنى وترتقي في مقامات الفيض المقاصدي. فبعد تهييئ أسباب تلقي الآية الكبرى المبشرة بولادة سيدنا عيسى بدون أب من خلال قبول مريم كخديمة لبيت المقدس رغم كونها أنثى وتوفير جو الطهارة بالتنشئة في كنف النبوة والانحدار من أصلها( إبراهيم الخليل وهارون وداوود) وتأمين سبل العيش الكريم دون كسب( رزق الله لها من فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف …) وتخليصها من الدنس من دون سائر النساء انبرت الآيات من 2 إلى 15 لعرض آية الله العظيمة الخارقة للقوانين الطبية التي ترهن الإنجاب بالسن والسلامة من العقم و المتمثلة في ولادة سيدنا يحيى تلكم الولادة المعجزة التي تشكل النموذج العملي الناشد للكمال في الجمع بين إخلاص للعبادة لله وحده بدون شريك وطاعة الوالدين والرفق بهما وهي في نفس الآن آية مسوغة لآية الله العظمى الواردة بين الآية 16 و33 التي تشكل قمة الإعجاز الطبي والعلمي في كل زمان ومكان ولادة خارقة تزف للإنسانية من داخل سياق النص القرآني رسول الله عيسى عليه السلام من أم عذراء و صديقة من دون أب لاتناظرها إلا الولادة الأولى في قصة الخلق ولادة سيدنا آدم وأمنا حواء.لكن ولادة المسيح عليه السلام تعتبر حدثا لايتكرر و انعطافة حاسمة في سيرورة اعتقاد بني إسرائيل ونقلة نوعية في مجال التدين تنقل قوم موسى من الديانة اليهودية إلى الديانة المسيحية ومن قيادة روحية تمجد القوة وتنبذ الشركيات إلى قيادة روحية متسامحة تشيع المحبة بين الناس وتقبل الاختلاف و تبشر بقيادة سيدنا محمد /ص/ الكونية من داخل النص القرآني وبين ثنايا الفهرسة القرآنية وهي قيادة تخاطب الناس كافة وتحمل لهم رسالة التوحيد المتناهي في الإخلاص وتتمم مكارم الأخلاق.

ولعل قصة ولادة سيدنا عيسى عليه السلام من أم تقية محصنة تشكل مقاربة جديدة للمسألة النسائية تقوم على خطاب الدعوة بالقدوة والنموذج المشرق الذي يحتفي بقيمة العفة صمام الأمان لنزوعات الانسان نحو الرغبة وقلعة تحصين منيعة للذة المحفوفة بخطر الزلة ولفت لانتباه المتلقي لأهمية مؤسسة الزواج في ظلال شرع الله ولدور الأم في التنشئة حيث التسامي المرتقي بالتوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد. فتسمية القرآن للسورة 19 من المصحف الشريف باسم مريم هو إكبار لجنس المرأة الطاهرة المستقيمة وتعظيم لمكانتها وإجلال لرسالتها المحصنة للمجتمعات والأمة وهو نموذج حي ينبض بالعملية و بالمثل العليا تضارعه نماذج نسائية مضيئة كنموذج فاطمة الزهراء بنت رسول الله /ص/ أم أبيها و سيدة العالمين وهو نموذج متوهج بنور التبتل والوفاء للدعوة والصبر ومواساة الأب في أحرج الظروف إلى جانب نموذج الزوجة الأولى خديجة بنت خويلد التي ناصرت الرسول الأكرم وساندته في المواقف المصيرية خاصة أثناء التلقي الأول للوحي ومناوئة قريش لقضية الإسلام وهي وقفات لايوازيها إلا نموذج آسية التي وقفت ضد جبروت فرعون واستعلائه وادعائه الألوهية ورضيت بالعذاب لكنها لم ترض بغير الله جل وعلا ربا. ماأحوجنا إلى هذه النماذج النسائية الوهاجة في وقت أصبحت فيه المرأة سلعة تباع مكسورة الجناح مهضومة الحقوق بدون رسالة حقيقية ناهضة بالأمة وضامنة بفضل دور التربية على القيم للأمن العقدي ومؤمنة لسلامة الأجيال من الغزو الفكري والديني.

بل ما أحوج الكواكب الصاعدة لنماذج رجالية تعيد لها وهج التقى ونور الإحصان وأريج البر بالوالدين كنموذج سيدنا عيسى الذي تناهى في القرب من الله وتسامى بالطاعات و تفانى في حب والدته مريم الصديقة وتبرئتها من الظنون والافتراءات وكنموذج سيدنا إبراهيم الخليل الذي أثابه الله على اختيار طريق العارفين بجلائل القدرة الالهية و السالكين لدرب الرفق بالوالدين ولو كان الأب متعصبا لعبادة الأصنام بتحويل الأحجار المقدسة أنبياء يملئون العالم بنور التوحيد وضياء اليقين كنموذج سيدنا إسماعيل الذي ضرب أروع الأمثلة في تحقيق المزيتين طاعة الله وطاعة الوالدين وشكل دليلا قاطعا على نفي الولد والصاحبة عن الرب الواحد الأوحد.
إن سورة مريم المكية صرخة سماوية لجنس النساء للتحلي بفضيلة القرب من الله و بزينة العفة والتخلي عن موضات العري وكشف الجسد وثقافة الخلان والاستغراق في ملذات الدنيا لملامسة التجلي النوراني لمريم الصديقة وشم عطر الجنة من شمائل سيدة العالمين فاطمة الزهراء. و هي كذلك استقطاب قرآني جذاب بمنهج القدوة والتأسي لجنس الرجال للجمع بين الطريقين: طريق العارفين بجلائل القدرة الالهية وطريق السالكين لدرب المصطفى صاحب الخلق العظيم والمفضل بالخبر على الطلب على سائر الأنبياء والمرسلين كما يرى جلال الدين الرومي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *