من يحمي المغفلين ؟

الغفل
،كما ورد في لسان العرب، هو الذي لا يرجى خيره، ولا يخشى شره . ورجل غفل :لاحسب له
، وقيل :هو الذي لايعرف ما عنده ، وقيل : هو الذي لم يجرب الأمور(ابن منظورالجزء11
ص 499 ). وفي القانون يسمى بذي الغفلة .أما في المتداول اليومي : يطلق على الرجل
الغفل « النية » وهومصطلح قدحي يتظمن كثيرا من العيوب ، كالسذاجة والبساطة
والبلاهة وسوء التصرف … والمغفل كما أراه ، هو رجل يتصرف بعفوية مطلقة ، لثقته
العالية في من حوله ، ولافتقاده لآلية التمييز بين الصدق والكذب ،والحق والباطل
،ولجهله بثقافة المكر والخداع والتحايل… ومن ثم فهو سهل التصديق ، ضعيف الإرادة
، سهل الانقياد والانخداع ، لرغبات المخادع .وبعض الفقهاء ألحق المغفل بالسفيه
للعلة المشتركة بينهما ، وهي سوء التصرف وعدم القدرة على الاهتداء ، إلى ما فيه
المصلحة الرابحة ،وأفتى بالحجز عليه ، كما يحجز على السفيه .كثيرا ما يسقط هذا
المغفل البسيط ، في شراك من يعتقدون أنهم غير مغفلين وأذكياء فيسطون على مصالحه
وحقوقه مستغلين ثغرات القانون ، أو الجهل به وعدم الاطلاع عليه ، إما لكثروتشعب
القوانين والبنود المنظم لمشاكل الحياة العامة ،وإما للجهل والأمية ، التي يعاني
منها جل الناس البسطاء ،الذين لا يفهمون معنى القانون أصلا ، وإما لعدم قراءة نصوص
الاتفاقية ،أو العقدة ، التي قد تكون تحتوي على العديد من الالتزتمات المترتبة
علينا ،إن لم نلتزم ببنودها ، بسبب إخفائها وكتابتها على ظهر الورقة ، بخط صغير
جدا لا يكاد يقرء بالعين المجردة ، وإما بسبب استعجالنا من طرف موظف الشركة ،
أوالمحتال الذي يهمه النصب علينا ، لكي نمظي العقدة اوالاتفاقية ، دون قراءة ما
جاء فيها …
وهكذا تضيع مصالحنا وحقوقنا ثم يقال لنا : » القانون لا يحمي
المغفلين » .إن كثرة القوانين المنظمة لمشاكل الناس ،وتشعبها، وصعوبة فهمها،
مع كثر التفاسير القانونية ، حولنا جميعا إلى مغفلين وبسطاء، حاشا المحامين
والقضاة ، وهم الذين أطلقو ا المقولة الظالمة « القانون لا يحمي المغفلين »
التي تتظمن الحماية ، والسماح لغير المغفلين ، باستغلال المغفلين والبسطاء . فمن
يحمي المغفلين ، إذا لم يحمهم القانون ؟ لماذا لايأخذ المشرع القانوني بعين
الاعتبار، جهل أكثر الناس بالقانون ؟ خصوصا عندما يكون الاطلاع على النصوص
التشريعية ،حكرا على فئة أو طبقة معينة ، وغير ميسر لكافة الناس ، ومحاطا بهالة من
الملابسات والتأويلات ،وعليه حصاروتعتيم إعلامي ؟ إن مصيبة « القانون لا يحمي
المغفلين » هي رأس الظلم الذي تعاني منه الفئة الساذجة البسيطة من البشر. لأن
القاضي يعتمد في حكمه على مواد وبنود القانون ، وعلى البينة ، والشهود واليمين ..وليس
على حسه ، أوضنه وشكه ، ولا على قناعته ،أوفراسته ، ولا حتى على يقينه . فهو يحكم
بالظاهر ، ولا يعتمد السرائر . ومن ثم فقد يكون حكمه لصالح من لا يريد أن يكون في
صالحه ، وقد يحكم لصالح طرف، وهو يعلم علم اليقين ،أنه المظلوم فعلا .ومع ذلك فهو
يأخذ منه ، ويعطي للقوي الشديد . ولقد قضى شريح لليهودي في قضية الدرع ،لأن خصمه
الإمام علي رضي الله عنه ، لا يملك البينة ، وشهادة ابنه الحسين لم تنفعه ، مع
علمه بصدق الإمام علي وابنه رضي الله عنهما . إن الواقع القانوني يصرح بعدم حماية
من سماهم بذوي الغفلة ،أو الجاهلون بحكم القانون في حين، تدعي النصوص والتشريعات
القانونية ، إعطاء الأولوية لحماية هذه الفئة من المغفلين ، وتطالب القاضي
بالتساهل، أو التدرج في مؤاخذة من به غفلة ، والوصاية له بمحام ، أوكيل يدافع عن
مصالحه وحقوقه …
إن مقولة « القانون لا يحمي المغفلين » ليس لها أي سند
شرعي، في ديننا الحنيف .لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :[ إنكم تختصمون إلي ،
وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ,إنما أقضي بينكم على نحو
مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء ، فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من
النار يأتي بها يوم القيامة.] ( رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة) .وهذ القاضي شريح
كما حكى عنه ابن أبي زائد عن عوف عن محمد قال : ( كان شريح مما يقول للخصم : ياعبد
الله ، والله إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ، ولكني لست أقضي بالضن ولكن أقضي بما
حضرني ، وإن قضائي لا يحل لك ما حرم عليك ) . إن العلاقات الاجتماعية متداخلة ،
والاحتكاك الاجتماعي ضروري للسيرالعادي للحياة الاجتماعية ، لكون الإنسان اجتماعي
بطبعه .ولذلك أوصت شريعتنا السمحاء وديننا الحنبف بالتناصح (الدين النصيحة ) وعدم
الغش أو الخداع (من غشنا فليس منا ) ، وليس على نهجنا من تحايل علينا أو مكر بنا
في المعاملات .فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ،يعلمنا كيفية التعامل بصدق ووضوح
ودن غش، أو تدليس أو تحايل أو مكر وخداع مع البسطاء والسذج ومن سموهم بذوي الغفلة .
من خلال حديث [ إذا بايعت فقل : لا خلابة] إذ كان أحد أصحابه يتبايع في السوق وهو
لا يحسن المبايعة والمساومة فشكاه أولاده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، كأنهم
يريدون أن يمنعوه .فقال صلى الله عليه وسلم [لا ولكن ينبغي أن يقول : »لا
خلابة » ]( بمعنى لا خديعة ولاغبن ولا فحش ولا تدليس.)( متفق عليه) .كما أن
الرسول صلى الله عليه وسلم أجازوقوع الإقالة من البائع والمشتري الذي يشعر بالغبن
أو الندم . في قوله صلى الله عليه وسلم :[ من أقال مسلما بيعته أقال الله عثراه ]
( رواه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان والحكم ) .لكن الذين يبغون حكم الجاهلية
من الشركات والمقاولات والأبناك والسماسرة …لايجدون جوابا لضحاياهم الذي يتوسلون
لإقالتهم ، من الالتزامات التي ترتبت عنهم بفعل الخداع والمكر، غير مقولة فقهاء
القانون » القانون لا يحمي المغفلين » لقد دعى جلالة الملك محمد السادس
نصره الله ،إلى إصلاح شامل للقضاء لاعتبارات إنسانية ، قبل أن تكون سياسية ،من أجل
تحقيق العدالة بين رعاياه والثقة في القضاء ، ولكن هذه الثقة ، لن تكون أبدا ، ما
دامت مقولة » القانون لا يحمي المغفلين » تجد لها موطئ قدم تحت قبة
عدالتنا




Aucun commentaire