محمد بنعمارة بين الغائية السياسية

وداعا أيها الشاعر، الإنسان…
محمد بنعمارة بين الغائية السياسية
والغائية الجمالية
بلقاسم الجطاري
كلية الآداب -وجدة
نحن العرب
أمام سادتنا العرب
نصاب
بالخوف والنور والتعب
وأن أخبر الشعر عن حالنا
اتهموا القصائد بالشغب
الشعر الذي يمثل الرفاهية في بيئة قوامها البؤس والحرمان، شعر لا يحترم قراءة وهو بالتالي لا يحترم السمو الإنساني في صدق الوصف والتصوير، فليس من الحق أن يبقى الشعر المغربي المعاصر غفلا عن طابع يميزه ونحن في ظرف أحوج ما نكون فيه إلى تعبئة أدبنا لإظهار ما يحتوي عليه الواقع العربي من مساوئ ومحاسن، أما أن ينضم الشعراء وهم معرضون عما يقع أما أعينهم وعما يمثل فوق أرضهم وعن عناصر البيئة التي تصبحهم وتمسيهم، فإن كتاباتهم هذه يمكن أن تسمى كتابة ولكنها لا تسمى أدبا ولا تشجع قراءهم على أن يستزيدوا من هذا الأدب لأنهم لا يتذوقونه ولأنه لا يحرك وترافيهم. وإذا حاولنا دراسة رؤية الشاعر محمد بنعمارة السياسية- الجمالية فغننا سنضطر إلى وضع بعض العناوين التضمينية لكل مجموعة من الأبيات على شكل محاور منها:
أ-الاتصال# الانفصال:
يمكننا اعتبار هذه المحور مقدمة للمحاور الأخرى يقول الشاعر:
ونورس هرم حزين
يبكيك يا بلدي الحزين
في البدء لا بد من ملاحظة الطابع الوجداني الرومانسي للاتصال عند محمد بنعمارة والاتصال هو رغبة تصدرها الذات، مقابل رغبة مضادة يصدرها الوطن، وهي الانفصال، ويمكننا القول إن هذه الثنائية توجز لنا تاريخ الوعي لدى الشعراء، ففي المرحلة الرومانسية حاول الشعراء مخاطبة الوطن بالأسلوب الرومانسي التي وعيا منهم أنها الطريقة الأمثل لتحويل مجرى الواقع، لكن الأزمات السياسية التي حدثت وعاصرت هذه المرحلة أقنعت الشعراء بضرورة محاورة الوطن حوارا مسؤولا وواعيا. ولم يكن الانفصال جليا في البداية، إنما كان واقعا، يمارس دون الكشف عنه ولم يظهر على الساحة السياسية إلا بعد تحول الاتصال من رغبة خطابية إلى رغبة فعلية، وهنا تحول الانفصال من فعل خفي إلى فعل جلي تجسد في الحفاظ على واقع المجتمع بكل الوسائل.
ويمكن تلخيص ولادة وتطور العلاقة بين المجتمع والذات في الشكل التالي:
المرحلة الأولى
الرغبة
الوسيلة
الاتصال
الخطاب الشعري والسياسي…
الانفصال
الخداع والهروب والتسويق
المرحلة الثانية
الرغبة
الوسيلة
الاتصال
الفعل السياسي
الانفصال
الفعل المضاد: القمع السياسي
ومن نتائج هذه العلاقة وعي الشعراء بواقعهم السياسي لكن لا يمكننا إغفال النتائج الأخرى السلبية، التي تمخضت عن المرحلة الرومانسية، فالشعراء الذين حملوا مشعل الكلمة في تلك المرحلة (مع استثناءات) لم يستطيعوا إنارة الطريق أمام جمهرة القراء الشيء الذي أدى إلى تأخر في الوعي وضبابية في الرؤية لأن انسياق الشعراء وراء المذهب الرومانسي جعلهم يهمشون خصوصيات واقعهم السياسي، إضافة إلى عدم تأسيسهم لوعي وطني ثابت، يكتسب عناصره من العناصر المكونة للهوية الوطنية.
فهذه المعطيات وغيرها كانت سببا في الخطأ الثاني الذي وقع فيه الشعراء في المرحلة الواقعية والذي نعاني من نتائجه الآن، وهو انسياق الشعراء في المرحلة الواقعية وراء التيارات السياسية متأثرين بقراءاتهم آنذاك، دون التفكير في خصوصيات هوية المجتمع، فالمجتمع لا يبنى من الخارج، إنما من الداخل، حتى وإن حاولنا تغيير المظهر الخارجي للمجتمع، فإن الذات لن تتغير بل ستعلن رفضها لهذا التغيير، لدلك فإن عدم الوعي بأن التغيير يكون بناء على الخصوصيات الأساسية للذات، وعدم إلتزام بتلك الخصوصيات، هو الذي ساهم فير خلق وعي خاطئ للمجتمع وساهم في الحفاظ على الواقع، لأن دور الشاعر لا يكمن في الإخبار بالواقع، إنما في بناء وتحويل الذات من ذات غير فاعلة إلى ذات فاعلة في المجتمع.
وستكون هذه النتائج التي تمخضت من ثنائية الاتصال # الانفصال، سببا في الوعي بالثنائية التالية:
ب-الغياب # الحضور:
لأن لانفصال ما هو إلا نتيجة لغياب المجتمع الذي ينسجم مع الذات. وما الاتصال إلا الرغبة في اندماج الذات بالمجتمع وحين يتحدث الشعراء عن الغياب فهم لا يقصدون بذلك الغياب التام، لكن لا يعني ذلك نفي حدوثه في المستقبل. لأن الغياب يتم تدريجيا، فمن يستطيع إثبات أن الهوية الوطنية في الثمانينات هي أحسن حالا منها في الستينيات بل إنها تتجه نحو منحدر خطير، إن لم نوقفه أو نصلحه، فإننا سنفقد كل معالم وسمات الذات الوطنية المسلمة وحين نقول الذات المسلمة فيجب أن نكون على وعي بوضع كلمة « مسلمة » لأنها تحتل دور التمييز، فإما أن تكون الذات / الهوية الحضارية إسلامية،وإما أن تكون غير مسلمة أي نصرانية أو يهودية أو مجوسية أو دهرية، أو …. ومن بين النقط المدرجة ضمن هذا المحور:
الإخباربالغياب:
– من شجرة هذا الوطن المنفى
– أنت لا تملك موطنك المنفى
الملاحظ أن التعبير عن الغياب ورد صيغ دلالية، تدل على أنه فعل قسري فرض على الذات، لارتباطه بحقل دلالي يثبت عنف وقوة ذلك الفعل: النفي.
ولا أعتقد أن القارئ في حاجة لتوضيح ولو بسيط، لكي ستطيع تحليل الأسباب الكامنة وراء غياب الوطن، لكن لا بد من الإشارة إلى أن الغياب هو واقع حضاري، والوعي بالغياب نتج عن وجود حالة وعي بضرورة حضور الوطن حضاريا، هذا الوعي هو الذي أفرز لنا الغياب القسري، لأن الوعي يشكل عنصر الرفض والمواجهة لهذا الواقع.
وبناء على ذلك يمكننا استخلاص العلاقة الموجودة بين الذات وبين إطارها الجغرافي، هذه العلاقة التي تتسم بالصراع لغياب الوطن حضاريا، فالوطن المنفي، هو الوطن الأصل. وهو وطن الذات. أما محاولة تغيير هويته فلقيت معارضة من لدن الذات. لانصهارهما واندماجهما ومن الطبيعي أن تنتج المعارضة صراعا حادا ومريرا.
والمعارضة تهدف إلى محاربة كل محاولة اغتيال حضاري للوطن وهي وسيلة من وسائل إثبات الذات الحضارية للوطن، وإذا ورد التعبير عن تلك المحاولة في صيغ قسرية، فلا للدلالة على الغياب (أو محاولة التهميش) في حد ذاته، إنما للدلالة على عنف وقوة المواجهة بين الذات التي تحاول الحفاظ على الهوية الحضارية للوطن، وبين تلك (أي الذات) التي تحاول تشويه وطمس المعالم الحضارية للوطن.
وإذا كان الإخبار يرتكز على الوطن، فهذا يدل على أن الذات، تحتفظ بخصوصياتها، ولم تذب في النسق الحضاري المخالف لمميزاتها، لكن هذا القول لا ينطبق على كل الشعراء، علما أن المنطلق الإيديولوجي لبعض الشعراء دفعهم إلى نعت الوطن بالموت (المقتول)، وقد يقبل منهم ذلك التعبير، إن قدموا لنا تصورا واضحا للبنية الحضارية للوطن، أما أن يفقد الشاعر هذا التصور، فإن ذلك سيؤدي به إلى استيراد تصورات أخرى من شعوب أخرى، مع تهميشه للهوية الحضارية لوطنه. فيحاول الانطلاق من واقع آني، ليصنع صورة معينة لوجوده المستقبلي، ناسيا أن تلك الصورة أو ذلك ليس نسخة البناء الحضاري سيكون هشا لأن الإنسان ليس وليد اللحظة، كما أنه ليس نسخة للآخر، بل إن لكل إنسان وجوده المستقل (أي هويته)، ولا يكتسب هذا الوجود إلا من خلال ارتباطه التاريخي والوجداني والعقلي بالهوية الحضارية لذاته الفردية والجماعية (الأمة).
بعد الإخبار بالغياب والضياع تنتقل بالقارئ الكريم إلى:
أسباب الغياب:
ومن أهم الأسباب التي استخلصنها هي فقدان الذات، وتعدد الأبعاد الدلالية الفقدان الذات، منها ما هو مباشر وصريح الدلالة على فقدان الوطن لذاته ومنها ما هو غير مباشر:
-لأحمل أحزان الأوطان الواقفة أمام الحاكم تمدحه
ومن هنا، يمكن القول أن الوطن، يتمتع بحضوره الجغرافي فقط، أما هويته الحضارية فهي غائبة، وغياب الهوية هو أحد أهم الأسباب لغياب الوجود الحضاري للوطن، الشيء الذي يجعل الوطن يزدوج عبر ثنائية ضدية: الوطن/المكان الجغرافي# الوطن / الوجود الحضاري فالمميزات الحضارية الآنية للوطن تتعارض مع مميزات الوطن/ المكان الجغرافي، (موقعه ضمن المغرب –العالم العربي- العالم الإسلامي) لذلك فهي لا تتحقق للمكان الجغرافي هويته الحضارية، بل إن الوجود الحضاري الآني للوطن يسعى إلى تغيير وتهميش الهوية الحقيقية للمكان الجغرافي، بدل السعي نحو تحقيق وبناء الهوية الحقيقية للمكان الجغرافي ، بدل السعي نحو تحقيق بناء الهوية الحضارية للوطن:
– وطني يأتي في وطن لا نملكه الآن
الشاعر على وعي بهذا التهميش الذي يؤدي إلى تغيير الهوية الحقيقية للوطن، وإحلال هوية حضاري أخرى بدل الهوية الحضارية الأصل للوطن، وهي عملية استعمالية حديثة، لا تعتمد الوسائل التقليدية العسكرية، بل الوسائل الثقافية، الاجتماعية، السياسية، التعليمية، الاقتصادية…
-وطني غصن لا أملكه
فحين يتحول الوطن إلى غصن، فإنه يتحول إلى وسيلة للخصب، وخصب الوطن لا يتجسد إلا في عطائه الحضاري لكن حين تفقد الذات ملكية هذا الغصن، فإن ذلك يعني أن توجهات الذات لا توافق الوجود الحضاري للوطن، وبالتالي فإن العطاء الحضاري للوطن ينفصل عن الذات، ويساعد على إغناء وإثراء ذات أخرى، أما الذات الوطنية فتبقى غائبة حضاريا، مع تسليط ذات حضارية غريبة على الوطن.
فالسبب الأول في غياب الوطن / المكان الحضاري، هو حضور هوية حضارية غريبة واختلالها للوطن/ المكان الجغرافي، طبعا لم يصل الوطن بعد إلى الانسلاخ التام عن هويته الحضارية لكن لا بد يوما أن يصل إلى هذه الوضعية إذا لم يحد من مظاهر الغياب المتعددة، ومن خلال هذه الثنائية، الغياب # الحضور، يتجلى لنا ارتباط الذات بالوطن إذ أننا لا حظنا أن غياب الوطن يؤدي بالضرورة إلى غياب الذات، وحضور الوطن يؤدي إلى حضور الذات. ويمكننا إضافة ملاحظة أخرى في سياق حديثنا عن هذا الارتباط وهي وعي الشاعر بأن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الوطن، هي ارتباط الذات بمميزاته الحضارية، وعدم خروجها عن نسقها، وبناء على ذلك تتحول ثنائية: الحضور# الغياب إلى ثنائية أكثر دلالة وهي: استمرارية وانتشار# موت حضاري، ولا ترتبط هذه ثنائية بالوطن فقط، بل بعنصر ثالث هو الآخر، لكن لابد من الانتباه إلى أن حضور الذات هو غياب الآخر جمع بقائه في إطاره الجغرافي، أما حضور الآخر فهو غياب الذات إلى حدود موتها الحضاري، واحتلال الآخر لمكانها الجغرافي، لذلك فإن أحسن وسيلة للدفاع عن وجودنا وبالتالي عن وجودنا الجغرافي هو التشبث بقيمنا الأصل.
ومن مظاهر غياب الوطن المطلوب:
الضياع:
إن الحديث عن الغياب يتضمن ضمنيا الحديث عن الحضور، لأن الوسيلة الوحيدة التي كشفت لنا هي حضور الذات، واعية بغياب الوطن، فالحضور يتجلى في حضور الوعي بالغياب بأسبابه ومظاهره، فالذات تحضر عبر وعيها وتعبيرها عن ذلك الوعي، ورغم تعدد مظاهر الغياب إلا أننا حددنا مظهرا واحدا، وهو الضياع ، لأننا حاولنا تحديد المحور العام للغياب، وبعد العمومي لابد من اتضاح الجزئيات التي تكونه:
وطن يتبرأ من وطن
فالضياع لا يؤدي إلى التيه فقط بل إلى نتائج أخطر، لأن التبرؤ ما هو إلا إثبات لولادة بعد انسلاخ، ولادة وطن غريب بعد الانسلاخ عن الوطن الأصل، والوطن الغريب ما هو إلا امتداد لوجود حضاري دخيل، استطاع أن يفرض نفسه عبر وسائل وطرق متعددة .فالتبرؤ هو:– اعتراف بحضور حضاري معين
-رفض ذلك الحضور
-الوعي بالغياب الحضاري للوطن
أي أنه رفض للوجود الحضاري بناء على وعي مرجعي يحدد نوعية الوجود الحضاري المطلوب للوطن. ويضيف الشاعر بنعمارة توضيحات أخرى.
فبإضافة إلى عدم انسجام وألفة الذات مع الوطن، يذكر لنا نتيجة أخرى هي التمزق وربما ستشرح لنا هذه النتيجة سابقتها، لأن التبرؤ في شكله العام قد يبدو أنه عدم انسجام الوطن الأصل مع ما هو دخيل، لأن الذات تحضر في الوطن، والوطن يحضر في الذات لانسجامهما وتوحدهما: بلادي ممزقة كقميص المحارب
وقد نؤاخذ الشاعر بنعمارة لكونه لم يعمق لغته الدلالية، فالتشبيه جد سطحي لأن:
الوطن← ممزق←الوطن يشبه قميص المحارب في حالته العامة: التمزق ولفهم البيت الشعري يمكننا الاكتفاء بهذا البعد الدلالي، الذي يمثل الحد الأدنى من الانسجام الدلالي بين الوطن والقميص،لكننا إن حاولنا البحث عن العلاقة الحقيقية لتلك العلاقة قد نستنتج عدم الإنجام لأن:
-المحارب يحارب من أجل مكان معين أو قضية
-المحارب يحارب لمواجهة الخطر
-المحارب يحارب من أجل الحفاظ على هويته الفردية أو الجماعية.
فالتمزق بالنسبة للمحارب يؤكد قوة فعله ومشاركته في المواجهة.أما تمزق الوطن فهو حالة سلبية قد تنتج بسبب :
-عدم مواجهة الوطن للتحديات مواجهة فعلية
-عدم امتلاك الوطن للحصانات العسكرية، السياسية، الاجتماعية…
-عدم الوعي بهويته الحضارية
-الاستسلام للواقع السلبي
لذلك يصعب التوفيق بين الصورتين، لأن العلاقة التي تربطهما هي التعارض لا التوافق. لكن رغم ذلك نقول إن الشاعر بلغ لنا صورته، لأنه حاول وصف حالة الوطن وقد وفق في ذلك .
نعود مرة أخرى إلى التبرؤ وعلاقته بالتمزق، فالتبرؤ هو نتيجة لعدم انسجام الوطن مع ما هو دخيل، الشيء الذي خلق لنا وطنين متناقضين، وطن أصل تختزنه الذاكرة وتمارسه الذات الواعية ووطن دخيل يفرض على الذات.لكن التمزق ينحصر في إطار الذات الواعية بهويتها الحضارية، والتي تجسد هذا الوعي في:
-رفض ما هو دخيل على الوطن
-ممارسة هذا الرفض عبر مواجهة هذا الدخيل
-التبرؤ من الدخيل الذي يؤدي إلى ضياع الذات والوطن الأصل.
-التشبث بالوطن المرجع الذي تحمله الذاكرة مع الفعل من أجل إثباته.
إذن إذا كان الضياع مظهرا من المظاهر العامة، إذا كان فقدان الذات سببا للضياع، فإن الشاعر لم يهمش وينفي الأسباب المساعدة على الضياع وهي:
-هذه الأوطان يغزوها التتار
-الوطن الغارق في ليلة
-ونورس هرم حزين
-يبكيك يا بلدي الحزين
ترتبط الأسباب المساعدة على استمرارية حالة الضياع بمجموعة من العناصر، تحمل أبعادا دلالية معجمية ورمزية، ستساعدنا على مقابلة اللغة بالواقع:
اللغة المعجمية الخيانة وقع آني.
اللغة التاريخية التتار حدوث واستمرارية الحدث.
اللغة الرمزية الليل حالة آنية.
تشترك هذه العناصر في تعبيرها عن الزمن الحاضر، لكنها ترتبط بالماضي عبر التتار، فهل هم سبب ما نعانيه؟ وما معنى التتار؟ التتار هو الهجمة الوحشية على الحضارة الإسلامية، بهدف تغيير وطمس معالم تلك الحضارة من الأمكنة التي استهدفها. فاستمرار حالة التتار وغياب الذات الحضارية يعني عدم تصحيح الأخطاء التي أدت إلى دخول التتار، وهي الخيانة، الليل البكاء….
وعبر الشاعر عن الوقت الآتي بالتتار للإشارة إلى أن محاولة القضاء على الهوية الحضارية،وتغيير المكان الواسع، محاولة قديمة عرفها الوطن الإسلامي، أي أن الصرع صراع تاريخي بين أنماط حضارية مختلفة. والعلاقة متينة بين التتار والخيانة، بل إن الخيانة هي الباب الواسع لولوج التتار،بناء على مقصدية الخيانة، هي خيانة الذات الحضارية، أي إغناء ذات أخرى على حساب الوجود الحضاري الوطني.أما الخيانة: السلوك الشخصي، فتدخل ضمن هذه الخيانة الحضارية بناء على نتائجها .وربطنا بين التتار والليل، لأن أهداف التتار هي طمس العطاء الحضاري للذات الإسلامية وفي ذلك طمس للقيم السامية وللعطاء الحضاري السامي. ولنريد الدخول في مناقشات حول فعالية العطاء الحضاري الإسلامي مقابل العطاء الحضاري الغربي أو الشرقي. لأن الواقع خير رد على تلك المناقشات، فالحضور الحضاري للوطن تجسد في حضور هويته الحضارية، أما حين فقدها فقد معها موقعه الحضاري أيضا. ولم يسترجع ذلك الحضور رغم تبنيه لهويات أخرى. نشير إلى »الحزن » باعتباره إفرازا من إفرازات الضياع (وطني الحزين)، لكن الاكتفاء بالحزن- كرد فعل الذات الواعية بواقعها الحضاري وخطورة الهمجية الحضارية-لا يمنع الواقع من الذوبان في أنماط حضارية أخرى، معارضة للذات، لكنه لا يساهم في طمس وقتل الهوية الحضارية للواقع، فالحزن هو رد فعل إيجابي، لكنه لا يساهم في تغيير الوجه الحقيقي للواقع العربي لكنه فعل سلبي لأنه لا يدافع عن استمرارية وبقاء الهوة الحضارية للواقع العربي.
التغيير
الملاحظ أن التغيير طلب يلم عليه الشاعر محمد بنعمارة ويفرضه عليه وعيه بميزات الواقع، لكن اللافت للنظر أن التعبير عند باقي الشعراء ، ورد في صيغ تثبيت صعوبة الظرف التاريخي الذي يعيشه الشعراء إذ أن اللغة الشعرية تفر بعدا دلاليا غير تفاؤلي رومانسي وذلك لحضور مجموعة من العناصر تتحكم في الوطن منها خاصة.
الذات الفاعلة للتغيير الذات الرافضة للتغيير. ولن يتحقق/الوطن/ الحلم إلا بحضور الذات الفاعل للتغيير حضورا وغياب الذات الرافضة للتغيير/، وبناء على ذلك تتشكل علاقة التدافع بين الذات الفاعلة والذات الرافضة للتغيير، من أجل تحيق الذات والوطن/الحلم. -لتصبح هذه الأرض الجحيم عشيقة للعدل .
ويتجلى التدافع « الصرا ع » في شكله الهادف إلى تحقيق طموح الذات الفاعلة مثل العدل والتغيير-لتصبح الأرض عشيقة للعدل-سعيا وراء تحقيق الوطن / الحلم التي تطمح إليها الذات الفردية والجماعية والتي تتسم بالسمة التالية:
-توفير العدل:
لكن هذه السمة لن تحقيق إلا بالعمل القوي الذي يغير موازين القوى ويصحح المواقع -:فالتدافع »، لإذن هو إحدى نتائج العلاقة الموجودة بين الواقع والمستقبل.
كما أنه أهم وسائل تحقيق المستقبل الذي يتحقق وقل التحقيق بناء على الاحتمالات الواردة في الأبيات، وضمن احتمالات الوطن / الحلم ندرج الأبيات التالية:
-إذا أبصرت حدود الأرض مخاضا
–
الأرض الجحيم # الأرض عشيقة للعدلفالأرض عروسك لا تسرع
-إلا تبصر تحت شقائق طين الأرض أصول النطفة




2 Comments
رحم الله شاعرنا وأديبنا وصديقنا محمد بنعمارة
ونتمنى أن تولي الجهات المعنية بتخليد بعض أعماله سواء بقراءتها أم التعريف بها والتذكير بإنجازاته..
تحياتي
رحم الله الفقيد الشاعر بنعمارة و جميع المسلمين .
كما أتمنى من مسؤولي الثقافة في هذا البلد و خصوصا في وجدة بأن يكرموا هذا الشاعر و لو بتسمية أحد شوارع أو مدارس وجدة باسم محمد بنعمارة حتى يبقى راسخا في أذهان الأجيال القادمة.