Home»National»المفسدون في الأرض

المفسدون في الأرض

2
Shares
PinterestGoogle+

من المعلوم أن الله عز وجل خلق الكون بالحق كما جاء في قوله تعالى : (( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق )) والحق رهين بالصلاح بينما الباطل رهين بالفساد. والحق والصلاح لا يتحققان إلا بشرع الله بينما شرائع الأهواء البشرية تفضي إلى باطل وفساد بالضرورة لهذا قال الله تعالى : (( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )).
والله تعالى إنما استخلف الإنسان ليكون سعيه في الأرض منسجما مع طبيعة الكون الصالحة ، لهذا استغربت الملائكة هذا الاستخلاف عندما علمت من رب العزة سبحانه طبيعة بني آدم النزاعة إلى الفساد ، وهو أمر سجله الوحي في حوار الملأ الأعلى حيث قال الله تعالى : (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها )). ومصدرإفساد الإنسان في الأرض هو استبدال شرع الخالق بشرائع أهوائه. ويحصل الفساد في الكون عن طريق مخالفة سعي الإنسان لنواميس الله وقوانينه الضابطة لهذا الكون على أساس صلاحه وصلاح ما فيه ، ومن فيه تماما كما يفسد ما يصنع الإنسان من آلات إذا ما تمت مخالفة قوانين تشغيلها بشكل صحيح .

ومما يضمن الصلاح في الكون وحدانية الله تعالى إذ لو وجد معه سبحانه من يديرهذا الكون لحصل اختلاف التدبير لاختلاف مصادره وتضاربها مما يسبب فسادا وهو ما عبر عنه الوحي بقوله تعالى : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) لأنه سيكون لكل إله قوانين ، وعندما تتسلط القوانين المتعددة على الشيء الواحد تفسده. ومما يحسب على الآلهة الأهواء حيث تنزل منزلة المشرع فيصدر عنها ما يخالف شرع الله في الكون فتكون النتيجة فساد هذا الكون.
ولقد تحدث القرآن الكريم عن طبيعة الفساد في الأرض من خلال سرد بعض الأعمال الفاسدة وبعض نماذج الفساد في بعض آفاق الحياة ومن ذلك على سبيل الذكر لا الحصر فساد إزهاق الأرواح الذي قال فيه الله تعالى : (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا )) لقد ذكر الله تعالى في هذه الآية قمة العمل الفاسد وهو إزهاق الأرواح ثم ذكر مطلق الفساد بعد ذلك ليكون الحكم واحدا .

فقاتل النفس الواحدة هو بمثابة قاتل البشرية قاطبة مادام أصل البشرية نفس واحدة. ومن أقدم على قتل النفس الواحدة فقد أقدم على قتل الأصل برمته . وكذلك شأن كل مفسد في الأرض إذ ينعكس إفساده في أفق ما على كل الآفاق نظرا لطبيعة الانسجام بين مكونات هذا الكون ، ونظرا لعلاقاتها الجدلية حيث يؤثر فساد مكون على باقي المكونات وهو ما أشار إليه قول الله تعالى عندما جعل قتل النفس الواحدة قتلا للناس جميعا.
ومن نماذج الفساد البشري في الأرض ماجاء في قول الله تعالى : (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد )) فهذه نماذج من الفساد الذي عرفته الأرض في أزمنة غابرة ، وهو فساد كبير يدل عليه وصف الله تعالى له بالكثرة مما استوجب صب سوط العذاب وهو الاستئصال حفاظا على صلاح الأرض ، وهي قاعدة إلهية تلاحق الفساد في كل عصر ومصر. ولقد فصل الله تعالى القول في فساد فرعون فقال : (( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين)) فالعلو في الأرض ، واستضعاف طائفة من الخلق مفسدة أدانها الله تعالى وصب على صاحبها سوط عذاب بالغرق ، ولم يقبل منه توبة بعد حلول ساعة العقاب كما جاء في الذكر الحكيم : (( آلآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين )) . وكفساد فرعون وهو فساد سلطان أدان الله تعالى فساد المال الذي يعتبر قارون نموذجه وهو أيضا من قوم موسى كفرعون ، وقد حذره قومه من الفساد كما نقل لنا الوحي ذلك : (( ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )) وقد صب الله عليه سوط عذاب بخسف داره .وقد بين الله تعالى من خلال نموج فرعون وقارون أن فساد السلطان والمال يستأصل لخطورته لأنه يفسد ما دون السلطان والمال .

ومن هنا شرع الله تعالى قانون معاقبة المفسدين في كل الآفاق في قوله تعالى : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم )) فشدة العذاب المخصص للمفسدين يدل على خطورة الفساد.
وعلى رأس المفسدين ذكر الله تعالى اليهود فقال فيهم : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )) وقد ذكر المفسرون أن كلمة  » فسادا  » إعرابها هو أنها مفعول له أو لأجله بمعنى يسعون في الأرض للفساد أي لغاية وهدف الفساد لهذا كانوا أكثر خلق الله إفسادا في الأرض . ومن لا هم له في الأرض إلا الفساد لا يرجى خيره ولا يؤمن شره وهو من شر الخلق كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » ألا أخبركم بخيركم من شركم ؟ فسكت أصحابه فكررها ثلاث مرات ثم قال أحدهم : بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا ، قال : خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره ، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره  » وماذا يرجى أو ينتظر ممن قال فيهم الله تعالى (( ويسعون في الأرض فسادا)) أي يحيون لأجل الفساد في الأرض ؟
ومعظم المفسدين في الأرض إنما يحذون حذو اليهود ذلك أنه لا توجد مفسدة في سياسة أو اقتصاد أو اجتماع أو ثقافة إلا وأصلها اليهود .

والذين يتابعونهم صنفان من المقلدين صنف يقلدهم عن وعي وسبق إصرار تحت مختلف شعارات التحضر، وهم متفقون معهم على الفساد والإفساد ، وصنف يقلدهم التقليد الأعمى غير الواعي ، ولا يتنبه إلى كيدهم الخفي تحت مختلف الشعارات التي تسوق عالميا على أنها موضوع إجماع البشرية . وعلى سبيل الذكر لا الحصر يوجد على رأس مصممي الأزياء النسائية تحديدا أخطر يهود العالم الذين يهدفون إلى إفساد الفطرة البشرية عن طريق الترويج للفساد الخلقي من خلال ظاهرة كشف الأجساد الأنثوية بطريقة خبيثة تعتمد ثقافة اللباس ، وهو أمر يعتبره الكثير من الناس مجرد تقاليع يفرضها واقع الناس و تفرضها أذواقهم وثقافاتهم. وقد يوجد من هو على وعي بخبث حيل مصممي الأزياء ، كما يوجد من يقلد ويلبس دون وعي بما يراد من وراء اللباس وهم سواد المقلدين السذج الذين لا يرون في اللباس إلا مجرد قماش بدون حمولة ثقافية .
ومن أخطر المفسدين في الأرض من يفسد باسم الدين وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) فهذا الصنف من المفسدين أخطر من صنف اليهود لأن اليهود ضالتهم الفساد في الأرض مع وضوح عقيدتهم الفاسدة أما الذين يشهدون الله على ما في قلوبهم ، وهم يضمرون عكس ما يظهرون ، وغايتهم هي نفس غاية اليهود وهو السعي للفساد في الأرض فعقيدتهم غير واضحة بسبب تقيتهم ، وظاهرهم لا يعكس باطنهم ، والله كشف أمرهم فسماهم المفسدين لشدة خصومتهم باسم الدين ولإفسادهم في الأرض بإهلاكهم الحرث والنسل.
و هذا الصنف من المفسدين يوفر الملاذ لكل فاسد مفسد في الأرض في قطاع من القطاعات أو مجال من المجالات عن طريق تنظيماتهم وهيئاتهم التي ظاهرها صلاح وباطنها فساد .

وقد تأخذ هذه التنظيمات العزة بالإثم فتستميت في الدفاع عن المفسدين وتوفر لهم الغطاء والشرعية الزائفة ، وتدافع عنهم بالباطل ، وهمها أن يظل هؤلاء المفسدون من أتباعها ومطاياها التي تركبها من أجل تحقيق وجودها في علاقة مصلحية داخل دائرة الفساد. وقد يعمي الانتماء الحزبي والطائفي أبصار وبصائر المنخرطين في تنظيمات وهيئات الفساد باسم الدين فلا يفكر بعض هؤلاء المنتمين في لحظة مراجعة للذوات ، ولا يخطر ببالهم إدانة النفوس على طريقة العقلاء وأهل الكياسة ، ولا يطبقون قاعدة التبين المطلوبة شرعا عندما يروج المفسدون المندسون تحت عباءة هذه التنظيمات والهيئات لأكاذيب من أجل التمويه على فسادهم المفضوح في أفق من الآفاق أو مجال من المجالات لأنهم يثقون الثقة العمياء في التزكيات الكاذبة ، التي سماها الله تعالى: (( ويشهد الله على ما في قلبه )) وحقيقته أنه كما قال الله تعالى : (( وهوألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل )) ومن كانت هذه حقيقته فأولى به ما شرع الله تعالى في قوله : (( والله لا يحب الفساد )) فالذي لا يحبه الله أولى به ألا يحبه من كان في قلبه مثقال ذرة من خير وصلاح . أما أن يغض الطرف عن فساد المفسدين لأنهم من الأتباع والمناضلين ، فهذا ما لا يرضي رب العالمين الذي لا يحب المفسدين.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *