Home»Débats»الذكاء الاصطناعي و »مقاومة التغيير » وجها لوجه

الذكاء الاصطناعي و »مقاومة التغيير » وجها لوجه

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الذكاء الاصطناعي و »مقاومة التغيير » وجها لوجه

الحسن جرودي

غالبا ما يتم تداول عبارة « مقاومة التغيير » مقرونة بحمولة قدحية، إما عن جهل، أو عن قصد، بغض النظر عن طبيعة التغيير المتوخى، ولعلنا نجد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما يبرر هذه المقولة لسبب رئيسي، مرده في تقديري إلى مرجعية هذه المجتمعات التي تستمد جذورها من المرجعية الإسلامية، التي غالبا ما تتنافى أسسها مع أسس المرجعية الغربية على الخصوص، بحيث لا يكاد يخلو أي منتج من منتجات الغرب المادية واللامادية على السواء من بصمتها، لذلك نجد أنه كلما أَطلَّ علينا عالَمُ التكنولوجيا بمولود جديد إلا واستقبلناه في غالب الأحيان بنوع من المقاومة الممزوجة بالريبة، التي تختلف حدتها باختلاف مجموعة من العوامل الذاتية، من قبيل الجنس والسن والمستوى التعليمي…والموضوعية كالثقافة الشائعة والمرجعية العقدية… ومن ثم تختلف مدة مقاومة هذا المولود المستجد، وكيفية التفاعل معه إيجابا أو سلبا، قد يصل في بعض الأحيان إلى التأرجح بين التحليل والتحريم، وهو ما تمت معايشته في السابق مع جهاز الراديو ثم التلفاز… ثم مع وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أصنافها، لنجد اليوم أنفسنا أمام تحد جديد، يتمثل في كيفية التفاعل مع هذا المولود الاستثنائي المتمثل في الذكاء الاصطناعي. ويبدو أننا نكرر نفس السيناريو المعتمد في التجارب السابقة، بحيث غالبا ما يتم استقبال هذه المستجدات بنوع من المقاومة السلبية، أو لنقل اللامبالاة، قبل أن نجد أنفسنا مجبرين على التعامل معها تعاملا غالبا ما يكون عشوائيا، إن لم أقل غبيا، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية لما كان يُنتظر من استغلالها، بسبب عدم أخذ الإجراءات القمينة بتوظيفها التوظيف الملائم، هذا في الوقت الذي يتعين فيه استشراف مآلات مختلف استعمالاتها بهدف حصر جوانبها الإيجابية وكيفية الاستفادة منها، وجوانبها السلبية وكيفية تجنب مخاطرها، مع العلم بأن أية وسيلة كانت بسيطة أو معقدة، بدءا بالسكين، مرورا بأدوات المطبخ، وبالدراجة، والدراجة النارية إلى السيارة و…وصولا إلى الذكاء الاصطناعي، كلها تحتمل الاستعمال النافع والاستعمال الضار، ومن ثم وجب الحرص على الإحاطة بالطرق الصحيحة التي يغلب فيها احتمال المنفعة على احتمال المضرة، ولم لا التفادي الكلي للاحتمال الأخير.

إذا كان الإلمام بالاستعمالات الإيجابية والسلبية على حد سواء، بالنسبة للوسائل المادية المعتادة عموما يبدو في متناول معظم الشرائح المجتمعية، إذ يُستبعد وجود عاقل يجهل منافع ومخاطر السكين، ولا منافع السيارة ومخاطرها في حالة عدم احترام قوانين السير على سبيل المثال، أو عدم الاعتناء بحالتها الميكانيكية أو… فإن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق بالوسائل التي تستهدف التأثير في الجوانب المعرفية والثقافية والقيمية بل حتى المرجعية، وهنا تكمن خطورة الاستعمال اللاواعي، إن لم أقل الساذج، لمختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.

إن المتأمل في واقع الإعلام وكيفية استغلاله لمختلف الوسائل المتاحة، يخلُص إلى وجود حرب إعلامية متأججة، هدفها الأساسي التأثير في الرأي العام والمعتقدات والسلوكيات لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية أو اجتماعية، بالإضافة إلى الأهداف المادية التي غالبا ما تكون هي الأصل، وذلك بالاعتماد على تشكيل التصورات والتمثلات التي توجه النقاشات، وتتحكم في مشاعر الأفراد والجماعات على حد سواء، مما يستحيل معه أو يكاد، وجود محتوى إعلامي رقمي أو تقليدي محايد، وذلك بسبب البراغماتية التي أصبحت تتحكم في ممارسات عموم الناس وخاصتهم، بحيث يرتبط بذل المجهود بتحقيق هدف معين وإحراز نتيجة ما، ومن ثم فإن حضور الفكر النقدي في التعامل مع المعلومة أيا كان مصدرها، بهدف التحقق من صحتها من جهة، ومدى ملاءمتها لمرجعية وثوابت الجهة التي ترغب في الحصول عليها من جهة ثانية، أمر ضروري للحصول على قيمة مضافة لهذه المعلومات، والمعطيات التي يوفرها هذا المحتوى الإعلامي أو ذاك، ومن ثم يمكن الانتقال بعبارة « مقاومة التغيير » من مفهومها السلبي، المتمثل في الرفض التلقائي لكل جديد، لا لشيء سوى لأنه يهدد الجهة الرافضة بإخراجها من منطقة الراحة (Zone de confort) أو ما يمكن تسميتها ب »كذلك وجدنا أباءنا يفعلون » إلى مفهوم إيجابي يتجلى في التريث، والبحث في إيجابيات وسلبيات التقنية أو الوسيلة المعتمدة، وما مدى مصداقية المعطيات والأجوبة المحصل عليها، وما مدى ملاءمتها للإطار المفاهيمي الذي تستند عليه مرجعية الجهة التي تلجأ لهذه الوسيلة أو تلك، استعدادا للاستعمال الأمثل لهذا المستجد أو ذاك. فإذا أخذنا ChatGpt على سبيل المثال، باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الذكاء الاصطناعي، نجده يصرح لمستخدميه بمجموعة من السلبيات التي ينطوي عليها استعمال الذكاء الاصطناعي عموما، ويعدد منها: غياب الضمير الأخلاقي، تضخيم التحيزات القيمية، التأثير الخفي على قيم الفرد، تهديد قيمة الصدق، تقليل قيمة جهد الإنسان، نشر قيم غير منسجمة مع المجتمع، غياب المسؤولية الأخلاقية، وتعزيز النفعية على حساب المبادئ، ومن ثم فقد أعذر من أنذر، وبالتالي لا يحق لأي كان سقط في إحدى هذه السلبيات، أن يلوم أحدا غير استعماله السيء لهذه التقنية، ومن ثم فلا بد من توخي الحذر من الاستعمال الحصري لهذه الوسيلة في البحث عن المعلومات، أو حل مشكل من المشاكل، وضرورة التوفر على مراجع موثوقة للتأكد من مصداقية الأجوبة المحصل عليها، خاصة وأن بعض المجالات لا تحتمل الخطأ، كما هو الشأن بالنسبة للجانب العقدي، وإذا أخذنا السلبيات المشار إليها أعلاه بعين الاعتبار، يتبين أن استدلال ChatGpt بآية خاطئة أو غير موجودة أصلا في القرآن الكريم مسألة عادية، فعلى سبيل المثال، ورد في إجابته عن سؤال يتعلق بمدلول كلمة أَمَا في القرآن الكريم، أنها « تأتي لتوبيخ أشدّ أو تعجبٍ من ترك أمرٍ واضح »، مستدلا بما اعتبره آية: ﴿أَمَا لَهُمْ بِالنَّصْرِ مُؤْمِنُونَ﴾ (الشعراء 227)، في حين أن سورة الشعراء تحتوى على 226 آية فقط، وأن هذه « الآية » لا وجود لها بالقرآن كله. وإذا علمنا أن القرآن الكريم معطى متوفر على الأنترنيت بمختلف الروايات، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي العلة وراء حصول هذا النوع من الأخطاء؟ هل هي نتيجة موضوعية للمعطيات المتوفرة لدى البرنامج؟ أم أن هناك استدماج لمعطيات تتعمد مثل هذه الأخطاء، في إطار الحرب الثقافية، وخاصة الحرب على الإسلام التي أصبحت من أولويات الغرب؟؟؟

 ختاما أعتقد أن لا أحد يمكن أن ينكر أهمية الذكاء الاصطناعي، وضرورة الاستفادة منه في عدد كبير من المجالات، ومن ثم لا يمكن مقاومته سلبيا بالتخلي عنه، فقط لأنه من إنتاج المعسكر الغربي، وإنما يتعين استعماله باعتماد مقاومة واعية، تسمح بالتأكد من مخرجاته بعرضها على المراجع الموثوقة في المجال المعني، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجوانب المصيرية المادية منها واللامادية. ومما ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة إسراع مسؤولي الدول العربية والإسلامية باستدعاء العقول العربية والإسلامية المنتشرة في أرجاء العالم، للعمل في إطار مراكز للدراسة والبحث، لجعل هذه التقنية في خدمة قيمنا الإسلامية وتدعو إلى تبنيها، ولعل أول ما يمكن الشروع به هو تزويد محركات البحث المعتمدة بمضامين أرشيفنا على الأقل، وذلك أضعف الإيمان.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *